أحمد مصطفى يكتب: «تسلم الأيادي».. الترجمة الفورية البسيطة لمشاعر ملايين المصريين - منبر الشروق - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:45 ص القاهرة القاهرة 24°

أحمد مصطفى يكتب: «تسلم الأيادي».. الترجمة الفورية البسيطة لمشاعر ملايين المصريين

نشر فى : الجمعة 27 سبتمبر 2013 - 1:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 سبتمبر 2013 - 1:09 م

هكذا هى دائما الأغنية, أقوى واسرع انتشارا من الشعارات والهتيفة والاحزاب الكرتونية, فهى تصلك أينما توجهت, وما أبدعها وأجملها عندما تكون الحياة مهيئة لذلك.

وبرغم ان الحلم بسيط متواضع فى العيش بحرية وكرامة انسانية وعدالة اجتماعية، وربما يضاف إليهم "اغانى وطنية"، إلا أن هذا الحلم البسيط كان صعب المنال بين ثورة 25 يناير الى ذروتها فى 30 يوليو، اجتهد من اجتهد, فأخفقنا كثيرا ونجحنا أحيانا, ورُحنا نبحث عن السلوى لدى مبدعينا الكبار، وما خذلونا ابدا, بليغ حمدى والأبنودى وجاهين وعلى اسماعيل ووردة وشادية وعبدالحليم وغيرهم الكثير، فدارت الأشرطة والتسجيلات عبر مكبرات الصوت فى الميادين, منشدة "وانا على الربابة باغني" و"عدى النهار" و"بسم الله.الله اكبر" و"عاش اللى قال"، إلى آخر هذا الموروث العظيم الذى نُقل وحُفظ ودُون فى وجدان الشعوب العربية إلى ما شاء الله.

ونحن على هذا الحال, وهيلا هوب هيلا، كى نرتاح من الشيلة, إذ بلحن شجي بسيط مصحوب بأصوات جميلة, تغنى وتغنى.."تسلم الأيادى..تسلم ياجيش بلادى" ومازال الصوت مسترسلا من فوقنا ومن تحتنا ومن التلفاز والتوكتوك والميكروباص وعبر أثير محطات المترو والغيطان, وفى حشود المظاهرات والمنصات, ماعدا منصة رابعة بالطبع، وحتى الإخوان قاموا بغناء نفس اللحن ولكن بمعان مختلفة طبعاً، فقررت ان استمع باهتمام للوقوف على سر هذه الاغنية، ولم وصلت دون غيرها لهذا القطاع الكبير من الناس في وقت قصير..

"تسلم الأيادى" من كلمات وألحان مصطفى كامل, صاغها نثرا فى أبيات ثلاثية, تصف شعور المصريين الجميل نحو قائد الجيش والشرطة ورجالهم, وتدعوا إلى الوحدة الوطنية وتمجد الشهداء, أما اللحن فهو من مقام "الهُزام"، ومقام الهزام هو الدرجة الثالثة من مقام "الراست" والإيقاع المصاحب ايقاع "مقسوم" ثنائى الضرب بسيط، يسهل التصفيق عليه, ومقام الهزام صيغ منه ألحان كثيرة منها، ياعشاق النبى لسيد درويش, وتعب الهوى قلبى لمحمد فوزى, وغريب الدار لعبده السروجى, وقولى عملك ايه قلبى لعبد الوهاب, وهل البدر بدرى لشريفة فاضل والكثير والكثير.

فمقام الهزام مقام عربى اصيل يغلب عليه طابع الشجن كما انه يستخدم فى الألحان الفرحة, ونادرا مايستخدم للألحان الوطنية, فكان جرأة من الملحن ان يستخدم هذا المقام لأغنية وطنية, كما استخدم النصف الأسفل من المقام وليس المقام كله مما أوقعه فى شرك الاتهام بسرقة اللحن, والأمر غير ذلك تماما، لأن السرقة يجب أن تكون لأربعة موازير كاملة أو أكثر، وهو غير حاصل في هذه الحالة.

مقام الهزام شديد التباين ومن السهل تمييزه عن مقامات كثيرة, فأوقعه ذلك فى الاتهامات, ولكن أقول قد تشابه عليهم الامر, فلا اللحن مسروق ولايحزنون, اذا نحن أمام مقام شعبى جميل وايقاع شعبى بسيط وكلمات جميلة, ومثل هذا حدث كثيرا.

اذا ماذا حدث؟ وما سر انتشار هذه الأغنية, فالمناخ والتوقيت التى ظهرت فيه الأغنية مفعم بالثورية والوطنية، وقائد عظيم للجيش أيقظ المشاعر وصحصح الأمل، فأجمعنا ان نقول للرجل "شكرا", ولكن متى واين, وإذ بـ "تسلم الأيادى..تسلم ياجيش بلادى" ترفع عنا الحرج وتصل بنغماتها إلى عموم الناس.

وفى أداء فخيم معتبر ومن الأراضى أي منطقة القرارات, شدا سمير الاسكندرانى "هو ده اللى حامى لى أرضى..ده اللى واقف على الحدود..بيحمى مالى ويحمى عرضى..أهله مش ضامنين يعود..ده اللى على شط القنال..كان قلبه أقوى من البارود"، وهاجت المشاعر وانتحبت الوجدان وتذكرنا أغنيته الشهيره "بلدى ياغنوتى وموالى" وللمصادفة كان لحنها على مقام الهزام أيضا

أما الفنان هشام عباس فقام بكل أريحية وبساطة بغناء الكوبليه خاصته من مقام الهزام, ولا نستكثر عليه ذلك وهو اتعجن واتخبز فى"اسماء الله الحسنى" لسيد مكاوى.

أما الفنانة غادة رجب فلم تخفق ولكنها ظلمت هى وباقي المطربات وذلك لعلو "التون" الطبقة الصوتية التى كانت مناسبة للرجال فقط, ولو كانت طبقة مناسبة لأجادت وأفاضت كعادتها, وعموما كل المطربات مشكورات لاجتهادهن, وكانت المخلصة لهن المطربة سوما حيث تطوعت ان تغنى اللحن العالى من الاغنية عوضا عن زميلاتها، فكان أدائها فى الغناء من منطقة الرأس، والمطربة بوسى وصوتها الذى يشبه آله الأرغول المصرية, عملت ماعليها وتركت المهمة الصعبة للمطربة سومة كما هو متفق.

المطرب حكيم من محبى مقام الهزام وكان أداؤه بطريقته المعتادة، وكنا نأمل ان يكون مختلفا ولكن ماذا تعمل للحماسة الفياضة منه, ونأتى لحسن الختام من المطرب ايهاب توفيق عندما غنى:

"تسلم الايادى اللى شالت قلب اقوى من الحديد..هات لى أم دموعها سالت قلبها فرحان سعيد..أم مين دى غير أمى وأمك..تسلم أم الشهيد".

عليكم ان تعيدوا الآن المقطع مرات ومرات لسماع كلمة "شالت"، فقد وصل إيهاب إلى إحساس اللحن وليس المقام, وقام بـ (عفقه) عفقا جميلا لينا ينتزع منك الآه وكلمة الله, فعلا انه دارس مُحنك موهوب.

أما خالد عجاج فكان المأمول أن يعطينا اكثر من ذلك, ولكن ما حيلته والمقطع المغنى قصير جدا ولكنه فى نهاية المقطع قام بالتوقيع عندما قفل الكوبليه من منطقة الجوابات فى حنكة ودراية.

واخيرا اذا ماقدر لهذا العمل ان يعاد تسجيله بآلات اكثر وانتاج أغنى وتوزيع أحدث, بمشاركة مطربين ومطربات آخرين, فهل سيكون العمل أفضل؟ نعم، ولكن هل سيأخذ نفس النجاح؟ لا اعتقد.

*موسيقي مصري

شارك بتعليقك