لم تحتضن نينوى خلال عقودها الثلاث الماضية سوى معرض دولي واحد، كان محط جدل بين الأوساط المثقفة، فمنهم من عده دوليا، وآخر اعتبره محليا، شاركت فيه دور نشر عربية وقطرية ومحلية، أقامته جامعة الموصل قبل 24 عاما، تلته حقبة خيمت عليها غمامة سوداء.
ما احتوته المحافظة من مكاتب عامة لم يرتق إلى مستوى طموح الطبقة المثقفة، فمكتبتها المركزية خاصة بعد الاحتلال الأميركي تعاني من الإهمال، ولا تتعدى أن تكون مخزنا للكتب القديمة، في حين أن مكتبة جامعة الموصل مخصصة للطلبة والباحثين ولا تستقبل العامة، إضافة إلى افتقارها للحداثة، فكان المتنفس الوحيد للمثقف في نينوى مكتباتها الأهلية والتي لا تتجاوز مساحتها 20 مترا مربعا، أو يلتجئ إلى شارع النجيفي المصدر الثقافي الوحيد في المدينة حيث تنتشر المطابع، فتطبع فيها المؤلفات المحلية وتستنسخ العالمية منها، لتفرش "بسطات الكتب" على قارعة طريق مدخل النجيفي، فتباع الكتب هناك بأرخص الأثمان.
اقبال كبير
في أول ساعات صباح الثلاثاء اقبل المئات من اهالي على قاعة المهندسين، ليشاركوا في حدث لطالما حلموا به منذ أمد بعيد، شبان وشيبة، طلبة وأساتذة جامعيون، باحثون، مفكرون، أدباء وصحفيون، جميعا شاركوا محافظ نينوى افتتاح معرض الكتاب الأول في محافظة نينوى. بمشاركة أكثر من خمس دور نشر عربية، ومثلها عراقية، والعديد من المكتبات المحلية.
نصف فرحة
ورغم النجاح الذي حققه المعرض والإقبال الذي فاق التوقعات في يومه الأول، والتغطية الإعلامية الكبيرة لكافة وسائل الإعلام والتي بدأت قبل شهرين من انعقاده، إلا أن المعرض شهد تراجعا كبيرا بعد مرور يومه الثاني.
البعض ربط هذا التراجع بقلة وعي أو انشغال المواطن بهموم الحياة، وآخرون أكدوا أن غلاء أسعار الكتب هو على رأس قائمة أسباب هذا التراجع، في حين أن أصحاب دور النشر تذمروا من قلة المبيعات وابتعاد المؤسسات الحكومية عن دعمها للمعرض.
تقول غيداء عادل مهندسة، "قلة الوعي وعدم توعية تلاميذ المدارس بأهمية القراءة، مع ارتفاع بسيط في الأسعار، من أسباب تراجع الإقبال على المعرض" وتضيف عادل، "المعرض كخطوة أولى جيد، لكنه بحاجة إلى تغطية إعلانية اكبر".
سبعة وعشرون
نخبة من الأدباء والمفكرين عددهم سبعة وعشرون كما تشير لافتة شغلت المساحة الأكبر من واجهة المعرض هم أعضاء الهيئة التحضيرية برئاسة الدكتور نجمان ياسين، تحملوا مسؤولية الإخفاقات والتقصير في إدارة المعرض، وعدم إظهاره بمستوى يليق بمحافظة نينوى صاحبة أول مكتبة في التاريخ كما ذكر شعار المعرض.
يقول سندباد احمد صحفي وإعلامي، "فوجئنا بالمكان المخصص للمعرض الذي كنا نتطلع من خلاله أن يكون بوابة للثقافة، وحتى والوسائل الإعلانية المروجة له لم تكن بمقام نينوى".
ويشير احمد، "ما عرض من عناوين خجول جدا ولا يليق بالمستوى الثقافي والعلمي لأبناء مدينة الموصل، فدور النشر لم تعرض ما شاهدناه في المعارض التي أقيمت في المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى أن القائمين على المعرض لم يكونوا بالمستوى المطلوب".
إخفاق اللجنة
من جانبه يؤكد خالد العاني صاحب الدار العربية للنشر في بيروت، "أن القدرة الشرائية في المعرض متدنية جدا، لذا عملنا على خفض الأسعار لبيع اكبر كمية من الكتب، لان تكلفة نقلها وإعادتها إلى بيروت باهظة جدا".
ويكشف العاني عن إخفاق اللجنة التحضيرية في نقل صورة حقيقة عن المؤسسات والجامعات لهم عند دعوتهم للمشاركة في المعرض، "وعدنا بأرقام فلكية عند دعوتنا للحضور والمشاركة في المعرض فكانت النتيجة صفرا، ولم تسهم المؤسسات إلا في فتات لا يغطي ثمن المصروف اليومي هنا".
ويضيف العاني، "اعتمادنا لم يكن على الأشخاص بل المؤسسات والجامعات لكن مع الأسف لم نوفق في ذلك".
كما يبين صاحب الزبيدي مدير عام دار دجلة، "أن الغرض من إقامة المعرض هو توفير الكتاب للمواطن القارئ، وللمؤسسات والدوائر الحكومية بما تحتاجه مكتباتها، وخلافا للمعارض التي تقام في الأماكن الأخرى، لم نشاهد حضورا للمراكز العلمية والمؤسسات البحثية ودوائر الدولة، وان حضرت بعضها فحضورها خجول جدا".
ويوضح الزبيدي، "باعتبار هذه التجربة الأولى في المحافظة، ولكي تكون أساسا لتجارب لاحقة، كان من المفترض أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين كل الجهات لإنجاح المعرض وإرساء قواعده".
وبين الزبيدي، "أن معرض الكتاب مقارنة بالمعارض التي أقيمت في المحافظات ضعيف".
اثيل النجيفي محافظ نينوى في تصريح صحفي نفى ما أكده أصحاب دور النشر لميدل ايست اونلاين، مؤكدا "انه التقى بهم واخبروه أنهم متحمسون ليكونوا متواجدين في محافظة نينوى، وهم راضين بحسن أداء المعرض".
الكعك أهم من حضور راعي الحفل
استغربت كافة وسائل الإعلام بعد إن علمت في الحفل الختامي للمعرض الذي إقامته اللجنة التحضيرية بغياب أصحاب دور النشر، واقتصار الحفل على توزيع الشهادات التقديرية بين أعضاء الهيئة الإدارية وعدد من الأدباء والمفكرين.
وكان من المؤمل حضور محافظ نينوى للحفل لكن انشغال اللجنة التحضيرية بشراء الكعك وتحضير "صواني البقلاوة"، أنساها إبلاغ المحافظ عن مكان إقامة الحفل، ليتعذر حضوره بعد أن توجه موكبه إلى قاعة المهندسين.
وقد تؤكد هذه الحادثة ما أشار إليه أصحاب دور النشر من إخفاق اللجنة التحضيرية في إقامة المعرض وانشغالها بأمور لا تصب في مصلحته.
لقطات من المعرض:
ـ مجموعة من الأطفال أعمارهم بين 11- 12 سنة، يتجولون بصحبة سيدة تخطت عقدها الرابع، في أروقة معرض الكتاب الأول في نينوى.
ـ أحمد حامد يونس طالب مرحلة سادسة في مدرسة الفتوة للبنين احد أفراد تلك المجموعة، ارتسمت البسمة على وجهه، وهو يتصفح أكداس الكتب المعروضة في الجناح المحلي من العرض، بعد أن اتفق هو أصحابه على شراء "علامات الساعة الصغرى".
ـ "لأعرف ديني من دنياي اشتريت هذا الكتاب"، يقول الطفل يونس.
ـ هي المرة الأولى لهؤلاء الأطفال في معرض شامل للكتب، فضلوا القراءة والاطلاع على الهوايات الأخرى، فمنهم من يقول: "إن في الكتب أشياء لا يمكن أن نجدها في غيرها".
ـ دعوة زيارة الطلبة للمعرض أتت بتوجيه من الإعلام التربوي في المديرية العامة في تربية نينوى، لتوعية الطلبة بأهمية الكتاب والقراءة.
ـ ابنة الأربعين عاما يسرى سعيد مديرة المدرسة وقائدة المجموعة، تؤكد، "حتى من ليس لديه حب للمطالعة وقراءة الكتب من تلاميذي، اشترى كتبا من المعرض، ومنهم اشترى كتبا تفوق مستواه الفكري". وتضيف سعيد، "الكتب المعروضة قيمة جدا، وتتناسب مع جميع الأعمار، وتخاطب كافة فئات المجتمع".