«سارق المياه» هو المصطلح الذى يطلقه خبراء الزراعة والرى على محصول الأرز الذى يستنزف كميات هائلة من المياه سنويا تتسبب فى نقص مياه الرى وتفاقم المشاكل لنضوب المياه وعطش الأراضى سنويا، وهو ما دعا الحكومة لاتخاذ قرارات بتحديد زراعته سنويا بواقع 1.1 مليون فدان على مستوى الجمهورية وتوقيع غرامات على من يخالف ذلك، وهى القرارات التى يضرب بها عرض الحائط لدواع عديدة بداية من الانفلات الأمنى حتى تدخل نواب مجلس الشعب فى إسقاط هذه الغرامات حفاظا على الفلاح.
عبدالله أبورية، مزارع بمركز سيدى سالم، بكفرالشيخ ورئيس رابطة مستخدمى المياه على بحر الشيخ ابراهيم، قال إن أغلب مراكز كفرالشيخ المتهمة بزراعة الأرز بكثافة تستخدم مياه الصرف غير المعالجة فى زراعة الأرز، ولا تعتمد على مياه النيل التى لم تصلها، وبالتالى فهى لا تستنزف المياه كما تتهمها الحكومة، لكن «من حق الحكومة أن تحافظ على المياه.. ومن حق الفلاحين أن يزرعوا الصالح لأراضيهم».
يؤكد أبورية أنه مع توقيع الغرامات على الفلاحين المخالفين لقرارات الحكومة ووصفهم بأنهم السبب فى أزمة المياه كل عام بسبب إهدارهم كميات هائلة من مياه النيل النظيفة فى زراعات الأرز، لكنه يرى أنه لا يمكن حرمان العديد من المراكز من زراعة الأرز لحماية الأراضى من الملوحة التى قد تنتج بسبب المياه الجوفية فى القرى والمراكز المحيطة ببحيرة البرلس، حيث إن المياه المستخدمة فى رى الأرز تساهم فى غسل الأراضى.
مصدر حكومى مسئول أكد أن مخالفات الأرز قد يتحكم فيها العام الحالى مواءمات سياسية لصالح الانتخابات الرئاسية القادمة، فى الوقت الذى يعول فيه العديد من نواب مجلس الشعب على الحكومة بإسقاط هذه المخالفات لكسب ود الفلاح المصرى وكسب أصواته، وهو ما حدث من قبل فى عهد الحزب الوطنى الذى طالما تدخل نوابه لإسقاط مخالفات الأرز.
«الشفاعة للخطأ.. تأتى بالخطأ»، هكذا لخص رئيس لجنة الزراعة والرى بمجلس الشعب، محمود هيبة، موقف اللجنة ومجلس الشعب من مخالفات الأرز الموقعة على الفلاحين، برفض رفعها رغم تقدم العديد من النواب بطلبات إحاطة برفع هذه المخالفات لإسقاط الأعباء عن كاهل الفلاح.
وأكد هيبة أن مصر باتت من دول الفقر المائى ولا بد من ترشيد استهلاكات المياه ومن غير المنطقى فى هذه الأجواء أن يتم السماح لزراعات الأرز بمساحات مخالفة للقانون لاستنزاف موارد مصر المائية، فضلا عن السماح بعد ذلك بتصدير الأرز بما يعد تصديرا صريحا للمياه.
وقال هيبة: إن توقيع هذه الغرامات بشكل عادل وعلى جميع المخالفين دون استثناءات سيقنن مشكلة الأرز المتكررة كل عام، لكن الفلاح لديه مشكلات أخرى عدة، كما حدث فى مواسم ماضية بعد منعه من زراعة الأرز واتجاهه لزراعة القطن لم تساعده الحكومة فى تسويقه مما تسبب فى خسائر للعديد من الفلاحين، فلايزال الصراخ مستمرا، لكن الحزم مطلوب للحفاظ على المورد المائى المهدد بالخطر، لكن المشكلة الآن هى قوة وهيبة الدولة القادرة على تنفيذ القانون، نافيا الخضوع لأى مواءمات سياسية فى الفترة الحالية لمداعبة خيال الفلاح المصرى بإسقاط هذه الغرامات لصالح أصوات انتخابية.
وقالت مصادر من وزارة الموارد المائية والرى إن القانون يقر حرق شتلات الأرز المخالفة للمساحات المحددة بمعرفة وزارة الداخلية، إلا أن هذا لم يحدث ويتم الاكتفاء بتحرير محاضر مخالفة فى الشرطة والنيابة العامة، إلا أن هذه الإجراءات يضرب بها عرض الحائط، وتستمر الإجراءات لفترات طويلة حتى انتهاء الموسم الزراعى واستنزاف كميات المياه بالمخالفة، وفى نهاية الموسم يقتضى الأمر بطلب من أعضاء مجلس الشعب برفع المخالفات عن الفلاحين بحجة رفع المعاناة عن كاهل الفلاح.
يذكر أن طلب إحاطة مقدم للحكومة من مجلس الشعب ينظر أمام لجنة الزراعة والرى لرفع مخالفات الأرز عن الفلاحين إلا أن الحكومة لم ترد على المجلس حتى الآن بعد أن تفاقمت المخالفات وزادت نسبة التعديات على مياه الرى، وهو ما يهدد بأزمة مياه إذا استمرت هذه المخالفات.
وقالت المصادر: إن «الحكومة لم تصدر حتى الآن أى من القرارات بشأن رفع هذه المخالفات، فى ظل الأوضاع الحالية «الموضوع سيخضع للمواءمات السياسية، لأننا فى فترة حرجة»، لكن هذه المواءمات ستعرض الأمن المائى للخطر.
أصدرت وزارتا الرى والزراعة قرارا مشتركا فى أبريل الماضى بتحديد مساحات الأرز بمليون و176 ألف فدان فقط فى المحافظات المسموح لها بزارعة الأرز مثل الشرقية وكفرالشيخ والبحيرة والغربية، وتحديد الترع المنوط استخدامها فى الزراعة بنظام المناوبات.
طريقة جديدة لتوفير المياه.
طريقة جديدة لزراعة الأرز، توفر 40% من المياه التى يستهلكها الفدان الواحد، حيث توفر ما يقرب من 2000 متر مكعب من المياه فى كل فدان، وتزيد من الإنتاج بمقدار 15% وتقلل من ساعات استهلاك الوقود بمكنية الرى بنحو 40%، طريقة سهلة ورخيصة ليست بحاجة إلى أموال ولا تكنولوجيا، هكذا يصف الدكتور يسرى ابراهيم عطا، بمعهد بحوث إدارة المياه بوزارة الرى، اكتشافه الذى قد يحل مشكلة إهدار المياه فى زراعة الأرز.
يقول عطا الحاصل على الجائزة الأولى من اللجنة الدولية للرى والصرف إن هذه الطريقة تم تجريبها فى عدد من الحقول الاسترشادية وأثبتت نجاحا فى توفير المياه، حيث كان هناك اتفاق بين وزارة الرى والزراعة تعميمها على مستوى المحافظات التى تزرع الأرز، بعد أن أصدر وزير الزراعة السابق، أيمن فريد أبوحديد قرارا العام الماضى بتطبيق هذه الطريقة إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
وأوضح عطا أن تنفيذ هذه الطريقة يتم من خلال تسوية الأرض وتخطيطها لمسافة 80 سم والزراعة على صفيين ورى قاع الخط فقط، وبالتالى سيوفر من المساحات التى يمكن ريها، حيث يروى خلالها نصف الأرض فقط.
يذكر أن مراكز البحوث بوزارة الزراعة استحدثت أصناف جديدة الأرز قليلة العمر أثناء زراعتها حتى لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، لكن هذه الأصناف الحديثة تستهلك ما بين 6000 إلى 6500 متر مكعب للفدان الواحد ولو تم زراعتها بطريقة الرى الحديثة سيتم توفير 2000 متر إضافى.
وأكد عطا أن هذه الرى والزراعة بهذه الطريقة الحديثة سيوفر 3 مليارات متر مكعب سنويا من زراعة الأرز فقط، إلا أنها لم تدخل قيد التعميم والتنفيذ حتى الآن رغم استفادة دول شرق آسيا من هذه التجربة المصرية.