لانشات متعطلة وأرشيف محترق ومفتشون بلا مكاتب.. والغرامة 3 ملاليم
على كورنيش النيل، أمام سور السفارة البريطانية، كشك خشبى مزين بلافتة قديمة كتب عليها «وزارة النقل ــ الهيئة العامة للنقل النهرى ــ الإدارة العامة للرقابة على الوحدات النهرية»، بجانبه كشك آخر يدير عملية التفتيش على المعديات والمراكب والصنادل بطول المجرى الملاحى الداخلى لنهر النيل بامتداد 2000 كيلومتر، وذلك بعدما احترقت باقى الأكشاك فى أحداث ثورة 25 يناير2011 إثر ماس كهربائى، واحترق معهم الأرشيف الذى يحتوى على كل ملفات الرقابة منذ إنشاء الإدارة.
«الشروق» فى جولتها داخل الإدارة رصدت التجاهل والإهمال الذى طال هذا القطاع المهم، رغم مسئوليته عن أمن وسلامة المواطن، الذى يجد نزهته فى المراكب النيلية، ويستخدم المعديات للانتقال بين المراكز والقرى، علاوة عن دوره فى مراقبة حركة البضائع المختلفة التى تنقل عبر النيل.
خلف اللافتة القديمة، بدت لانشات ومراكب الهيئة التسعة كالهياكل العظمية، الموظفون هناك قالوا إنها تركت لسنوات تحديدا منذ 2009 كالصفيح المركوم، وانتهت تراخيصها بسبب أعطال أصابت محركاتها ــ موتور يحتاج عمرة كاملة، وسوء إدارة فى تعلية أربعة لانشات فقدت توازنها وأصبحت محل تحقيق فى النيابة العامة، وظل المسئولون فى طريق ذهابهم وإيابهم يتجاهلونها، كما تجاهلوا من قبل استثغاثات مفتشى هيئة النقل النهرى فى تعديل قانون رقم 10 لسنة 1956 لتنظيم الملاحة الداخلية، وتحسين بيئة العمل والحصول على الضبطية القضائية من وزارة العدل، وبدل المخاطر.
المخالفة بثلاثة ملاليم
داخل كشك مدير إدارة الرقابة على النقل النهرى، تحدث أقدم مفتشى الإدارة عبدالحميد حافظ عن ضعف مرتباتهم رغم الصعوبات والمخاطر التى تحيط بهم: «أعمل منذ 22 عاما ومرتبى 700 جنيه فى الشهر، أما مرتب سنة أولى تفتيش للعاملين هنا فلا تزيد على 300 جنيه»، ويضيف: «الرقابة النهرية تتطلب أن يكون المفتش نزيها، لأنه يواجه أحيانا إغراءات من بعض أصحاب المراكب السياحية فى عدم تطبيق القانون»، ودعا إلى صرف بدل مخاطر لهم، لتعرضهم أحيانا لمخاطر العمل، «أحد زملائى اترفع عليه طبنجة أثناء التفتيش.. حتى كارنيهات المتفشين التى تعطينا حق الضبطية القضائية غير مفعلة وموقعة من الهيئة وليس من وزارة العدل».
ويدعو عبدالحميد إلى تغيير قانون الملاحة، قائلا «المخالفة بثلاثة ملاليم وفقا لقانون الملاحة، وأكبر غرامة للمخالفات التى نرصدها مائة جنيه بما لا يردع المخالفين».
عبدالحميد مثله مثل باقى المفتشين بالإدارة ليس لديهم مكاتب، بعد احتراق الأكشاك التى كانت تضم مكاتبهم، وتزداد صعوبة عملهم بعد توقف مراكب ولانشات الهيئة.
وكان مدير الإدارة المهندس محمد التهامى أرسل خطابات للمطالبة بإصلاح وتوفير لانشات أخرى جديدة، يقول: «الأمور فى الجهات الحكومية تحتاج لسنوات عديدة قبل البت فيها لروتين المناقصات وموافقة الجهاز المركزى للمحاسبات».
يقول التهامى إن وظيفة المراقب تشمل التفتيش الدورى على تراخيص المراكب والمعديات والسفن، والتأكد من معايير السلامة والأمان، بالتعاون مع الإدارة العامة لشرطة المسطحات، وتوفر لهم الإدارة سيارة للتنقل داخل نطاق القاهرة، أما خارجها فيضطرون لاستخدام المواصلات العامة بسبب تعطل المراكب.
المفتشون أصبحت حركتهم أقل بسبب إحالة كثيرين منهم للمعاش على مدى الأعوام السابقة، وعدم توافر درجات مالية جديدة، مما سيؤدى لأزمة مستقبلية فى توفير طقم لتشغيل تلك المراكب فى حالة إصلاحها.
وحول تلف وحرق جميع ملفات الرقابة، يقول أحد الموظفين، رفض ذكر اسمه: إن الإدارة الجديدة سعت لعمل أرشيف جديد بدأ فى 2014 لرصد نتائج زيارات التفتيش على الوحدات لنهرية، علاوة على رصد الشكاوى التى ترد للهيئة، مشيرا إلى أن حرق الأكشاك تم فى وقت حظر التجوال فى أحداث ثورة 25 يناير، ولم يكن هناك سوى موظفى الأمن، ولم نعرف نتائج تحقيقات النيابة فى هذا الشأن ومن المحظور التحدث عن الأمر، واستدرك «الملفات التى كانت بالأرشيف فى غاية الأهمية ولم يتم حفظها إلكترونيا قبل الحرق، ومن الصعب عمل بديل لها».
الريس بحرى بدون عمل
بالقرب من اللانشات المتوقفة عن العمل، جلس الريس البحرى ناصر سيد حسن تحت كشك آخر متكئا على وسادة مهترئة، فور رؤيتنا اعتدل قائما ليقول: «بقالنا على الحال ده من 5 سنين من غير شغل»، ثم يشير إلى الأحبال التى تربط المراكب بالبر، قائلا «الأحبال متحلتش من مكانها بقالها كتير قوى»، يتمنى حسن أن يعاود العمل مرة أخرى على مركب جديد، بشرط توافر تأمين صحى وبدل مخاطر «التأمين الصحى بتاعهم لا بيربط ولا يحل معانا».
حسن ــ معين بالهيئة ــ كان يقود مراكب الهيئة فى حملات التفتيش المفاجئة أو المحددة سلفا، ومع توقف مراكب الهيئة لم يعد للبحارة والميكانيكية عمل، وانفصل عنهم المفتشون، يقول: «كنت ريس المراكب فى أى مأمورية تخرج من هنا، وأكتر شغل كان مهم فى وقت الأعياد علشان نطمن على سلامة الناس اللى بتركب معديات ومراكب».
حصلت «الشروق» على بيان التفتيش على الوحدات النهرية بنطاق محافظة قنا ــ التى وقعت بها حادثة غرق صندل الفوسفات ــ خلال الفترة من 16 إلى 21 مايو 2015، وبه يظهر دور إدارة الرقابة رغم الامكانيات المحدودة فى أداء مهمتها بشكل جيد، حيث تم التفتيش على 27 وحدة نهرية، تتضمن معديات ومراكب سياحية، ومراكب نزهة، وتمت هذه المأمورية بواسطة اثنين من المفتشين فقط هما عبدالحميد حافظ ونادر كامل.