مهرجان السينما الأفريقية يتخطَّى الانفلات الأمنى ويتجاوز خطايا السياسة - بوابة الشروق
الإثنين 4 أغسطس 2025 11:58 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

ثورة الجزائر تبدأ من الأقصر.. والكشف عن جريمة فرنسا فى بنين وسط اعتراف بالذنب

مهرجان السينما الأفريقية يتخطَّى الانفلات الأمنى ويتجاوز خطايا السياسة

لقطة من الفيلم الكيني (فتي الأرواح) الفائز بجائزة النيل الكبري أحسن فيلم طويل
لقطة من الفيلم الكيني (فتي الأرواح) الفائز بجائزة النيل الكبري أحسن فيلم طويل
خالد محمود
نشر في: الخميس 1 مارس 2012 - 12:25 م | آخر تحديث: الخميس 1 مارس 2012 - 12:47 م

رغم أن هناك محطات مهمة لم يقف عندها قطار مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية وهو يعبر رحلته الأولى، كى تخرج التظاهرة أكثر فاعلية وحرفية وعمقا، إلا أنه كشف عن حقيقة أنه بإمكان مصر أن تعود بعد ثورتها العظيمة إلى احتضان فاعليات سينمائية متعددة ومختلفة الموضوعات والأساليب والرؤى غير تلك الموجات التى ألفها الجمهور، فقد جاءت الأفلام الأفريقية على شاشة مهرجان الأقصر تحمل هموم وأحلام مجتمعات القارة السمراء ومبدعيها وشاهدنا نماذج سينمائية قربتنا من أهم قضايا المواطن الأفريقى أمس واليوم وغدا، وربما أجابت عن السؤال الذى تجاهله السياسيون والنظام السابق وهو كيف تفكر أفريقيا، وكيف تعيش وأين نحن منها وإلى أى مدى يمكن أن تعود دول هذه القارة إلى حضن مصر من جديد لتشكل عالما واحدا؟ وهو كما ألمح إليه الكثير من مخرجى الأفلام.

 

واقع المشهد فى مهرجان الأقصر أوضح أن مبدعى أفريقيا كانوا سعداء بعرض أفلامهم فى مصر، وكانت سعادتهم أكبر بتفاعل جمهور الأقصر الطيب مع أعمالهم، ذلك الجمهور الذى حُرم لسنوات طويلة من النشاط السينمائى، ولم يفكر فيه أحد.

 

وقبل أن أكشف بعض ملامح أفريقيا سينمائيا، أتوقف عند تلك المحطات التى تركها المهرجان، وللحق بعضها كان المهرجان فيها مجبرا على عدم الوقوف، والبعض الآخر كان يتطلب إصرارا على ألا نتجاهلها، وذلك من اللحظة الأولى للافتتاح، نعم كانت فكرة إقامة بعض مراسم الحفل فى ساحة معبد الأقصر ملهمة ورائعة للفت أنظار العالم إلى الحدث والمكان والأمان والطمأنينة على أرض مصر، لكن كان الوقت مبكرا ــ الثانية ظهرا ــ وهو توقيت الجو به حار للغاية.

 

ثم انتقلت المراسم إلى قاعة المؤتمرات حيث يعرض فيلم الافتتاح المهم «تينرا» للمخرج الإثيوبى هايلى جريمى، وكنت أتمنى أن يعرض الفيلم فى الختام حيث لم يحضر مخرجه فى تلك الليلة ليقدم فيلمه، بدلا من عرضه فى ظل صمت تام دون تقديمه، وكان يمكن أيضا أن يكون هناك شريط ترجمة باللغة العربية أو الانجليزية ليستطيع الجمهور متابعة الفيلم الناطق باللغة الإثيوبية المحلية والمترجم بالفرنسية، ثم عاد جمهور الحفل مرة أخرى إلى ساحة معبد الأقصر حيث حفل العشاء، وأرى أنه كان يمكن أن يبدأ الحفل بكلمات الافتتاح ثم عرض الفيلم بقاعة العرض، ثم ينتقل الحضور لساحة معبد الأقصر لمشاهدة الفقرة الفنية التى قدمت عصرا، وكان يجب أن يصاحبها شاشة عرض سينمائى يعرض عليها مشاهد من أهم الأفلام العالمية والمصرية التى صورت مشاهد بين رحاب آثار الأقصر، لتعلو قيمة الحدث والمدينة.

 

رئيس المهرجان سيد فؤاد اعترف بأنه ربما يوجد بعض الهنات لكن الدورات المقبلة يوجد ما هو أفضل لمصر وأفريقيا، وقال: اقتربنا قليلا كسينما مصرية من القارة الأفريقية واقتربت سينما القارة لمصر وهذا هدف مهم.

 

وبعيدا عن ذلك شهدت شاشة مهرجان الأقصر مجموعة من أهم الأفلام الأفريقية، التى كشفت عن قضايا خاصة فى مقدمتها الهوية وتشتيت الجذور، وأيضا قيمة السحر فى مجريات حياة بعض الشعوب الأفريقية. وكانت الصدمة الكبرى هو ما طرحه فيلم «الهند الصينية ــ الطريق إلى ام» للمخرج البنينى إدريسو موراكباى، وفيه نرى كريستوف 58 عاما وهو «أفروفيتنامى» وهو يحكى عن مأساة الجنود الأفارقة الذين قاتلوا فى صفوف القوات الفرنسية فى فيتنام أعوام 1946 و1954، حيث تم تجنيد أكثر من 60 ألفا من هؤلاء الجنود، وكان الاستعمار الفرنسى يزوج هؤلاء الجنود من فيتناميات، وينجبون أطفالا مختلطى العرق، وبعد الحرب أمرت فرنسا بإرسال هؤلاء الأطفال إلى أفريقيا ونزعهم من أمهاتهم، وشحنهم الاستعمار، دون أن يفكر كيف سيكون مصير هؤلاء الأطفال فقد أصبحوا بلا هوية.

 

كريستوف الذى حضر المهرجان وكان بطل العمل على الشاشة ذكر هو ورفاقه بعض المآسى الإنسانية وتناقض الهوية لبعض هؤلاء الجنود الأفارقة والأطفال المخلطين وهو واحد منهم وقال لى: إنه يريد أن يرسل رسالة إلى العالم، إلى الإنسانية كلها ليساعدوه هو ومن مثله فى العثور على أوراق تخص جذوره وتثبت هويته، وطلب منى وسيلة تحفيز للمنظمات الحقوقية للتعريف بقضايا هؤلاء الأطفال الذين أصبحوا شيوخا دون معرفة أصولهم ولا هويتهم البيولوجية.

 

حيث لا يوجد أى أرشيف لهم لا فى فرنسا، ولا فى فيتنام، المدهش أن الفيلم يشارك فى إنتاجه فيتنام وفرنسا التى بدت وكأنها تتطهر من مآسى استعمارها وكنوع من الاعتراف بالذنب.

 

كانت دموع كريستوف تلمع فى عينيه وهو ينظر إلىّ ويقول «هناك أمور كثيرةأفتقدها مثل الحب والدفء والفضيلة فى المناخ العائلى».

 

الفيلم الآخر هو الجزائرى «نورمال» للمخرج الثائر مرزاق علواشى، الذى تثير أعماله دائما جدلا داخل الجزائر وخارجها ونتذكر أعماله «حراقة» و«سلام يا ابن العم»، وأزعم أن فيلم «نورمال» أو الطبيعى سوف يكون أحد العناصر المحركة للثورة فى الجزائر، فمرزاق علواشى يحلم بثورة شبيهة بالتى حدثت فى مصر وتونس، بل وذكر ذلك صراحة فى الفيلم الذى تدور أحداثه بعد الربيع العربى، حيث يتجمع عدد من الممثلين الشبان ويعرض لهم زميلهم المخرج فيلما تسجيليا بدأ فى تصويره حول الشباب المشتتين الذين يسعون للتعبير عن أفكارهم الفنية وعن وجهة نظرهم لما يحدث فى المجتمع الملىء بالغضب، ونرى الزوجين الشابين المخرج والمؤلفة وهما يحلمان بدعم العمل الجديد ماديا، لكن الدولة ترفض، وكذلك الرقابة التى ترفض التصريح بالعمل لجرأته، ونرى مسئولة الرقابة تقول لهم: أتعتقدون أنكم تعيشون فى أمريكا أو فرنسا».

 

هذا الكلام بداخل الفيلم جرىء للغاية، وبين مشهد وآخر نرى صوت الطائرات الهليكوبتر، وصوت سارينة الشرطة كتعبير عن أن البلد والشعب محاصرون وتحت أعين السلطة، ونرى أيضا بعض مشاهد من مظاهرات حقيقية توحى بالتوتر فى ظل حلم بثورة على الأوضاع السيئة بالجزائر. الفيلم الفائز بجائزة أحسن فيلم عربى فى مهرجان الدوحة السينمائى لم يستطع صنّاعه عرضه بالجزائر، وقالت بطلة الفيلم ياسمينة سلطان، إن ذلك المنع يحدث بالرغم من عرضه فى مجموعة من المهرجانات سواء فى المغرب وتونس، وأكدت أن الفيلم يحمل العديد من القضايا التى تهم المواطن الجزائرى ويعكس واقع الشباب خاصة قمع الحريات، وأضافت: لقد سئمنا من رؤية المراكب التى تغرق فى مضيق جبل طارق وتحمل شبابا يحلمون بالسفر إلى أوروبا، بينما الجزائر فى حاجة إليهم لبناء وطن.

 

الحوارات الطويلة داخل الفيلم بين أبطاله ما هى إلا مؤشر على وضع الغليان شئنا أم أبينا سينفجر، إن كنت أرى أنه على المجتمع الجزائرى نفسه أن يتخلص أولا من تلك الازدواجية فى الشخصية، فهو نصف جزائرى ونصف فرنسى، وهو ما اتضح فى الحوار المتنقل بين اللهجة الجزائرية واللغة الفرنسية. المهم هو الثبات على قيمة الهوية، وحينئذ ستكون للثورة علامات صريحة وواضحة، وستكون السينما شريكا حقيقيا ومفجرا وموصيا.

 

الفيلم الثالث الذى أثار انتباهى هو فيلم الافتتاح «تينرا»، الذى نوهت عنه فى بداية مقالى للمخرج الإثيوبى الكبير هايلى جريمى، الذى تدور أحداثه أثناء عهد النظام الشمولى القمعى لمانجستو هايلر ماريم، وكيف يستخدمون الطغاة العسكريين العلماء لتحقيق أغراضهم السياسية الخاصة، وذلك المفكر والطبيب الإثيوبى أنبرير العائد إلى وطنه، حيث يشعر بالغربة والعجز عن حل مشاكل الأهل، ويجد المكان محاطا دائما بالاضطرابات ويضيع حلمه فى تحسين صحة الوطن والمواطن. الفيلم راقى الأداء وواقعى الصورة، إنتاج إثيوبى، ألمانى، فرنسى، ودائما ما يحاول جريمى تصحيح المفاهيم الخاطئة التى زرعت حول الشعوب الأفريقية.. يحاول إعادة اكتشاف مواطنيه وتقديمهم للعالم فى صورة مغايرة.

 

أيضا هناك الفيلم الكينى الألمانى «فتى الأرواح» إخراج هوا عثمان، الفائز بجائزة أحسن فيلم روائى طويل، وهو يكشف عبر أسلوب سينمائى مبهر التصوير بأماكن شديدة الواقعية وكأنها مرآة صادقة لمجتمعها، كيف يبحر الشعب الأفريقى فى عالم السحر، وكيف يؤمن أنه بالثقة فى الروح يمكنك أن تقهر كل شىء يؤرقك بما فيه المرض والخوف حتى من الحوادث الخارقة والطبيعية، وبطلنا هو أبيلا 14 عاما يعيش مع والديه فى منطقة ذات كثافة سكانية كبيرة وفقيرة فى شرق أفريقيا، حيث يكتشف أن شخصا قام بسرقة روح أبيه، وعليه أن يجد الحل لعلاج والده الذى يحتضر، ويقابل ساحرة تؤكد له أن أباه قامر بروحه معها وعليه أن يواجه تحديات سبعة قد تنقذ روح أبيه، لكنه سرعان ما ينغمس فى مجتمعه بروح جديدة قادرة على مواجهة الصعاب بواقعية وخيال فى وقت واحد.

 

تبقى الإشارة إلى أن النقطة الأهم فى إقامة مثل هذا المهرجان ــ رغم بعض الملاحظات ــ أنه يصدر فكرة التخفيف من حدة الأصوات التى تسعى لفرض فكرة اتساع فجوة الانفلات الأمنى، وفزاعته.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك