«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو».. «الأخيرة» - بوابة الشروق
الإثنين 23 سبتمبر 2024 5:41 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو».. «الأخيرة»

من اليمين وقوفا: المشير أحمد إسماعيل، العريف فتحي عبد الهادي، الرائد أسامة المندوه، اللواء فؤاد نصار، وفي الخلف العقيد محمود عبد الله
من اليمين وقوفا: المشير أحمد إسماعيل، العريف فتحي عبد الهادي، الرائد أسامة المندوه، اللواء فؤاد نصار، وفي الخلف العقيد محمود عبد الله
خالد أبو بكر
نشر في: الأربعاء 4 أكتوبر 2017 - 10:56 م | آخر تحديث: الأربعاء 4 أكتوبر 2017 - 10:56 م
فى رحلة العودة.. أهالى سيناء وفروا لنا الجمال وساروا معنا إلى أن نجحنا فى الوصول لخطوطنا فى سيناء

بعض أبناء سيناء الذين قدموا لنا الدعم حضروا معنا إلى القاهرة للعلاج ووزير الحربية كرم الشيخ حسب الله دليل المجموعة 

أجريت أول اتصال بأخى بعد وصولى السويس فوقعت سماعة التليفون من يده من المفاجأة

كتيبتى والوحدات المجاورة استقبلتنا استقبالا أسطوريا لدى وصولنا القاهرة وأحضروا اثنين من إخوتى لاستقبالى
استقبال المشير أحمد إسماعيل لى وزملائى أفضل تكريم حصلت عليه فى حياتى


تواصل «الشروق» نشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» لمؤلفه اللواء أسامة المندوه، والصادر عن «دار الشروق»، والذى يحكى قصة بطولة ملحمية لـ«مجموعة استطلاع» مصرية (المجموعة لطفى) خلال حرب أكتوبر المجيدة، بقيادة المندوه، وهو برتبة «نقيب»، دفعتها القيادة المصرية منذ بداية الحرب للتمركز خلف خطوط العدو وفى قلب تجمعاته، وبالقرب من طرق اقترابه الرئيسية، ومركز قيادته الرئيسى فى «أم مرجم» و«مطار المليز» الحربى، فى وسط سيناء، على بعد نحو 100 كيلو شرق قناة السويس.

وفى هذه الحلقة الأخيرة من الكتاب ــ الذى حرره ووثقه الكاتب الصحفى، خالد أبو بكر، مدير تحرير جريدة «الشروق» ــ يستعرض اللواء المندوه قصة عودته من عمق سيناء إلى القاهرة، بعد انتهاء مهمته، أواخر مارس 1974، وتكريمهم من المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة بمنحهم أرفع الأنواط. ونشدد على أن ما سيرد فى هذه الحلقة، هو اختزال شديد جدا للنص الأصلى بوثائقه وتفاصيله الكثيرة والجديدة والمشوقة فى آن واحد.

تمر الأيام والشهور والمجموعة تقوم بأداء مهام الاستطلاع اليومية، وبين الحين والحين نجد دوريات العدو التى لم تيأس فى العثور علينا تقوم بأعمال التمشيط فى منطقة وادى المليز وبير جفجافة بحثا عن أى قرائن مادية دالة على وجودنا، رغم أن لديهم قرينة فنية وهى الاستطلاع اللاسلكى الذى يوكد لهم أنه فى هذه المنطقة مجموعة عمل ترسل برقياتها باللاسلكى كل مساء.
فى 16 مارس 1974 كنا على موعد مع واحد من أهم الأخبار التى سمعناها فى حياتنا. جاءتنا التعليمات من القيادة باتخاذ ترتيبات العودة من سيناء إلى القاهرة، وتركت لى القيادة الحرية فى اختيار طريق السير من مكان تمركز المجموعة فى منطقة وادى المليز وبير جفجافة إلى القناة.
بعد دراسة جيدة للخريطة قررت أنه من الصعب علينا التحرك فى اتجاه الغرب بمحازاة الطريق الأوسط؛ لأن السير فى هذا الاتجاه يتم فى أرض مفتوحة، يصعب التخفى فيها، فضلا عن أن احتمالات الاصطدام بالعدو فيها كبيرة. وجدت أن أنسب طريق للعودة هو استغلال المنطقة الجبلية عبر التحرك جنوبا إلى «جبل الراحة»، ثم النزول منه فى اتجاه الغرب إلى أن ندخل المنطقة التى تسيطر عليها قواتنا بعد خط الفصل بين القوات، وهى مسافة يمكن قطعها فى ليلة واحدة.

كانت تعليمات القيادة لى بأن أقوم بتجميع «مجموعة استطلاع» مصرية أخرى فى منطقة قريبة منى بوادى المليز وإحضارها مع مجموعتنا بصفتى أقدم الموجودين فى هذه المنطقة. أصدرت تعليماتى إلى الشيخ حسب الله ــ الذى وجدته يعلم بوجود تلك المجموعة من خلال أحد أقاربه المتعاونين معنا ــ بإبلاغها بموعد العودة الذى ذكرته له. تم تجميع المجموعتين فى منطقة بير جفجافة، وأحضر الشيخ حسب الدين 10 جمال بعددنا جميعا. 

تحركت القافلة فى اتجاه الجنوب فى المسالك التى يعرفها جيدا أهالى سيناء، إلى أن وصلنا بعد يومين منطقة «جبل الراحة». وبعد اتخاذ إجراءات التأمين اللازمة واتخاذ مزيد من الحذر والحيطة تم توديع الفرد البدوى المكلف بالعودة إلى القبيلة «الإيحيوات» بالجمال العشرة، واصطحبنا معنا إلى القاهرة العدد الباقى من المرافقين من أهالى سيناء، حيث كان بعضهم يعانى من بعض المشكلات الطبية؛ ولذلك قررت اصطحابهم لعلاجهم فى مستشفيات القوات المسلحة بالقاهرة. 

بعد الوصول واتخاذ إجراءات التأمين الكافية ذهب المرافقون البدو كالعادة إلى أماكن مختلفة لقضاء نهار اليوم الثانى بعيدا عن المجموعة. أما أنا والعريف فتحى عبدالهادى، فرد الإشارة الذى يعمل معى والمجموعة الثانية التى انضمت إلينا فقد تجمعنا فى أحد الكهوف الجبلية المتكاثرة فى مثل هذه المناطق الجبلية. يا لها من ليلة تلك المتبقية على عودتنا إلى الأهل والزملاء بعد النجاح وتنفيذ المهام التى كلفنا بها. لم أستطع النوم وانتظرت بشغف طلوع الفجر وإشراقة الشمس للتعرف على المكان الذى نتواجد فيه.

ومع شقشقة الفجر اكتشفت أننا فى مكان غاية فى الجمال والروعة.. منطقة جبلية محاصرة بالخضرة، يخرج فيها الشجر القصير من بين الصخور. تحركت لمسافات قصيرة شرقا وغربا شمالا وجنوبا حيث تأكدت أن هذه المنطقة مؤمنة بالقدر الكافى. وجدت فى المنخفض بركة من المياه أكبر كثيرا من حمامات السباحة الاولمبية ومياها فيروزية ولا عجب فى ذلك؛ فنحن فى شهر مارس بعد انتهاء فصل الشتاء وهذه مياه مطر مجمعة وهذه مزروعات أنبتها الله سبحانه وتعالى، وإذا بى أدعو جميع الزملاء للنزول إلى هذه المياه.. إنها أول مرة منذ نحو ستة أشهر تلمس أجسادنا المياه.

استحممنا واغتسلنا وغسلنا بعض ملابسنا ونشرناها لكى تجف خلال فترة النهار. ليس لدينا أى أطعمة جافة ونحن جالسون خلال النهار فى كهف مؤمن لا يستطيع أحد من الخارج ملاحظة ما يدور بداخله. المنظر خلاب الخضرة والمياه الزرقاء ولون المنطقة الجبلية فى الخلفية أكثر من رائع.

ينقضى النهار ونقترب من الغروب. ينضم إلينا الشيخ حسب الله ورفاقه من البدو، ومن هيئة مشرفة على المنطقة المفتوحة التى تفصل الجبل عن شمال الخليج ومدخل القناة فى منطقة بورتوفيق نقوم بإجراء استطلاع بالنظر فى محاولة لاكتشاف أى تجمعات للعدو شرق خط فصل القوات.

الوصول لخطوطنا 

تتحرك المجموعة مع غروب الشمس فى اتجاه الغرب مباشرة، يتقدمها على مسافة ليست بعيدة أحد رفاق الشيخ حسب الله. ومع بزوغ نور الفجر لاحظت أننا نعبر خط فصل القوات، وبعد فترة فى السير وإذا بنا على الطريق الأسفلت الموازى للقناة، والذى يقال عليه «الطريق العرضى رقم 3». لاحظنا أعلام القوات المسلحة المصرية. هنا وهنا فقط نستطيع أن نقول إننا انهينا المأمورية التى بدأت مع الساعات الأولى لحرب التحرير واستعادة الكرامة. اليوم ٢١ مارس سنة ١٩٧٤.. تذكرت أمى فى هذه اللحظات حيث إن هذا اليوم هو يوم «عيد الأم»، وتذكرت دعاءها الأثير لى بأن أعود إليها سالما غانما، وها هى دعوتها يستجاب لها من رب العالمين، وأعود بعد نحو 6 أشهر من خلف خطوط العدو.

كان مكتب مخابرات السويس بقيادة العميد فتحى عباس على علم بوصول المجموعة (مجموعتنا والمجموعة الثانية التى انضمت إلينا تحت قيادتى)؛ ولذلك كانت هناك دوريات بعربات جيب فى انتظار وصولنا لتقلنا إلى السويس. وبالفعل تم التعارف وتحركنا جميعا إلى مكتب مخابرات السويس.

كان فى استقبالنا جميع ضباط وجنود المكتب، وعلى رأسهم العميد فتحى عباس، الذى رحب بنا ترحيبا حارا واصطحبنا إلى مائدة إفطار لن أنساها ما دمت حيا. كما أننى لن أنسى «عزومة الديك» ليلة عيد الأضحى الذى قدمه لنا أهالى سيناء ليلة عيد الأضحى المبارك. مائدة الإفطار كانت تحتوى على الكثير من الأصناف التى لم نتذوقها منذ بدء المهمة، بالإضافة إلى «الكعك» و«البيتى فور»، وكان تعليق العميد عباس أننا لم نعيد فى «عيد رمضان»، ولكن اليوم بعودتكم إلينا عيد كبير.

كانت قيادة الكتيبة تلقت منا اتصالا لاسلكيا عند عبورنا خط فصل القوات. وأجرت الاتصال بمكتب السويس، ثم أرسلت عربات جيب من القاهرة للسويس لاصطحابنا إلى القاهرة. وخلال فترة انتظار وصول المركبات من القاهرة أتاح لنا السيد العميد عباس فرصة إجراء اتصالات بالأهل. 

اتصلت بشقيقى أحمد الذى كان يسكن فى المنيل، وعندما سمع صوتى وكان وقتها قد فرغ من صلاة الصبح وقع التليفون من يده، وانقطع الاتصال ثم عاودت الاتصال به مرة أخرى. تبادلنا أطراف الحديث، وهنا، وهنا فقط تأكد بأننى مازلت حيا، وبعد انتهاء المكالمة اتصل على الفور بالوالد والأسرة وزف لهم الخبر السعيد. فى نفس الوقت قمت بالاتصال بشقيقى عزمى وشقيقتى حنان، اللذين كانا يسكنان فى القاهرة.

وصلت مركبات الكتيبة إلى مكتب السويس لاصطحابنا، فودعنا العميد فتحى عباس واستأذناه فى الانصراف. وتوجهنا إلى المركبات الجيب للتحرك من السويس إلى القاهرة، حيث مقر الكتيبة. كانت التعليمات أن يقوم الضابط المرافق الذى حضر من القاهرة مع مركبات الجيب بإبلاغ قيادة الكتيبة كل نصف ساعة عن مكان وصول المجموعتين. عندما اقتربنا من مقر الكتيبة اكتشفنا أن هناك استقبالا حافلا. تم حشد عدد كبير من الجنود مع تشغيل إذاعة محلية للترحب بنا. وموكب من الجمال المزينة بالأعلام تتحرك أمامنا.

كانت هناك لفتة كريمة من قيادة الكتيبة نحوى، حيث لاحظت من بين المستقبلين لنا شقيقى أحمد المندوه، وهو المدنى الوحيد بين جميع المتواجدين، وكذلك وجدت شقيقى الرائد عبدالرءوف المندوه، الذى كان يخدم بالشرطة العسكرية.

استقبال رائع من جانب القيادة وجنود الكتيبة، وأعتقد أن جنود الوحدات المجاورة قد شاركت أيضا؛ لأن الحشد كان كبيرا. ولا عجب فى ذلك فنحن أفراد وقيادات القوات المسلحة ممثلة فى قيادة وأفراد كتيبتنا عندما نريد أن نتقن شيئا نتقنه فالاتقان والإحساس بالمسئولية مهارات تكتسب بالخدمة فى صفوف القوات المسلحة. مثلها مثل التضخية والفداء من أجل الله والوطن.

استمر الاحتفال لوقت ليس بالقصير، وظهرت حالة الإعياء علينا جميعا، وعقب الاحتفال كانت تعليمات العقيد محمود عبدالله، قائد الكتيبة هى السماح لنا بالذهاب إلى منازلنا وأسرنا على أن نعود فى التاسعة من صباح اليوم التالى؛ لأن هناك موعدا محددا للقاء السيد المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية.

وأكد العقيد عبدالله على عدم تغيير الحالة التى نحن عليها، بمعنى أن نبقى بنفس الملابس ونفس الشكل وبنفس الهيئة التى نحن عليها حتى تكون المقابلة واقعية وتاريخية. وبالفعل بقينا على هذه الحالة إلى أن قابلنا السيد المشير أحمد إسماعيل فى صباح اليوم التالى. والصورة التى التقطناها معه كانت بهذه الهيئة التى عدنا عليها من مهمتنا فى عمق سيناء.

والآن وبعد ما يزيد على 43 عاما عندما أنظر إلى هذه الصورة أتذكر على الفور ما عشناه فى مهمتنا، ولذلك أرى أنه لو سمح لنا بتغيير الملابس وحلاقة الذقن والشعر وارتداء الملابس العسكرية الرسمية لكانت الصورة ستصبح عادية.. فقد تم تسجيل الصورة فى شكل غير عادى ومناسبة غير عادية لا تتكرر كل يوم.. فالإنسان لا يحقق الكثير من هذه البطولات فى حياته.

لقاء المشير أحمد إسماعيل

فى صباح اليوم التالى استيقظت مبكرا وقمت بإجراءات الصباح من صلاة وإفطار ولبس الملابس التى عدنا بها من مهمتنا. كانت العربة الجيب تنتظرنى أسفل منزل أخى. توجهنا إلى مقر الكتيبة. كان فى استقبالنا السيد قائد الكتيبة لمرافقتنا إلى وزارة الحربية (اصبح اسمها وزارة الدفاع فيما بعد) للقاء المشير أحمد إسماعيل، القائد العام ووزير الحربية.

وصلنا مكتب المشير. جلسنا جميعا رجال المجموعتين بالصالون المجاور انتظارا للحظة التاريخية فى حياتنا جميعا، حيث لقاء المشير، الذى قاد القوات المسلحة إلى نصر أكتوبر. إنه لقاء التكريم حقا؛ فالتواجد فى مكتب الوزير والالتقاء به لا يحدث فى العمر بالنسبة للضباط كثيرا. كنا قد منحنا وسام النجمة العسكرية قبل انتهاء المأمورية، ولعل القارئ الكريم ممن عاصر هذه المرحلة يتذكر جلسة مجلس الشعب التى كرم فيها السيد الرئيس أنور السادات قادة القوات المسلحة، واستحدث وسام نجمة سيناء. غير أننى أؤكد على أن التكريم الذى كنت أنتظره فى هذه اللحظة بلقاء وزير الحربية المنتصر ــ من وجهة نظرى ــ تكريم معنوى يفوق الحدود.

مر الوقت سريعا ودخلنا إلى مكتب السيد المشير إسماعيل وكان فى استقبالنا على الباب. ثم اصطفننا بالأقدمية، وكنت أقدم الحاضرين وبعد كلمات كلها إشادة بالمجهود والتضحية والفداء الذى قدمناه فى سبيل الله والوطن، قال لنا: ماذا يريد كل بطل منكم؟. اطلبوا ما تشاءون. وبدأ بالنظر إلى.

فقلت: أستأذن سيادتكم بأن نبدأ من اليسار حيث الأحدث منى فى الرتبة حتى لا يتأثر الجنود بإجابتى.

وافق المشير على اقتراحى. وكل طلب ما أراده أو ما يريده.

وعندما وصل الدور إلى أجبت بأننى لا أريد شيئا. حقا لا أريد شيئا الحمد لله قد أدينا المهمة بنجاح ونلت أرفع الأوسمة وهو وسام «النجمة العسكرية». 

تعجب السيد الوزير، وقال للسيد اللواء فؤاد نصار «خذه عندك المكتب وشوف كل طلباته».

خلال اللقاء حضر المقابلة الشيخ حسب الله، وكان هناك كلمات من المداعبة المشتركة بينى وبين السيد المشير بخصوص الشيخ حسب الله. والتى تظهر فيها ابتسامات الشيخ الذى نادرا ما يبتسم.
خلال اللقاء قلت بشىء من الابتسام للسيد الوزير: كيف تكون مهمتى تسعة أيام وتصل إلى نحو ستة شهور؟ 

فكانت إجابته شافية ومقنعة، حيث قال: كان لدينا «حنفية معلومات» عن العدو.. هل يعقل أن نغلقها ونحن فى أشد الحاجة إليها؟ كانت المعلومات التى تصل منكم مفيدة ورائعة نظرا لثقتنا الغالية فيكم.

وخلال المقابلة لم ينس السيد المشير أن يكلف السيد اللواء فؤاد نصار بضرورة إجراء كشف طبى عام على جميع أفراد المأمورية. بعدها انصرف الجميع على موعد اللقاء فى اليوم الثانى للذهاب إلى مستشفى المعادى لإجراء الكشف الطبى.

انصرف الجميع أما أنا والسيد العقيد محمود عبدالله فقد توجهنا إلى مكتب السيد مدير المخابرات الحربية تنفيذا لأمر السيد المشير عندما قال: خذه يا نصار وشوف طلباته.

عندما دخلت إلى مكتب السيد مدير المخابرات الحربية.. ارتفعت نبرة الحديث.. السيد اللواء فؤاد نصار قال بصوت مرتفع: وزير حربية مصر بعد نصر أكتوبر يقول لك عايز حاجة؟ تقوله مش عايز حاجة. يعنى عندك شقة فى اسكندرية وعندك شقة فى وسط البلد وعندك وعندك.. كانت إجابتى: ما عنديش ولا حاجة من اللى سيادتك بتقوله ده.

فعلا لم يكن عندى سوى شقة دفعت مقدمها فى حى مصر الجديدة. عندما ذكرت ذلك كرر مرة أخرى: مش عايز أى حاجة مش عايز نركب فيها تليفون؟ أجبت الناس واقفة فى طابور طويل لتركيب التليفونات.

التقط السيد الوزير الكلمة وهو كأنه ما صدق أننى نطقت وقال لسكرتيره شوف العنوان: قلت له مش فاكر قاله شوف وتركبوا له هناك تليفون فورا.

بعد إجراء الفحوصات الطبية حصلت على إجازة 15 يوما هى الأطول خلال سنوات خدمتى بالقوات المسلحة. توجهت على الفور إلى قريتى أبوذكرى ــ دقهلية، بعد دخولى إياها لم أجد أحدا من «جنرالات المصاطب»، وكم كنت أتمنى وجودهم فى طريقى بعد تحقيق النصر، بالعلم والمعرفة لا بـ«الفهلوة» والإفتاء فيما لا علم لهم فيه.

وصلت إلى منزلى، حيث اللقاء الأهم والأعظم بالنسبة لى بعد انتهاء الحرب، ألا وهو لقاء الوالدة والوالد. كان لقائى بوالدتى لقاء عاطفيا لا يوصف. يمكن أن نسميه لقاء الدموع.. دموع الفرح بالعودة والانتصار وتحرير الأرض. أما لقاء الوالد المعروف عنه الصلابة فكان خليطا بين العاطفة والفخر والاعتزاز بأصغر أبنائه الذى عاد منتصرا. حقا كان بمثابة يوم عيد للأسرة كلها، انقلب فيه الحزن والوجوم الذى خيم على الأسرة برمتها إلى فرح وبهجة.

كان بين الحين والآخر يأتى لزيارتى خلال فترة الإجازة التى قضيتها بالمنزل بعض الأصدقاء زملاء الدراسة والأقارب. لكن ما يعلق بذاكرتى حتى اليوم هو لقائى ببعض من أسميهم «جنرالات المصاطب» فى قريتنا، حدث أن التقيتهم فى أحد الأيام بعد صلاة الجمعة. كانت مقابلتهم هذه المرة بعد تحقيق النصر مختلفة عما كان بعد النكسة. فلا تهكم ولا لوم ولا فتاوى فى أمور الحرب والقتال. بل وجدت منهم الشكر والثناء والفخر بقواتنا المسلحة وتهنئة بالنصر العظيم.

كان حديث السيد المشير لجريدة «صوت الجامعة» فى 27 مايو 1974 قد جاء بعد المحاولة الفاشلة للجماعة الإرهابية التى يطلق عليها «التكفير والهجرة»، هذه المحاولة التى غررت بها الجماعة ببعض طلاب الكلية الفنية العسكرية وتجنيدهم لتنفيذ مهام وأهداف مشبوهة. لكن بفضل الله تم إحباطها والقبض على من يقف وراءها. وأعتقد أن الهدف الأساسى أو الرئيسى من هذه المحاولة هو الإساءة إلى أفراد القوات المسلحة بعد أن ارتفعت أسهمهم لدى الشعب بعد حرب أكتوبر.

وأعتقد ان اختيار سيادة المشير للصورة التى تجمعنا معه كانت لتوضيح حجم التضحيات التى قدمها ويقدمها شباب القوات المسلحة، حيث إن الصورة تضم جنودا وضباطا شبابا. وعموما فشلت محاولة صالح سرية قائد هذا التنظيم الإرهابى كما فشلت وستفشل جميع محاولات الجماعات الشريرة فى اختراق العلاقة بين الجيش والشعب.

انتهت الحرب ولم تنتهِ مهام رفع الكفاءة القتالية لعناصر ووحدات القوات المسلحة من خلال القيام بالمهام التدريبية.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك