أوشك العام الثاني بعد ميلاد ثورة يناير على الانتهاء ولازالت الدولة المصرية تعاني من مراحل عديدة من التخبط السياسي، مرت الفترة الانتقالية وتغيرت رأس النظام لكن التحول الديمقراطي لم يكن كما ينبغي أن يكون، المشكلة تكمن في إغفال كتابة الدستور منذ البداية، وهذا هو الخطأ الأول في مسار التحول الديمقراطي، يليه الخطأ الثاني بعدم الوضع في الاعتبار إنشاء مجلس رئاسي مدني بدلا من الحكم العسكري الذي خول له السلطه نظام فاسد ومستبد من الأساس.
كيف لشعب عانى لطيلة ثلاثة عقود من التهميش والذل والقمع أن يكون له نصيب كافى من النضج الفكري والوعي السياسي ليحتكم الى تجربة ديمقراطية سليمة في ظل مناخ سياسي أفسده الحزب الحاكم في النظام السابق الذي من الحماقة أن نصفه بالوطنية!؟ المشهد يظهر لنا جلياً حزب واحد يستمد قوته من السلطة الحاكمة وأحزاب أخرى لا يصلح أن نقول عنها أنها منافسة بل مفككة وضعيفة، وحركات سياسية عانت لسنوات طويلة من القمع الفكري والاعتقال وعمليات التصفية السياسية الممنهجة.
لقد وضع النظام السابق برنامجاً استهدف به إفساد المناخ السياسي لدرجة تصعب إقامة عملية التحول الديمقراطي السليم، امتدت آثار ذلك التوجه غير السوي إلى تهميش أدوار الإصلاحيين والحركات المنادية بالديمقراطية وإقامة نظام سياسي رشيد، والممارسات القمعية ضد التجمعات الشعبية.. أشهرها اعتصام عمال الغزل والنسيج بالمحلة في السادس من ابريل عام 2008 للمطالبة برفع الأجور معترضين أيضا على غلاء الأسعار وتحسين الخدمات العامة وأهمها الصحة والتعليم.
نحن الآن تحت حكم نظام سياسي مختل لم يتم بنائه على أساس توافقي بكل ما يحويه من مؤسسات، نظام أهوج لم ينتهج حتى الآن برنامجا سياسياً واضحاً يرجع إليه الشعب باعتباره صاحب الشرعية ومصدر السلطات لكي يحاسب ذلك النظام، أين المبدأ السامي للديمقراطية في الفصل بين السلطات- ورأس النظام يحكم قبضته على السلطة التشريعية والتنفيذية ويسعى لإقصاء السلطة القضائية؟ هذا النظام الأهوج يقودنا من بقايا الدولة إلى اللادولة.
اليوم ونتيجة الجهل السياسي لصاحب الشرعية أبرم عقده مع السلطة بدستور سيلقي بنا في الهاوية، في موجات أخرى من انعدام الاستقرار السياسي الذي سيفرض علينا تحمل أعباء اقتصادية جمّه، أين هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها وسط جهل الكثيرين بأوضاع الدولة والسياسة العامة؟ أي دستور هذا الذي ينفرد بوضعه فصيل سياسي واحد لا يمثل أغلبية إلا بالحشد الشعبي المؤقت على أرض الجهل والفقر، والذي يزول مع نفاذ ما يوزع من مال أو سلع تموينية جافة أو وعود زائفة بالاصلاح أو بمشروع للنهضة ليس له أي جوانب واقعية من الأساس!؟
الأزمة تكمن في من لا صوت لهم إلا عندما تفرغ بطونهم وتأن من الجوع والفقر المدقع، حقا إنه القتل المعنوي الذي كان يمارسه النظام السابق الظالم لشريحة هي الكبرى ممن يعانون من الفقر جعلهم لا يفكرون إلا في هم إيجاد المال من أجل العيش ولو كان على حساب الكرامة وعزة النفس، الشعب الذي بيده الشرعية الآن هو من يدفع ثمن سياسات إهمال التعليم وتكميم الأفواه المطالبة بالحقوق والحريات.
الإعلام الموجه ساهم أيضا وبنصيب كبير في جهل العامة بسياسات النظام وإلهاء المواطنين عن تلك المؤامرات السياسية القذرة، الآن ومنذ قرابة عقد من الزمن لا تمر على بيت مصري، ولو كان من ساكني العشوائيات، إلا وتجد أطباق الاستقبال الفضائي وهوائيات التليفزيون المحلي تعلو أسطح المنازل. الكل يقع تحت طائلة الإعلام الموجه، كان لمحطات التلفزة المرئية أثرها البالغ على فكر العامة وتوجيههم لما يخدم السلطة الحاكمة بمواد مرئية ترسخ مفهوم الرضا بالوضع وضياع الحقوق والاستسلام للقمع وقتل الطموح إلا من رحم ربي، لا يزال ماسبيرو تحت قبضة السلطة الحاكمة ويعمل لصالحها -من العسكر للإخوان يا قلبي لا تحزن -أين نحن من استقلال الإعلام؟
في نهاية المطاف إذا كان ما نمارسه من استفتاء أو انتخاب هو الديمقراطية فإننا قد جمعنا المشبوه والمنقوص منها معا، فهي منقوصة بالجهل السياسي لدى الكثير الذي يجعلهم ينصاعوا لديماجوجية الفصيل السياسي سالف الذكر الذي يجعله يشري صوت حريته بثمن بخس، لا مجال للحديث عن ديمقراطية الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وسط مناخ سياسي يسوده الجهل وفي وجود فصيل يمارس السياسة بطريقة لا تليق بمؤسسيه -أفيقوا يرحمكم الله -.