الاتفاقية الدولية جزء من التشريع المصرى.. وغياب القانون المنظم للإضراب لا يعنى أنه محظور.. ولا يعنى أنه حرية مطلقة
إلزام السلطة المختصة بالمرافق العامة والحيوية بوضع قواعد لممارسة الحق.. وجواز مساءلة المخالفين تأديبيا
على النقيض تماما من حكم المحكمة الإدارية العليا فإن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بذات الجهة القضائية التى تضم «الإدارية العليا» وهى مجلس الدولة، أصدرت عام 2012 فتوى يصفها القانونيون بأنها «تاريخية» اعترقت بالإضراب كحق كفلته الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى صدقت عليها مصر نهاية عام 1981، وهى ذات الاتفاقية التى رفضت المحكمة الاعتراف بها دون الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية.
ورغم أن الفتوى صدرت فى ظل الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 الذى خلا من أى إشارة للإضراب، وقبل أن ينص دستور 2012 صراحة فى مادته 64 على أن «الإضراب حق وينظمه القانون»، إلا أنها حفلت بالحيثيات التى أجازت بأشكال عديدة أن يضرب العمال والموظفون، وبصفة خاصة الأطباء الذين كانوا الموضوع الرئيسى لطلب الفتوى الذى أرسله وزير الصحة للتعرف على مدى مشروعية قرار الجمعية العمومية للنقابة بالإضراب الجزئى المفتوح من 1 أكتوبر 2012.
استندت الفتوى فى تأصيلها القانونى للاتفاقية الدولية إلى المادة 151 من دستور 1971 التى نصت على أن «رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها» وكذلك لنص المادة 2 من القانون المدنى «لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء».
وذكرت الفتوى أن إقرار مصر للاتفاقية الدولية التى تنص فى البند «د» من المادة 8 على «الحق فى الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانين القطر المختص» كفيل بأن يصبح الحق فى الإضراب جزءا من أحكام قوة القانون المصرى.
غير أن المشرع المصرى حظر فى المادة 194 من قانون العمل «الإضراب أو الدعوة إليه فى المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التى يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى أو بالخدمات الأساسية التى تقدمها للمواطنين، ويفوض رئيس الوزراء فى تحديد هذه المنشآت»، ووفقا لذلك أصدر رئيس الوزراء قراره 1185 لسنة 2003 باعتبار هذه المنشآت تضم المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات وأماكن أخرى».
لكن التشريع المصرى خلا من أى قانون ينظم ممارسة الحق فى الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين، مما ارتأت معه الفتوى ــ التى صدرت برئاسة المستشار حمدى الوكيل، النائب الأول الأسبق لرئيس مجلس الدولةــ أن «تطالب المشرع المصرى بإصدار مثل هذا القانون «لتنظيم ممارسة هذا الحق لما له من آثار خطيرة على انتظام سير المرافق العامة بالدولة، وذلك بالنسبة لطوائف معينة من العاملين الذين ينشطون فى مرافق عامة يجب ضمان استمرارها وانتظامها لارتباطها بخدمات حيوية وأساسية».
وحققت الفتوى توازنا ملحوظا بين حرية العامل فى ممارسة حقه فى الإضراب وبين المسئولية المترتبة عليه كموظف عام، فأكدت أنه «يجوز للقانون الذى يصدر لتنظيم الإضراب، أن يفرض قيودا عامة على هذه الممارسة فى إطار الاتفاقية الدولية، كما يجوز له فرض قيود خاصة على طوائف وفئات معينة، استنادا إلى أن المشرع له سلطة تنظيم الحقوق كافة، وتقييد الحريات على إطلاقها، وفقا لما يجريه من موازنة بين الحقوق والحريات وبين اعتبارات المصلحة العليا للمجتمع، التى هى فى حقيقتها موازنة بين المنافع والأضرار».
وقطعت الفتوى بأن غياب القانون المصرى الخاص بتنظيم الإضراب، لا يعنى أن الإضراب محظور، أو أن ممارسته مؤجلة لحين إصدار هذا القانون، لأن هذا الادعاء «يعصف بأصل الحق ويؤدى لمصادرته كليا» مشيرة فى الوقت ذاته إلى أن الادعاء بأن الحق فى غياب القانون المنظم يكون طليقا من كل قيد؛ ليس صحيحا أيضا.
وشددت الفتوى على أن الإضراب كحق للعاملين فى مرفق الصحة، يجب ألا يشكل اعتداء أو انتهاكا لحقوق أساسية أجمع عليها المجتمع الدولى ومحمية بمواثيق دولية وجمعها قسم الطبيب المنصوص عليه بالمادة الأولى من لائحة آداب مهنة الطب.
وارتأت الفتوى فى ختام حيثياتها أن تلزم السلطة المختصة فى المرافق العامة وبصفة خاصة فى المرافق التى تقدم خدمات حيوية للمواطنين بوضع القواعد اللازمة لممارسة الحق فى الإضراب للعاملين بتلك المرافق، وذلك كله تحت رقابة القضاء، وعدم الإخلال بحق جهة العمل فى مساءلة من يتجاوز الضوابط تأديبيا.