خرجت المنطقة (ج) عن سيطرة أجهزة الأمن المصرية، مع انطلاق سلسلة من «النضالات الأهلية لرد صفعة انتهاكات ما بعد تفجيرات طابا فى عام 2004»، تلك الحملة الشعواء التى ألقت بنحو 3000 من أبناء سيناء المعتقلات خلال أسبوع واحد.
وكان 25 أبريل من عام 2007، تاريخا فاصلا فى شمال سيناء، رغم أنه حل فى ظل السيادة المصرية الكاملة على سيناء منذ الجلاء الإسرائيلى فى 1982، عملا باتفاقية اتفاقيات كامب ديفيد بين السادات ومناحم بيجن ،وهى الاتفاقية التى أسهمت بدورها فى واقع سيناء الحاضر، ونتج عنها بشكل مستتر تغييرات وفراغات لم تستطع الدولة أن تملأها حتى يومنا هذا.
فى هذا التاريخ تشابكت أيدى ابناء القبائل بعد سقوط اثنين من قبيلة السواركة، قتلى برصاص الشرطة جنوب رفح، فى حادث قال عنه السكان أن «الشرطة مارست قمعها وغطرستها تجاه مواطنين لم يكن هناك داعٍ لفتح النار صوبهما»، ليزداد الاحتقان.
دوت هتافات سقوط النظام قبل سقوطه فعليا فى ثورة يناير بنحو أربع سنوات، حيث صدح صوت الأديب الناشط مسعد أبوفجر فى مؤتمرات المعتصمين إلى أن زج به فى معتقلات مبارك بتهمة التحريض.
كان للإعلام المصرى والعالمى ومنظمات حقوق الانسان المصرية والدولية الفضل فى توسيع دائرة الاحتقان بعد تغطيات اعلامية غير مسبوقة لاحتجاجات البدو، وصار من الممكن أن تشاهد رموز حركة كفاية والحركات الأخرى يصلون لمواقع الاحتجاج للتضامن.
النظام الرسمى إزاء تلك الاحتجاجات تراجع تدريجيا، وبحسب مصدر خاص: «اتصل الرئيس السابق حسنى مبارك بمحافظ شمال سيناء ــ فى ذلك الحين اللواء أحمد عبدالحميد ــ وقال له جملة واحدة: شوفوا الناس دى عايزه ايه وريحوها، فترجمت العبارة لدى الأجهزة السيادية وغير السيادية، إلى قرار الانسحاب التام، لتفرغ المنطقة الحدودية من فعالية جهاز الأمن الذى بات يتعامل مع المنطقة بالتحكم عن بعد، عبر مئات الأحكام الغيابية التى كانت توجه للنشطاء وأبناء القبائل لتحييد وجودهم فى المدن وحصرهم فى مناطقهم الجغرافية».
النضال القبلى لم ترتسم عليه أى ملامح دينية قط، وإن شملت المطالب «الإفراج عن أبناء سيناء بما فيهم أعضاء الجماعات الاسلامية، الذين كانوا معتقلين حينها فى عدة سجون مصرية، الا أنه بعد الثورة ظهر وبقوة أثار الجماعات الدينية على رمال المناطق الحدودية، مستترة الاسم أحيانا، وواضحة وجلية أحيانا أخرى، تحت مسميات مختلفة.
كثر اللاعبون فى المساحات الخالية من الدولة خاصة فى الشريط الذى يبلغ عمقه 40 كيلو مترا داخل الأراضى المصرية غربا، ويمتد 250 كيلومترا، وهو ما يعرف فى كامب ديفيد بمنطقة (ج) الأمنية، التى حدت الاتفاقية من انتشار الجيش المصرى فيها، وسمحت فقط لقوات الامن الداخلى بحراسة الحدود وإدارة الشئون الامنية.
تم رصد المحاكم الشرعية قبل ثورة 25 يناير، وإن كانت بشكل أقل ظهورا، وبعلم مباحث أمن الدولة، إلا أن انسحاب الشرطة وأمن الدولة من المناطق أدى لظهور المحاكم الشرعية التى يقضى من خلالها رموز السلفيين بين النزاعات الأهلية، والظهور أيضا جنبا إلى جنب إلى جوار رجال الأمن فى الأجهزة السيادية والدولة فى حل المشكلات العامة، مما أكسبهم مشروعية لم تكن فى عقل أكثرهم تفاؤلا.
وحول توصيف العابثين فى المنطقة الشرقية وخاصة رفح والحدود، يقول الشيخ هانى محلب، إمام وخطيب مسجد التوحيد، أكبر المساجد التى يؤمها السلفيون فى المنطقة الشرقية بسيناء: «الزعم بإنشاء إمارة إسلامية هو لغط إعلامى، ومن قد ينحصر فى عقلهم هذا الفكر مجموعات قليلة العدد لا تذكر بجوار المجموع»، ملمحا إلى «دور ما للموساد الإسرائيلى للعبث فى سيناء ربما يستخدم فيه سلاح الدولارات».
ويعكف إمام مسجد التوحيد على دراسة لتوصيف العلاج باعتبار أن «الفرصة الأخيرة لمحاصرة أزمات المنطقة تنحصر فى هذا الحين»، حيث يرى أن الدولة «أهملت بعدم تقديم وتفضيل الدعاة المتميزين علما وسلوكا للعمل فى سيناء، كما انها يجب أن تعنى بأن يعمل فى مجالات الطب والتعليم ومناحى الخدمات المختلفة أفضل الكوادر وأقدرهم مهنيا لأهمية المنطقة».
تمايزت الخطابات الدينية فى مناطق الحدود إلا أنه لم يتم رصد أصوات تنادى علانية بإنشاء إمارة إسلامية، عدا بيانات تم توزيعها فى رفح والشيخ زويد، وأحيانا العريش، تعلن الإمارة الإسلامية وغالبية البيانات لم تكن تحمل توقيع غير أن ارتفاعه رايات الجهاد السوداء، لم يشكل حرجا لرموز السلفيين، فقد ارتفع فى مرات عددية بجوار السلاح.
لا ينفصل واقع سيناء الشرقية عن الاوضاع فى قطاع غزة التى منعت وقمعت حركة حماس فيها فصائل المقاومة المتشدده دينيا عندما أعلن أحد رموزهم المدعو عبد اللطيف موسى زعيم السلفية الجهادية وجيش الإسلام فى قطاع غزة أن رفح إمارة إسلامية لتحول قوات حركة حماس مسجد ابن تيمية الذى اعلنت من الامارة إلى انقاض فوق الزعيم موسى وانصاره ويشكل هذا التاريخ علامة فارقة بين حركة حماس والجهاديين فى غزة الذى زج بهم فى المعتقلات ونجح من أفلت منهم فى التسلل عبر الانفاق إلى سيناء والتواصل مع رموز السلفية الجهادية لانشاء تنظيمات جديدة بخبرات فلسطينية وتطعيمها بعناصر من الجهاديين المصريين الهاربين من السجون اثناء الثورة وقبت بعد الأحداث الأخيرة فى سيناء أن أبناء عدة محافظات مصرية سقطوا خلال المواجهات مع حملة النسر فى سيناء.
بخلاف ما سبق بامكانك أن تضع أن الحكومات المتعاقبة أهملت مناحى الحياة شرق سيناء تركت المدن الحدودية والقرى والتجمعات ابتداء من الشيخ زويد ورفح وقرى الحدود الحرية والمهدية وشبانه والمقاطعة والبرث والعجراء ووادى الأزراق ولصان وخريزة ووادى العمر وام قطف والكونتيلا والعزازمة وغيرها نهبا للفراغ فاقد التعليم الجيد أو الخدمات الصحية والقدرة على الحصول على الماء الصالح للشرب بخلاف الخدمات الحكومية الاخرى لتتشكل فى الأماكن ثقافات جديدة وافعال جديدة طبعت عليها آثار العديد من الجهات التى استغلت فراغ الدولة من جماعات دينية متشددة إلى مال سياسى يصب من قطاع غزة ويردد الاهالى أن ايران تعبث كذلك والموساد، كل يريد ملء فراغ الدولة.
يقول محمد أبوعيطة مدير تحرير صحيفة البادية اليوم المحلية المعنية بشئون البادية السياسية والاجتماعية ملخصا للحالة «الأمن والتنمية النظيفة الخالية من شهوة الأنا وفساد الرؤية وشروط التخوين أهم ما تنتظره «رفح» و«الشيخ زويد» أهم مدينتين بامتدادهما الجغرافى وما تضمان من قرى وتجمعات سكانية على طول خط الحدود الفاصل بين مصر وقطاع غزة وإسرائيل غياب الأمن سينجح كل المخططات الرامية إلى عزلها عن العالم ويقصد عزل سيناء، والملفات التى يمكن تحريكها للمضى فى هذا المسار كثيرة كان من بينها فى الماضى، تأليب العائلات والقبائل المحلية على بعضها البعض، وتسرب أجيال متلاحقة من التعليم، وخلق مناخ فراغ شجع على تفشى ظواهر التهريب والتى أفضت إلى خلق كيانات اقتصادية غير شرعية نتيجة التهريب والمخدرات وزراعة فتنة باسم الدين، وإذكاء الخلاف أفرادا ومجموعات وجماعات، وفصل القيادات والرموز الفكرية والقبلية ذات الاحترام القادرة على صنع واقع بديل واستبدالها برموز شكلية جوفاء من اى مضمون، كان آخره إشعال شرارة تهجير المسيحيين من رفح، وفى الطريق توسيع دائرة الاشتعال فى اتجاهات أكثر تأثيرا، على صناع القرار فى مصر أن يتعاملوا مع تلك المناطق بوعى أكثر».
إشارات إيجابية يطرز لها بصبر وهى انعاش القرى الحدودية بمشروعات تنمية بجهد ذاتى مدعوم من الدولة والمجتمع المدنى هكذا يخطط سعيد اعتيق الناشط السياسى الذى يقطن قرية نجع شبانة وذلك من خلال تشكيله لفريق عمل من الشباب الذين يجمعون المعلومات عن القرى الحدودية وحاجاتها لتقديم ملف إلى الجهات المسئولة والداعمة المصرية لتشكيل نواة حائط صد ازاء كل خطر داهم حالى ومستقبلى.
يشترك فى الهدف ولكن فى خط موازٍ مصطفى الأطرش الناشط والمهتم بشئون الزراعة فى مناطق الحدود بالتواصل مع المزارعين الذين بدأوا نواة زراعية بجهد ذاتى وهو يروج لتلك المناطق امام المسئولين والإعلام لكى يلتفتوا بالدعم المناسب للمزارعين معتبرا أن التنمية الذاتية بدعم حكومى من الممكن أن تحقق فريضة التنمية الغائبة عن سيناء التى أجمع الخبراء أنها علاج لكافة مشكلات سيناء المزمنة وحصانة ضد كل المخططات الخارجية.