قبل حصول مصر على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولى
الدولار سيصل إلى 12 جنيهًا واستقراره مرهون بجذب استثمارات أجنبية مباشرة
خطة واضحة لإلغاء الدعم وترشيد النفقات خطوة أولى فى مفاوضات الصندوق
خطة حكومية لتخفيف الصدمة لدى الطبقات الأكثر فقرا «لكن الألم حتمى»
«التعويم الكلى للجنيه قادم لا محالة، وقد يتم تخفيض الجنيه بنسبة 35% فى المرحلة الأولى وقبل حصول مصر على الشريحة الأولى للقرض ليصل سعر الدولار إلى 12 جنيها فى السوق الرسمية»، بحسب مصادر حكومية لـ«الشروق» تعليقا على سير المباحثات مع بعثة صندوق النقد الدولى، والتى بدأت اجتماعاتها يوم السبت الماضى، وتستمر لمدة أسبوعين، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات.
بعثة الصندوق تناقش مع المسئولين المصريين برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يتضمن بنودا كثيرة، منها: بدء تخفيض دعم الطاقة، وتطبيق حزمة ضرائب جديدة مثل القيمة المضافة، ورفع سعر الخدمات، ويأتى على رأسها تحرير سعر الصرف، وبحسب مصادر حكومية فإن صندوق النقد طالب مصر بتحرير كامل لسعر الصرف، لكن الحكومة المصرية تسعى إلى الوصول تدريجيا للتحرير الكامل.
استقرار سعر الجنيه
وقال أحد هذه المصادر، إن التقديرات تفيد بأن سعر الجنيه يمكن أن يتم تخفيضه بنسبة أكثر من الثلث ليصل إلى ١٢ جنيها للدولار عند حصول مصر على الشريحة الأولى من الصندوق. ويدور سعر الدولار حاليا فى السوق الرسمية حول 8.88 جنيه، و12.55 جنيه فى السوق السوداء.
وبحسب أحمد كوجك، نائب وزير المالية للسياسات المالية، فإنه من المتوقع أن تحصل مصر على الشريحة الأولى من القرض خلال 8 أسابيع أى فى شهر أكتوبر ويقول مصدر حكومى: «يمكن أن تزيد أو تقل الفترة المتوقعة للحصول على الشريحة الأولى قليلا، لكن هذا هو الإطار الزمنى الذى نتحدث فى حدوده».
يذكر أن مصادر حكومية ذكرت لـ«الشروق» أمس أن صندوق النقد يتشدد فى طلبه لمصر بوجود سعر واحد للدولار، وهو ما يعنى أن القضاء على السوق السوداء للدولار شرط من شروط الحصول على القرض بغض النظر عن تحرير سعر الصرف الكامل من عدمه.
بقاء سعر الدولار عند حدود ١٢ جنيها فى البنوك، لن يحدث فقط بحصول مصر على الشريحة الأولى من القرض
واتفقت عدة مصادر مالية رسمية وغير رسمية على أن بقاء سعر الدولار عند حدود ١٢ جنيها فى البنوك، لن يحدث فقط بحصول مصر على الشريحة الأولى من القرض ــ وهو ما يعنى استمرار الثقة الدولية فى الاقتصاد المصرى وفى الاستقرار فى مصر ــ ولكنه مرهون كذلك بحصول مصر على استثمارات أجنبية مباشرة. ويحتاج جذب الاستثمارات المباشرة ــ حسبما يذكر شركاء مصر الاقتصاديين فى الخليج العربى ــ إلى تبنى حزمة قانونية تيسر إجراءات الاستثمار للأجانب وايضا خلق تنسيق أقوى بين الوزارات المعنية بالملف الاقتصادى وربما إعادة النظر فى بعض الكوادر التى تدير النشاط الاقتصادى فى مصر.
أزمة سيولة النقد الأجنبى أصبحت من أهم أسباب عزوف المهتمين من رجال الأعمال على التوجه إلى مصر
فى الوقت نفسه قالت مصادر قريبة من اعمال مستثمرين غربيين فى القاهرة إن أزمة سيولة النقد الأجنبى أصبحت من أهم أسباب عزوف المهتمين من رجال الأعمال على التوجه إلى مصر باستثماراتهم وذلك فى ضوء ما أصبح الجميع يعرفه عن الصعوبات التى يواجهها المستثمرون للحصول على العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد بعض مستلزمات الإنتاج أو تحويل الأرباح بالعملة الأجنبية للخارج».
إزالة عراقيل الاستثمار
ويقول أحدهم: «إذا كان مطلوبا منا أن نبقى فى مصر، وهى بلد فعلا به فرص واعدة جدا للاستثمار، فسيكون على الحكومة أن تتحرك بسرعة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنهاء أزمة توافر النقد الأجنبى، فالمستثمر لا يأتى إلى مصر ليضع الدولارات أو اليوروهات فى بئر عميقة يستحيل بعدها استعادته، بل يأتى ليضخ أموالا يدير من خلالها أعمال دون عراقيل كبيرة ويجنى أرباحا يستطيع إعادتها إلى مقر شركته فى وطنه» بحسب تعبيره.
وبحسب المصادر، فإن قرض صندوق النقد الدولى يمهد لاستثمارات فى مجالات الطاقة والصناعات الثقيلة، لكن مصدرا حكوميا قال لـ«الشروق» إن هناك اهتماما ايضا لجذب استثمارات للصناعات كثيفة العمالة بما يساهم فى فتح باب التشغيل أمام قطاعات واسعة، خصوصا أن عملية الإصلاح التى تتجه نحوها مصر «بقناعة واضحة من القيادة السياسية» ستشمل «حتميا» تخفيض الجهاز البيروقراطى للدولة «طبعا على مراحل، ولكن التخفيض حتمى».
الأمن يتحسب ويحذر من أن تتسبب الإجراءات التقشفية في حدوث احتجاجات
وتتحسب قطاعات أمنية لما يمكن أن تتسبب فيه هذه الإجراءات التقشفية من تبعات اجتماعية وسياسية، وتحذر فى تقاريرها المرفوعة للقيادات الأمنية والتنفيذية من احتمال حدوث احتجاجات ولو «فى بؤر بعينها» وهو ما قد يتطلب تمهيدا جيدا للإجراءات لتفادى اجتذاب هذه الاحتجاجات لكثير من المؤيدين، غير أن الجهات المعنية بالتفاوض على القرض تتحرك فى ضوء توجيهات بسرعة إنجاز المهمة «حتى لا نستيقظ يوما لنجد أن الدولار تجاوز حدود الـ١٥جنيها، وهو أمر محتمل فى حال لم تحصل مصر على الشريحة الأولى من القرض فى فترة لا تزيد على ٣ شهور».
وقال مصدر آخر إن القاهرة ستبدأ أولا بسلسلة خطوات تدريجية بشأن تخفيض الدعم وترشيد الإنفاق قبل أن تتمكن من الحصول على الشريحة الأول من القرض.
وفى الوقت نفسه، فإن وزارة التضامن الاجتماعى تقوم حاليا بالتنسيق مع عدد من الأجهزة السيادية والتنفيذية ومع وزارات أخرى فى الحكومة لصياغة خطة تخفيف صدمات فيما يخص الطبقات الأكثر فقرا، «نسعى لتهوين الألم ولكن الألم حتمى» بحسب تعبيره.
السيسى يتابع بصورة يومية تطورات التفاوض مع صندوق النقد الدولى
وقال مصدر رئاسى إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يتابع بصورة يومية تطورات التفاوض مع صندوق النقد الدولى، كما أنه طلب من رئيس الحكومة والوزراء المعنيين والقائمين على الإعلام ضرورة «أن يتم إيضاح الحقائق المجردة للرأى العام سواء ما يتعلق بضرورة اتخاذ إجراءات لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والحاجة للحصول على قرض صندوق النقد الدولى لتشجيع الاستثمارات الدولية المباشرة وللتعامل كذلك مع أزمة سيولة النقد الأجنبى بحيث لا تتحول إلى أزمة مزمنة تعرقل فرص الاقتصاد المصرى فى النهوض»....
من جانب آخر توقعت مصادر حكومية قريبة الصلة من المفاوضات مع الصندوق، أن تسير عملية التفاوض بخطى واثقة وسريعة مستبعدة تماما أى احتمال لوجود ما يعرقلها.
وبحسب أحد هذه المصارد فإن البعثة وصلت القاهرة بعد مباحثات غير رسمية استمرت لشهور غير قليلة وبعد تقدير حالة للاقتصاد المصرى ولتوقعات الاستقرار الأمنى والسياسى.
المصدر ذاته قال: «البعثة جاءت لمصر بعد حصولها على تعهدات شفوية، نقلها أكثر من مسئول مصرى رفيع المستوى، حول عزم الحكومة المصرية اتخاذ حزمة إجراءات تقشفية يراها خبراء صندوق النقد الدولى حتمية لتحقيق الإصلاح المنشود للاقتصاد الكلى رغم الإدراك بالتبعات الاجتماعية.
المفاوضات تسير بخطى ايجابية ونتوقع الحصول على القيمة الكاملة للقرض
وقال مصدر آخر «المفاوضات تسير بخطى ايجابية ونتوقع الحصول على القيمة الكاملة للقرض، وإن لم يكن فلن نحصل على أقل من 10 مليارات دولار، بحسب المصدر القريب من المفاوضات فى تصريحات خاصة لـ«الشروق».
ويضيف المصدر: «الحكومة المصرية تتفاوض بقوة ولديها من الأدوات ما يمكنها من التقدم جولات كبيرة فى المفاوضات بسبب برنامجها الاقتصادى الذى تضمن نقاطا كثيرة من متطلبات الصندوق بصفة عامة».
الصندوق يطلب من مصر خفض نسبة الاعتماد على الاستدانة المحلية تدريجيا
وأوضح المصدر أن من أهم ما اتفق عليه الجانبان فى الأيام الأولى، هو وضع حدا أقصى للحكومة لتمويل عجز الموازنة عبر الاستدانة المحلية، والاعتماد على بدائل دولية أخرى مثل السندات بالدولار أو باليورو، فالصندوق يطلب من مصر خفض نسبة الاعتماد على الاستدانة المحلية تدريجيا إلى أن يصل لأقل من 50% خلال السنوات الثلاث القادمة.
من جانبه أكد مصدر دولى قريب من المفاوضات أن بعثة الصندوق تبدى تفاؤلا بشأن برنامج الحكومة والمفاوضات القائمة مؤكدا أن ما تنتظره البعثة هو جدول زمنى محدد لتنفيذ الإصلاحات وأهمها خطة واضحة الملامح لتحرير دعم الطاقة.