رحلة الطماطم.. من المزرعة إلى المستهلك - بوابة الشروق
الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 10:30 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون السوق: بين كل موسمين للحصاد هناك موسم غلاء.. أصلحوا حال المزارع ينصلح حال السلعة

رحلة الطماطم.. من المزرعة إلى المستهلك

آخر موسم الطماطم في وادي النطرون تصوير- عبدالرحمن مصطفى
آخر موسم الطماطم في وادي النطرون تصوير- عبدالرحمن مصطفى
عبد الرحمن مصطفى:
نشر في: الخميس 7 نوفمبر 2013 - 2:13 م | آخر تحديث: الخميس 7 نوفمبر 2013 - 2:13 م

•«من يتحدث عن تثبيت الأسعار، يبتعد عن الواقع، وأى محاولة فى هذا الاتجاه ستفتح سوقا سوداء للمزارعين تقضى على أسواق الجملة .. الوضع السليم أن نترك السوق تحدد الأسعار حسب العرض والطلب»

تستيقظ «أم رجب» بعد صلاة الفجر مباشرة كى تستعد لرحلتها اليومية إلى سوق العبور، وتعود من هناك ومعها كل ما تحتاجه من خضراوات، أما فى بقية اليوم، فتجلس أمام لافتة متجرها الصغير «الصابح» فى الحى التاسع بمدينة نصر حيث تنتظر الزبائن. تشير بيدها إلى أقفاص الطماطم قائلة: «كيلو الطماطم اللى بأبيعه بأربعة جنيه النهارده، كان من شهر بس بجنيه واحد وبأقل من كده كمان.. محدش عارف بعد أسبوعين تلاتة هيبقى بكام».

فى رحلتها الصباحية إلى سوق العبور، تستأجر سيارة (ربع نقل)، ثم تقوم بجولة سريعة بين عنابر الخضار لدراسة أسعار السوق. فى الأيام الماضية كان سعر قفص الطماطم يتحرك بين 35 جنيها إلى 80 جنيها، حسب جودة الصنف وظروف البيع، علما بأن حمولة القفص الواحد تتراوح بين 18 إلى 20 كيلوجراما.

فى زيارتها الأخيرة إلى سوق العبور اشترت قفص الطماطم (العداية حسب لغة السوق) بحوالى 40 جنيها. وبحسبة بسيطة قد يظن البعض أن ثمن الكيلوجرام من الطماطم، حسب هذه الأسعار، سيتكلف جنيهين فقط، فلماذا تبيعه «أم رجب» بأربعة جنيهات؟ تجيب عن ذلك قائلة: «هناك مصاريف لا يراها أحد، مثل أجرة السيارة النقل يوميا، وقيمة تأمين القفص بـ 6 جنيهات، كما أن التاجر يضيف وزن القفص ــ حوالى 2 كيلوجرام ــ إلى الحمولة الإجمالية، كذلك فإن هناك نسبة من الطماطم تفسد يوميا لدى كل بائعى الخضراوات، والأهم من كل ذلك هو إيجار المحل الذى يتكلف 1200 جنيه شهريا».

فى أسواق الجملة الكبرى مثل سوق 6 أكتوبر أو سوق العبور، أحيانا ما تكون العلاقات المباشرة بين تجار هذه الأسواق وصغار البائعين هى الفيصل، حيث يتم الاتفاق على الطلبيات عبر الهاتف على عكس المجهود اليومى الذى تقوم به «أم رجب». وفى طريق مصر ــ الاسماعيلية الصحراوى، حيث يقع سوق العبور لتجارة الخضراوات والفاكهة، تبرز شاحنات محمّلة بأقفاص الطماطم قادمة رأسا من المزرعة، تتجه إلى عنابر الخضار حيث تجار الجملة. مهمة هؤلاء الوساطة بين المزرعة والأسواق الصغيرة أو المحال، لذا يقدم بعض التجار أنفسهم بوصفهم «قوموسيونجي». وفى داخل أحد العنابر الكبرى، وقف المعلم أبو على فرغلى إلى جوار شاحنة كبيرة تبلغ حمولتها 240 قفص طماطم.. فى انتظار البيع.

هناك وسيلة شهيرة للبيع وهى المزاد، خاصة فى المواسم الشحيحة، حين ينتظر التاجر تجمع المشترين حول شاحنة الطماطم القادمة من المزرعة، ثم يبيع لأعلى سعر. أما فى حالة المعلم أبو على فرغلى فقد جلس إلى جوار ابنه جلال على دكة خشبية محاولا بيع «حمولة الطماطم» بهدوء، منتظرا الزبون المناسب.. وهناك بين أغلب التجار كلمتان خفيفتان على لسان كل تاجر منهم، يرددونها كل حين: «السوق عرض وطلب، ماينفعش حد يتحكم فى الأسعار، خصوصا مع الطماطم».

بورصة الطماطم وسوق «الشلايش»

تتم زراعة الطماطم على مدار السنة، فى مناطق مختلفة من الجمهورية، وفى أثناء الفترات الفارغة بين كل فترة حصاد يقل تدريجيا المعروض فى السوق، وبالتالى تزيد الأسعار. هذا بعيدا عن لعبة التجارة نفسها التى قد يحدث فيها تذبذب فى الأسعار على مدار اليوم الواحد: «فى يوم بعت القفص بسعر 65 جنيها، وبقية البضاعة بعتها آخر النهار على 45 جنيها». هكذا يحاول كل من جلال ووالده أبو على فرغلى تشبيه عملية التجارة فى سوق العبور على أنها أشبه بالبورصة أو المقامرة.

وبسبب تقلبات السوق، يعمل كثير من التجار على تأمين أنفسهم مبكرا، بأن يدفعوا أموالا للمزارعين قبل زراعة الطماطم، بل ويضخوا أموالا فى شكل أقساط للمزارع الذى يحتاج هذه الأموال للإنفاق على الأرض الزراعية وعلى أسرته، وبهذه الطريقة يضمن تاجر الجملة أن يحصل على المحصول بسهولة فى وقت الحصاد، وكأنه شريك فى الأرض. «كل ذلك حتى نضمن أن نحصل على الطماطم، بدلا من أن نجدها فى أسواق الشلايش (السوق السوداء) غير الرسمية، لذا فإن من يتحدث عن تثبيت الأسعار، يبتعد عن الواقع، وأى محاولة فى هذا الاتجاه ستفتح سوقا سوداء للمزارعين تقضى على أسواق الجملة، الوضع السليم أن نترك السوق يحدد الأسعار حسب العرض والطلب». ويختم جلال أبو على، تاجر الجملة فى سوق العبور، بتلك العبارة.

من المنتظر فى الأيام القادمة أن تطرح أسواق بنى سويف والجيزة ومناطق متفرقة فى غرب الدلتا كميات من الطماطم مع بدء موسم حصادها، أما فى الأسابيع الماضية فكانت هناك مناطق أخرى هى التى تمد الأسواق بحصادها، منها أراضى وادى النطرون المجاورة لطريق مصر ــ الاسكندرية الصحراوى.

وبصورة عامة، تبلغ المساحة المزروعة بالطماطم فى مصر سنويا حوالى 550 ــ 600 ألف فدان، تنتج حوالى 10 ملايين طن سنويا، وذلك حسب أرقام مركز البحوث الزراعية، التابع لوزارة الزراعة.

وادى النطرون .. مزرعة المعلم علاء

على مسافة نصف ساعة بالسيارة من مدخل مدينة وادى النطرون، تتوزع حقول الموالح والفاكهة، إلى جانب الطماطم، أما محصول الطماطم فقد تم بيع أغلبه فى الأسابيع الماضية، عدا مساحات ضئيلة مازالت تنتظر الحصاد. ومن المتوقع أن يحصل أصحاب هذه المساحات الضئيلة المتبقية على مقابل جيد، بعد أن قلَّ ضخ الطماطم فى الأسواق الكبرى.

«المسألة حظ، وأشبه بالقمار»، حسبما يصف السائق الذى يقودنا إلى مزرعة المعلم علاء هاشم ذى الجذور الصعيدية، الذى كان يجلس فى غرفة حجرية مع عدد من العمال الزراعيين المقيمين معه فى الأرض، وبدأ فى الحديث قائلا: «بإمكاننا أن نزرع الأرض فى ثلاثة تواريخ هى أول يونيو، أو أول يوليو، أو فى منتصف يوليو تقريبا، وبالتالى سيختلف موعد حصاد أصحاب المزارع، وأيضا سينعكس ذلك على الكمية المطروحة فى سوق الجملة، وهو ما سيؤثر على تجار التجزئة، ثم المستهلك العادي». فى هذه الأرض الصحراوية يستأجر كثيرون مثل المعلم علاء أراضى هنا ويزرعونها، وهناك من حقق أرباحا خيالية، وهناك من أصابته لوثة بعد أن فسد محصوله ولم يستطع بيعه بعد أن أصيبت الطماطم بداء قضى على أغلبها، وفى مثل هذه الحالات حين يفسد جزء كبير من محصول الطماطم فى منطقة، فإن الفرقة الناجية من المزارعين هى التى تحقق أكبر الأرباح.

فى وادى النطرون على بعد أكثر من 90 كيلو مترا من القاهرة، يمر المعلم علاء هاشم بين الحقول المجاورة لمزرعته، حيث مازال البعض لم يجن ثمار الطماطم بعد، فهل سيحقق هؤلاء أرباحا أكثر من التى حققها هو فى الأسابيع الماضية.. فى فترة رواج الطماطم؟ يجيب علاء هاشم سريعا: «من يضمن ذلك!؟ فقد يتزامن ذلك مع نضج محصول فى منطقة أخرى مثل العامرية، ما سيقلل من فرص هؤلاء.. لا شيء مضمون». يصمت قليلا ثم يردد مثلا شهيرا يعرفه أغلب المزارعين،: «حـُسن السوق، ولا حــُسن البضاعة».

يخرج المعلم علاء من جيبه فواتير يعود تاريخها إلى أول الشهر الماضى، وتكشف فاتورتان لعمليتى بيع فى اليوم نفسه، أنه باع لتاجر فى سوق الجملة فى مدينة 6 أكتوبر 40 قفص طماطم بسعر 10 جنيهات للقفص الواحد. وفى اليوم نفسه أيضا باع بقية الكمية لتاجر آخر بسعر 17 جنيها للقفص الواحد، هذا عدا نسبة العمولة التى تصل إلى 10% من المبلغ، فى حين كان متوسط التسعيرة المعلنة على موقع سوق العبور على الانترنت هو 25 جنيها، «الأسعار تتبدل فى نفس اليوم، وتختلف من تاجر لآخر.. نصيب»، هكذا يختم المزارع الصعيدى.

قد تختلف الأسعار بين الأسواق الكبرى مثل السادس من أكتوبر وسوق العبور، كذلك قد يتباين سعر نقل المحصول حسب طول المسافة، أما الأهم فهو ما يتكلفه المزارع من مصاريف أثناء عملية الزراعة، «يتكلف الفدان أثناء الزراعة على الأقل 10 آلاف جنيه فى الموسم». حسبما أكد عدد من المزارعين، لكن تتلخص رحلة الطماطم فى حظ المزارع أثناء عملية البيع، وذكاء تاجر الجملة كوسيط، ونشاط تاجر التجزئة فى البحث عن السعر الأفضل، أما الزبون العادى فليس أمامه سوى الشراء دون مقاومة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك