"أنا صرت غيري" هو عنوان الديوان الأخير للشاعر محمد فريد أبو سعدة، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. من هذا الديوان انطلقنا في حورانا مع فريد أبو سعدة، متحدثين عن الثورة والشعر وعن مصر ما بعد الثورة، برؤية الشاعر الحالم الذي يرى الأشياء بذائقة مختلفة.
الجدير بالذكر أن محمد فريد أبو سعدة من شعراء السبعينيات، صدرت له العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية، عضو بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، حصل على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1993، وجائزة اتحاد كتاب المسرح عام 2003، وتُرجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية. إلى نص الحوار:
"أنا صرت غيري" هو عنوان ديوانك الأخير الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في سلسلة إبداعات اثورة.. ما الذي أردت أن تقوله من خلال تجربتك مع هذا الديوان؟
- أردت أن أقول في هذا الديوان، إن الثورة لم تفاجئنا، إنما الثورة كانت مستمرة منذ السبعينيات، منذ أيام الحركة الطلابية، وكذلك الاحتجاجات والتظاهرات التي شهدناها، وإنما في الفترة الأخيرة فالضغط الذي تمارسه السلطة كان أشد مما يحتمله أحد، بالإضافة إلى دخول الشباب باعتبارهم عنصرًا جديدًا، و كان ذلك هو المفاجئ، فهذا الشباب ضحى بنفسه من أجل قضيته العادلة، وتلك كانت المفاجأة الحقيقة، فالمجد لهذا الجيل، لشهدائه ولمصابيه.
ففي عام 2008 في المحلة، أثناء احتاجات 6 إبرايل، قيل لأول مرة "يسقط حسني مبارك"، والآن الهتاف "يسقط حكم العسكر" ، فحاجز الخوف كسر، وأصبح الرهان بالدم والروح من أجل تحقيق المطالب.
حاولت في الديوان أن أقول إن الثورة مستمرة، فهناك من يتصورون أن الثورة انتهت وبردت، ولكني من المؤمنين بأن الثورة مازالت مستمرة.
بعض المثقفين ينظرون بريبة للحراك الثوري الحادث في الدول العربية، ويرون أن الإسلاميين الفائزين في الانتخابات سيعودون بنا إلى الوراء، بل قال أحدهم كـ "أدونيس" إن ثورات الربيع العربي أفرزت نظمًا فاشية إسلامية، برأيك، كيف ترى صعود التيار الإسلامي في مصر؟
- وجهة نظر أدونيس لها ما يبررها في الوقت الآني، لكني أنا و غيري نراهن أيضًا على إعطاء فرصة من الوقت، ليكتشف هذا التيار عدم المواءمة بين ما يدعيه كحلم وبين الواقع، هناك فترة يجب أن يتحلى فيها هذا التيار بالعمل السياسي و ليس الفكري فقط، هذا التيار اضطهد لفترة طويلة، فتربى عند الناس بعض القناعة أن هذا التيار ظُلم، ومن الممكن تجريبهم، خاصة أن التيار العلماني المتواجد في مصر منذ 60 عامًا، لم يصنع العدالة أو السعادة أو الحرية.
والإخوان المسلون في مصر هم أكثر انعزالية ولم يتأقلموا مع الظروف، ولكن هناك رهان مهم جدا ألا وهو العدالة الاجتماعية، فهؤلاء الذين انتصروا ويشغلون أغلب مقاعد البرلمان، لا بد لهم أن يحلوا مشاكل الناس، وأنا أرى أن هذه المشاكل لا يوجد لها أفق عندهم، فلا يمكن للبرنامج الاقتصادي للإخوان أن يحل كل هذه المشاكل.
هل تعتقد أن صعود التيار الإسلامي سيكون له تأثير سلبي على حرية الفكر والإبداع في مصر؟
- حرية الفكر والإبداع في مصر كانت مهددة طول الوقت، منذ قضايا نصر حامد أبو زيد، طالما أن أي محامي يستطيع أن يدعي، بالإضافة إلى استمرار قانون «الحسبة» بطريقته القديمة، سيظل الوضع كما هو عليه، وربما يزيد، فكما نرى القضايا التي ترفع بأثر رجعي كالتي ُرفعت ضد عادل إمام، وكأنهم سيفشتون فيما مضى، وعندما ينزعج الناس من تلك التصرفات سيرفضونها، وهنا أحب أن أقول إن أجمل ما صنعته هذه الثورة أنه سيصبح لدينا رئيس لمدتين كحد أقصى، وأنه سيكون لدينا انتخابات نزيهة، وذلك يعد ضمانا بأن الأمور سيكون فيها صيرورة.
كيف تقيم وثيقة الأزهر للحريات التي أطلقها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر في يناير 2012؟ وما رأيك في أن يصدر الأزهر باعتباره مؤسسة دينية مثل هذه الوثيقة؟
- حاولت وثيقة الأزهر تكوين توافق بين القوى السياسية، الممثلة في البرلمان بمجلسيه، لاختيار ما بين 30 إلى 50 عضوًا من الأعضاء (الذين سيكون عليهم مع باقي الـ 100 من خارج البرلمان) وضع الدستور.
الوثيقة هامة ولكنها ليست حاسمة؛ هامة لما تؤكده المؤسسة الدينية الرسمية من حقوق مدنية لمختلف أطياف المجتمع المصري، وما تشير إليه من حقوق الأقلية في ظل الأغلبية المخالفة، أي أنها قريبة من مفهوم الدولة المدنية، ولكنها غير حاسمة نتيجة اغترار التيار الإسلامي بأغلبيته في البرلمان، ومحاولة استثماره هذه الأغلبية في تحقيق تصوره عن أسلمة الدستور، وهو ما يمثل تهديدًا لمدنية الدولة وعدم احترام حقوق الإنسان.
عن الشعر والثورة
أدب الثورة ( شعر الثورة، قصيدة الثورة) ماذا تعني لك تلك المصطحات؟، وهل بالفعل يوجد ما يسمى بأدب الثورة؟
- هناك أدب ثورة، و لكنه لا يحدث أثناء الثورة، فمن يراقب المشهد الغنائي والشعري الذي كان مصاحبًا للمظاهرات والاحتجاجات، فسيجد أن أغاني الشيخ إمام كانت موجودة وأشعار أحمد فؤاد نجم، وزين العابدين فؤاد، وأمل دنقل، ليس بسبب الأفضلية في الشعر، ولكن لأنهم أخذوا وقتهم، فهناك دائمًا وقت لإنضاج العمل الشعري الذي يتحدث عن الثورة.
قلت في أحد حواراتك "أحلم بتوسيع العالم عن طريق الشعر"، كيف يوسع الشعر العالم؟
- مهمة الشاعر لم تعد قاصرة على تجميل العالم أو تسويغه، باكتشاف النظام في الفوضى، و إنما مهمته اكتشاف الفوضى في النظام، أي البدء بالعالم كما هو عليه، و دون أي تصور مسبق.
هناك من ينتقدون الواقع، وهناك من يحلمون بتغييره، وقد مررت في تجربتى بكل هذه المفاهيم وارتحت أخيرًا إلى أن الشعر أكثر من كل هذا، وأنه أداة سحرية لتوسيع العالم عبر رفع سقف المخيلة، وعبرالانتماء لفكرة وحدة الأجناس الأدبية، لقدعلمتني السينما تكوين المشهد، وعلمني المسرح الإيقاع، وعلمتني الرواية الحكي، وعلمني الشطح الدهشة، وعلمتني الطبيعة الصامتة (في الفن التشكيلي) الاقتصاد.
فجاءت القصيدة جزءًا من المشهد المسرحي، والمقطع كادر سينمائي، واكتفت اللغة بتصوير الحدث البصري بالعين المندهشة، في محاولة للوصول إلى الحدس البصري عبر لغة أيسوبية، تتقنع بالتورية والإيماء فيما يسمى بالتمثيل الأليجوري (الكنائي)، لذا قد يبدو سؤالي الشعري سؤالاً هادئًا في الظاهر، وجوديًا متأملاً في الباطن.
تم اختيارك في التشكيل الأخير، عضوًا بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة.. وهو من المؤسسات الثقافية التابعة للدولة، في رأيك كيف تكون الصورة المنطقية لعلاقة المثقف بالسلطة؟
- سبق لى أن كنت عضوًا في لجنة الشعر لمدة 6 سنوات، اعتبارًا من 1999 في عهد طيب الذكر د.عبد القادر القط ، وانتهت عضويتى مع إصداري بيانًا أؤيد فيه موقف" صنع الله ابراهيم "من رفضه جائزة الرواية، التي يمنحها نظام يحارب بالوكالة، نظام لوث يديه بدم العراقيين، المهم جعلت معظم الضيوف العرب يوقعون على البيان، وأذكر منهم صديقي صاحب البوكر أخيرًا عبده خال، كما أن هذه المؤسسة تدار بأموال دافعي الضرائب، أموالنا ، ما الذي يمنع من التعامل معها إذا ما هُيئت لنا الفرصة للعمل في خدمة الثقافة إلى أن يثبت العكس؟، فعندما أصدرت البيان المؤيد لصنع الله، كنت أساهم في إحراج نظام خاضع لأمريكا، ويساهم في حرب ضد العراق، وكنت أعرف أن هذا الموقف سيغضب المؤسسة، ومع ذلك دفعت الثمن إذ بعد شهرين، عندما حان وقت تشكيل لجنة الشعر لم أكن موجودًا.
ما هو الدور المنتظر من لجنة الشعر القيام به، خاصة في مرحلة ما بعد الثورة؟
- عمل لجنة الشعر أشبه بالعمل النقابي؛ فهى تهتم بشؤون الشعر والشعراء، وتعمل على تهيئة الظروف لترقية هذا الفن العريق، وتجذيره في المشهد الثقافي والإبداعي، وإتاحة أفضل السبل أمام الشعراء، من كل الأجيال والتيارات، للتحاور فيما بينهم، وفيما بينهم وبين جمهور الشعر الواسع، في مصر والخارج، كان السبب المعلن لاستقالة التسعة، مع احترامي لهم، هو افتقاد التشكيل للتناغم، وأنا أفهم أن التناغم يعني الاقتراب من التماثل، ونحن نراهن على التعدد، نراهن على الاختلاف، التسعة (نصف اللجنة تقريبا) يكتبون قصيدة الرواد، ويناصبون العداء لقصيدة النثر، لقد أتاح خروجهم الفرصة لتمثيل الشعر البدوي لأول مرة، كما أتاح لشاعر يكتب بالعامية المصرية أن يكون مقررًا للجنة، وأتاح لقصيدة النثر تمثيلا يناسب حضورها في الواقع الشعري، جنبًا إلى جنب مع باقي تيارات الشعر العمودي والتفعيلي.
فريد أبو سعدة يُعد من أشهر كتاب قصيدة النثر، ما الذي تعنيه لك تجربتك مع القصيدة النثرية؟
- أنا لا أفكر على هذا النحو، بمعنى أنني لا أقول نويت أن أكتب قصيدة نثر، أو العكس، إنني أنصت كثيرًا للصوت الذي يتصاعد، متقطعًا، متراقصًا كخيط الدخان، الصوت الفائض عن القصيدة وهي تتشكل في اللاوعى من سديم الأصوات، هذا الصوت هو ما يشير إلىَّ إن كانت القصيدة قصيدة نثر، أو قصيدة تفعيلة، لقد كرَّمت في مؤتمر قصيدة النثر الذي أُقيم في اتحاد الكتاب مع وديع سعادة، وكًرمت أيضًا في مؤتمر قصيدة النثر الذي أقيم في نقابة الصحفيين، لا أقول هذا تباهيًا وإنما لأنني أجد أن التكريم الحقيقي هو أن تظل قصيدتك قادرة على الحوار مع أجيال أخرى، بل ومع تيارات مختلفة في الجيل الواحد.
الشاعر محمد فريد أبو سعدة.. كيف ترى مصر بعد عام من الثورة؟
- أنا متفائل جدًا، لدرجة أني أتمنى أن يطرح أحد السياسيين شعار "مصر دولة عظمى 2028" ، وأن يصبح هذا الشعار جزءًا من قناعات كل الناس، وذلك بالتوازي مع تحقيق إصلاحات في كل المجالات، وأتخيل أن مصر يمكن أن تصبح دولة عظمى بالفعل خلال 10 أو 15 سنة، فقط ما ينقصنا أن نُعمل عقولنا، مصر ستصبح شيئًا جميلا، ولكن هناك الكثير من التضحيات والمعاناة والتصحيحات التي لا بد أن تتم، ومصر تستحق كل هذه التضحيات.
الشاعر محمد فريد أبو سعدة في حواره لبوابة الشروق