إذا كانت السينما مرآة الواقع، تبقى الرقابة بوابة العبور إلى هذا الواقع، تفتح الطريق إلى جزء منه تارة وتغلقه تماما تارة أخرى وفقا لطبيعة النظام السياسى الحاكم الذى يسمح ويمنع وفق إشارات يبعث بها «الرقباء» أو «حراس الباب».. ونحن على أعتاب الجمهورية الثانية يبقى السؤال المحير عن مصير الرقابة على المصنفات الفنية فى النظام الجديد وكيف ستتعامل مع التابوهات الثلاثة «الدين.. السياسة.. الجنس» التى ظلت الهاجس الأكبر للرقباء. وإذا كان استشراق مشهد المستقبل لا يتأتى إلا بقراءة صورة الماضى، تفتح «الشروق» ملف الرقابة ومصيرها من خلال سلسلة حوارات مع أشهر «الرقباء» السابقين فى محاولة لرسم السيناريو المقبل من خلال ما مروا به من تجارب، وهم على رأس بوابة عبور السينما للواقع.
6 أعوام أمضاها الدكتور مدكور ثابت على رأس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.. لم يتلقَ خلالها أى مكالمة هاتفية تتدخل فى عمله من أى جهة كانت حتى لو كانت جهة أمنية، بحسب قوله، لكنه يعود، ويضيف: «لا أعلم إذا كنت محظوظا أم أن هذا هو الطبيعى»، وقال إنه أعلنها صراحة مساندته لحرية الإبداع ودفع ثمن هذا الكثير والكثير، حيث تعرض لهجوم ضارى من قبل الصحفيين.
فترة تولى مدكور ثابت للرقابة شهدت العديد من المعارك والجدل نتيجة بعض القضايا الشائكة دينية كانت أم سياسية وربما امتدت أيضا للتابوه الثالث «الجنس».. ففى تلك الفترة عرض فيلم «بحب السيما»، كما منع الفيلم الأمريكى «فهرنهايت 11/9» الذى يهاجم سياسية الرئيس السابق جوج بوش، فضلا على فيلم «اللمبى» الذى اتهمت الرقابة بسببه بالإسفاف.
شهادة
6 سنوات رقيبًا.. ولم يتصل بى مسئول ليعترض على مشهد أو فيلم
يعترف المخرج والرقيب السابق مدكور ثابت لأول مرة أنه حينما أبلغ بتعيينه بمنصب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية انتابته حالة من «الغيظ الشديد»، وتساءل: كيف يعينوننى فى هذا المنصب؟.. وقرر أن يرد على طريقته بإطلاق الحرية بلا حدود وكانت المفاجأة أنه اكتشف أن أحدا «لا يوقفه عند حده».. لا وزير الثقافة يتصل به، ويعترض ولا أى جهة تفعل هذا، وهنا أدرك أنه من الممكن أن يلعب دور مبدع ومخرج سينمائى وكاتب وبدأت أحول موقفى «الأهوج» إلى موقف منظم بمعنى أن أضع قواعد لهذه الحرية، ومن هنا كانت تجربتى تتخذ هذا المنحى ومنذ أن توليت المسئولية حرصت أن يكون هناك نقاش دائر بين الرقباء وأصحاب العمل الفنى سواء المخرج أو السيناريست وما يتفق عليه الطرفان هو ما اعتمده فى النهاية، وهذا الأمر كان له صداه الرائع للمبدعين والرقباء معا.
وأضاف: تطورت التجربة حين أصبحنا نضع لها تقنينا، ولم يكن هناك أى اعتراضات من المجتمع ولا أى جهات سياسية ولا يتدخل أحد فى عملنا، باستنثاء من يتاجر بهذه الأمور.. أحيانا صحفى أو من يحاول البروز باسم الأخلاق والقواعد، وما إلى ذلك لكننا فى كل مرة نستخلص من التجربة قواعدها ويلتزم بها الجميع ونسعد بها جميعا.
وتابع ثابت أنه من «خلال تجربتى لم تكن هناك أى تدخلات على الإطلاق بل كانت هناك مناوشات صحفية أحيانا، وأشهرها ما يتعلق بالموقف الدينى لبعض الأفلام والتى كانت تحل بشكل سريع ولا تنشأ عنها أى مشاكل على الإطلاق.
ولم يخف ثابت أن بعض الرقابة كانت لديهم توجهات دينية وسياسية مختلفة قد تنعكس على آرائهم، ومن هنا قرر الاستعانة بلجنة فى حدود 3 رقباء أو 5 لمشاهدة العمل الواحد، وكل فرد منهم يضع تقريره، وبالتالى كان يخشى التناقض مع تقرير زميله وحتى لو حدث خلاف فلا يصل للتناقض ثم يتم الاحتكام بالأصوات، وكنت أتدخل فى حالة الخلاف بين الرقباء ومدى خلافهم مع صاحب العمل، لكن إذا مر العمل بسلام فلا أتدخل وأشاهد العمل كغيرى من النقاد والجمهور، وفى العادة أنصر المبدع والفنان.
اتهام
اتهموا «اللمبى» بالإسفاف.. فحصد أعلى إيرادات فى تاريخ السينما

أما أكثر فترات الهجوم التى تعرض لها ثابت فكانت بسبب فيلم «اللمبى»، ويقول: من أشهر الجلسات التى عقدت فى إطار شورى النقاد كانت عن هذا الفيلم، وحدث خلاف رهيب عليه.. فهناك من كان يرى ضرورة التدخل فى المحتوى، وهناك من رفض هذا الأمر بشدة، ولعل هذا الفيلم هو سبب اتهامى بأننى أهرب من المسئولية، وقد فوجئت للأسف أن هناك من يطالبون أن تتدخل الرقابة فى المستوى الفنى وهذه جريمة كبرى بدليل أن الفيلم رغم وصف البعض له بأنه هابط فنيا حقق أعلى إيرادات وقت عرضه.
وراى أن الحديث عن الدور الأخلاقى للرقابة مفهوم خاطيء.. فللأسف هناك من وجهوا موقفهم من بعض الأفلام التى أجازتها الرقابة فى عهدى للرقباء بدلا من توجيهه لصاحب العمل نفسه فهو ما يجب تقويمه، فكيف تلعب الرقابة دورا أخلاقيا فلا يمكن أن تقف هذه المسألة عند حد وما الذى يضمن أن ما أراه أخلاقى يراه غيرى غير أخلاقى، وللعلم فأنا أول مخرج يطالب بإلغاء الرقابة بل وبدأت فى إعداد مشروع يشترك فيه بعض المفكرين على اعتبار أن الرقابة هى للدفاع عن حقوق الملكية الفكرية للمبدع وليس للرقابة عليه وأن ينفصل هذا الشق ويتم تحويله كالدول المتقدمة للمجتمعات الأهلية بعيدا عن قوانين، ولا يكون للحكومة أى دور إلا بالشق المثبت بالقانون فى الحفاظ على الملكية الفكرية.
وحول مطالب البعض بسن قانون لمنح سلطات أقوى للرقابة ومنها حذف المشاهد الإباحية من الأعمال القديمة، أوضح: حذف المشاهد الإباحية «كارثة» لأن هذا المصطلح قد يتسع ليتضمن أشياء كثيرة للغاية، وأعتقد أن ما يمكن تسميته بالمشهد الإباحى لابد أن يكون منفصلا عن التوجه الدرامى، وأن يكون عرضه بهدف إثارة الغرائز، وهو موجود بالفعل فى شريحة معينة من الأفلام لابد من منعها فلا يمكن أن يتم السماح بأفلام البورنو مثلا، لكن المشهد الساخن الذى يأتى فى سياق الدرامى فهو أمر عادى أما فيما يتعلق بالقوانين، فهذه كارثة أخرى فقوانين الرقابة المعمول بها حاليا بها مزايا وعيوب خطيرة فى نفس الوقت، وهى أنها قابلة للتفسير الحر، لكن المشكلة فيمن يفسرونها على المنحى الذى يريدونه وهو فرض القيود فإذا أتاحنا لهؤلاء المزيد من القوانين المكبلة للمبدعين فكيف نتوقع إبداعا؟
رقابة دينية
قوة القانون تمنح الأزهر والكنيسة حق التدخل.. و«بحب السيما» تعرض للظلم

يعترف المخرج والرقيب السابق مدكور ثابت لأول مرة أنه حينما أبلغ بتعيينه بمنصب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية انتابته حالة من «الغيظ الشديد»، وتساءل: كيف يعينوننى فى هذا المنصب؟.. وقرر أن يرد على طريقته بإطلاق الحرية بلا حدود وكانت المفاجأة أنه اكتشف أن أحدا «لا يوقفه عند حده».. لا وزير الثقافة يتصل به، ويعترض ولا أى جهة تفعل هذا، وهنا أدرك أنه من الممكن أن يلعب دور مبدع ومخرج سينمائى وكاتب وبدأت أحول موقفى «الأهوج» إلى موقف منظم بمعنى أن أضع قواعد لهذه الحرية، ومن هنا كانت تجربتى تتخذ هذا المنحى ومنذ أن توليت المسئولية حرصت أن يكون هناك نقاش دائر بين الرقباء وأصحاب العمل الفنى سواء المخرج أو السيناريست وما يتفق عليه الطرفان هو ما اعتمده فى النهاية، وهذا الأمر كان له صداه الرائع للمبدعين والرقباء معا.
وأضاف: تطورت التجربة حين أصبحنا نضع لها تقنينا، ولم يكن هناك أى اعتراضات من المجتمع ولا أى جهات سياسية ولا يتدخل أحد فى عملنا، باستنثاء من يتاجر بهذه الأمور.. أحيانا صحفى أو من يحاول البروز باسم الأخلاق والقواعد، وما إلى ذلك لكننا فى كل مرة نستخلص من التجربة قواعدها ويلتزم بها الجميع ونسعد بها جميعا.
وتابع ثابت أنه من «خلال تجربتى لم تكن هناك أى تدخلات على الإطلاق بل كانت هناك مناوشات صحفية أحيانا، وأشهرها ما يتعلق بالموقف الدينى لبعض الأفلام والتى كانت تحل بشكل سريع ولا تنشأ عنها أى مشاكل على الإطلاق.
ولم يخف ثابت أن بعض الرقابة كانت لديهم توجهات دينية وسياسية مختلفة قد تنعكس على آرائهم، ومن هنا قرر الاستعانة بلجنة فى حدود 3 رقباء أو 5 لمشاهدة العمل الواحد، وكل فرد منهم يضع تقريره، وبالتالى كان يخشى التناقض مع تقرير زميله وحتى لو حدث خلاف فلا يصل للتناقض ثم يتم الاحتكام بالأصوات، وكنت أتدخل فى حالة الخلاف بين الرقباء ومدى خلافهم مع صاحب العمل، لكن إذا مر العمل بسلام فلا أتدخل وأشاهد العمل كغيرى من النقاد والجمهور، وفى العادة أنصر المبدع والفنان.
جهات سيادية
«عايز حقى» لم يعرض على جهات سيادية.. وسفارة أمريكا لم تمنع «فهرنهايت 11/9»

فيلم «عايز حقى» للمخرج خالد يوسف وبطولة هانى رمزى وهند صبرى كان كذلك محور جدل واسع، ورغم ما قيل حينها أن جهة سيادية شاهدت العمل وأجازته لكن مدكور ثابت يقول: هذا كذب وافتراء لا أقبله.. فقد أجزت الفيلم منذ اللحظة الأولى والمشكلة التى نشبت كانت حول أحقية الفكرة بين طرفين لا أذكر اسم أى منهما، لكن لم يحدث أى تدخلات سيادية أو غيرها وإذا قيل غير هذا فربما تكون دعاية كاذبة فقد انتهت المشكلة وتم عرض الفيلم، وكانت تجربة رائعة، وهذا الفيلم من ضمن محاولاتى المختلفة لمساندة حرية الإبداع بنوع من الجرأة، واعتمدت فيها على مواقف المثقفين والمبدعين فى شورى النقاد التى توقفت برحيلى عن المنصب لأنها كانت مرتبطة باسمى وتحملت كل الهجوم اللاذاع الذى تعرضت له.
ونفى ثابت كذلك تدخل السفارة الأمريكية لمنع عرض فيلم «فهرنهايت11 /9» الذى كان يهاجم السياسة الأمريكية، وقال: لم يحدث ولم أكن لأقبل أن تتدخل السفارة الامريكية أو أى جهة فى عملى.. وما حدث أنه تم عرض الفيلم على مجموعة شورى النقاد، وهم الذين رفضوا عرضه، وكثيرا كنت أمنع افلاما أمريكية من العرض ولا يحدث أى ردود أفعال غير طبيعية ولا أعرف حقا هل كنت محظوظا أم أن هذا يعد امرا طبيعيا.
وعن حملة الهجوم التى تعرض لها بسبب مجموعة شورى النقاد واتهامه بالهروب من المسئولية، أوضح: بمنتهى الصراحة من تبنوا هذا الرأى كانوا يدافعون عن وجودهم وحدهم فى الساحة بالحركة النقدية بمعنى أن يكونوا هم أصحاب الحق فى أن يقولوا هذا عمل ردئ أو عمل جيد، ولا يسبقهم أحد فى لعب هذا الدور بالرغم أن بعضهم كان عضوا فى شورى النقاد، لكنهم كانوا يريدون الانفراد بالحكم على العمل الابداعى وأن يلعبوا الدور وحدهم، وهناك من يؤمن بضرورة أن تلعب الرقابة دورا أخلاقيا، واحترت بين من يطالب بالحرية ومن يتمسك بالرقابة، ويطالبونها بالمحافظة على الأخلاق.