تأتى بعض الافلام التى كشف مهرجان دبى السينمائى الدولى، النقابَ عنها لتنافس على جوائز «المهر العربى»، لتحمل توقيع مخرجين يتبنون تيارا مغايرا، بمحاورها الاجتماعية والشخصية، عبر نظرة أعمق إلى قضايا الوضع الراهن فى العالم العربى، اجتماعيا وسياسيا، من خلال مشاهد من الواقع، ولمحات من حكايات المجتمع، ونضال الشعوب.
من تونس، مهد الثورات العربية، يُشارك فيلم «شلاط تونس»، أحدث أعمال المخرجة كوثر بن هنية، الحائزة على جائزة من «مؤسسة الشاشة» فى بيروت، و«المهر العربى للأفلام الوثائقية». تدور أحدث الفيلم فى تونس العاصمة، صيف عام 2003 حيث يتجوّل رجل مجهول على دراجته فى شوارعها، يُنادونه «الشلاّط»، كونه يحمل سكينا يضرب بها أرداف أجمل النساء اللواتى يمشين على أرصفة المدينة. بين مقهى وآخر، وحى وآخر، تتردّد بشأنه أكثر الحكايات اثارة. فقد أصبح هذا «الشلاّط» شخصية غامضة، تحيط بها هالة من الرعب والشائعات، الكلّ يتحدّثُ عنه، لكن ما من أحدٍ رآه. بعد مرور عشر سنوات، تقوم المخرجة التى وصفت بالعنيدة بالسعى لكشف ملابسات شخصية «الشلاّط»، وما أُحيط بها من غموض.
وفيما بين المغرب والجزائر، سنسمع ونشاهد «الصوت الخفى» للمخرج المغربى كمال كمال، حول حرب الجزائر، ومحاولات قطع طريق الإمداد الرئيس فى منطقة بنى بوسعيد، على الحدود الجزائرية المغربية، بهدف خنق جيش التحرير الوطنى الجزائرى، إذْ يجرى بناء حزام مُكهرب، ومنطقة عازلة مزروعة بالألغام، بطول 430 ميلا. ونجد موسى، وهو صديق مغربى للثورة الجزائرية، يساعد اللاجئين على اجتياز جبال تلمسان، إلاّ أن عليه المرور عبر منطقة بنى بوسعيد، التى أصبحت معبرا غير آمن، فيستعين بهانز، الجندى الشيوعى من «جمهورية ألمانيا الديمقراطية» السابقة وفى الرحلة يفقد هانز إحدى ساقيه خلال محاولته نزع لغم وسنرى المشهد المأسوى الذى يكشف كيف تقتضى ضرورات الحرب قتل الجرحى والمرضى حتى لا يُعيقوا تقدّم الجماعة، ويُحتسبون عند ربّهم حينذاك من بين الشهداء، إلاّ أنّ هانز ليس مسلما ولن تكون الشهادة، برأى المجموعة، من نصيبه. ومن المغرب، يحضر فيلم «وداعا كارمن» للمخرج محمد أمين بن عمروى، الذى يروى قصة «عمر» الذى الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره، ويعيش برعاية عمه القاسى، منتظرا عودة غير محددة لأمه، التى تركته وسافرت إلى بلجيكا. نحن فى عام 1975، فى قرية شمال المغرب، حيث سيصادق عمر جارته كارمن، المنفية من إسبانيا، والمرشدة فى صالة السينما فى القرية، وتفتح كارمن أمام عمر عالما لم يعرفه من قبل.
ويشارك من مصر المخرجون نرمين سالم، ومحمد زيدان، ومحمد الحديدى، وماى زايد، وهند بكر، وأحمد مجدى مرسى، بفيلم «أوضة الفيران»، فى تجربة جديدة، فهؤلاء الستة يشتركون فى تأليف واخراج الفيلم بينما يشارك فى أدوار البطولة حنان يوسف، زياد سالم، نهاد يحيى، كمال إسماعيل، نورا سعفان والطفلة ملك مجدى.
والعمل الذى يشهد يوم 7 ديسمبر عرضه العالمى الأول تدور أحداثه حول قصة من الإسكندرية، تضم ست شخصيات مختلفة، وتبرز مخاوفها من حاضر ومستقبل، حيث يلتقى عمرو والده، وهو على فراش المرض من دون أن يكون متأكدا من قدرته على التعبير عن مشاعره الحقيقية تجاهه قبيل موته، ويمضى موسى يومه خائفا من عبور الطريق، وهو يتأقلم مع وجوده على جانب من هذا الطريق. أما داليا فينتابها القلق يوم زفافها من مواجهة فكرة الزواج. وهناك أيضا بنت صغيرة تكتشف عالم جدتها أثناء لعبها. بينما راوية لم تعد قادرة على النوم إلا فى ساعة متأخرة بعد وفاة زوجها، ولتكتشف حياة جديدة تنتظرها فى الليل، بينما تستعد أمها لمغادرة البلد، مشككة فى وجود تغيير قد يطرأ على حياتها. جميعهم يتشاركون نفس المشاعر المختلطة فى ذات المدينة رغم أنهم لم يلتقوا أبدا.
وعن مشاركة أوضة الفيران فى مهرجان دبى السينمائى قال محمد الحديدى أحد صنّاع الفيلم «أوضة الفيران» هو أول فيلم سكندرى مستقل بنسبة مائة فى المائة، ومشاركته فى مهرجان كبير مثل مهرجان دبى السينمائى الدولى هى بالتأكيد شهادة إيجابية لصالح صناعه، ومدينة الإسكندرية التى أتى منها الفيلم، وهو إنتاج إماراتى مصرى مشترك كما نال الفيلم دعما من برنامج إنجاز لدعم الأفلام التابع لمهرجان دبى السينمائى الدولى، وقد بدأ العمل على الفيلم منذ 3 سنوات بكتابة 7 قصص منفصلة عن بعضها، وبدخول مرحلة الإنتاج أصبحت 6 قصص فقط، كما تطوع معظم فريق العمل من أجل إنجاز الفيلم، بمن فيهم من شاركوا فى التمثيل، ليصبح الناتج فيلما مستقلا بلا تكلفة تُذكر».
وقال مسعود أمر الله آل على؛ المدير الفنى لـ«مهرجان دبى السينمائى»: اليوم، وبعد أن أضحت جوائز المهر العربى إحدى المنصّات الأساسية لدعم صانعى الأفلام العرب، فإنها تجتذب مخرجين متميزين، سنشاهد إبداعاتهم هذا العام، عبر شخوص تعيش فى ظلّ تحولات اجتماعية عاصفة، لتقدّم لعشاق السينما من متابعى التطوّرات العربية، ومضات من اعماق مجتمعات، عبر شخصيات ربما نراها يوميا، ونعرفها عن قرب». بدوره قال عرفان رشيد مدير البرامج العربية فى المهرجان تتشارك الشخصيات المحورية فى الأفلام التى ستُعرض خلال برنامج المهر العربى للأفلام الطويلة، بأنها متفاعلة بشكل كبير مع المتغيرات التى تحدث فى أوطانها، بالإضافة إلى أنها تبرز للجمهور ملمحا جديدا حول الأحداث التى مرت ومازالت تمر بها المنطقة على مدى القرن الماضى، كما عايشتها شخوصها ماضيا وحاضرا، ونحن نفخر برؤية العديد من المخرجين الذين عادوا من خلال البرنامج إلى المهرجان هذا العام، لعرض أحدث إنتاجاتهم فى الدورة التى تختتم عقدنا الأول».