الموسيقار صلاح الشرنوبى أحد العلامات المهمة التى ظهرت فى ربع القرن الأخير فى الموسيقى والغناء. تعاون مع أسماء كثيرة لها تاريخ طويل فى عالم الغناء المصرى والعربى فى مقدمتها نجاة ووردة ووديع الصافى وميادة الحناوى ووعلى الحجار وهانى شاكر وجورج وسوف وراغب علامة وسميرة سعيد وذكرى ولطيفة وأصالة وفضل شاكر هذه الأسماء بحكم تارخها تعكس أهمية ما قدمه.
لم يدرس الموسيقى فى معاهد متخصصة لكنه درسها فى مدرسة الحياة التى علمته النوتة والعزف على الكمان والعود. نشأته السكندرية جعلته يملك نغمة خاصة تجمع بين رقى الجملة الموسيقية وشعبتها التى تمثل القاعدة العريضة. ابتعد فترة عن الأضواء منذ عام 2006 تحديدا عندما قدم مسلسل آن الأوان بطولة وردة إلى أن عاد إلى بؤرة الضوء وأصبح حديث الإعلام المسموع والمرئى والمقروء فى 26 مارس الماضى عندما أعلن خبر اختطافه. فى هذا الحوار نتحدث معه عن أسباب الغياب وعن أحوال الغناء فى عالمنا العربى وفى وطننا مصر إلى أين وصلنا وكيف كنا وإلى أين سنصل؟
بدأت بسؤال حول ما تردد عن تحويل حادث الاختطاف إلى عمل درامى أو برنامج يروى فيه حكاية 48 ساعة كانت فارقة فى عمر صلاح الشرنوبى؟
قال: بالفعل أقوم حاليا بكتابة ما حدث لى خلال عملية الاختطاف، فهناك تفاصيل كثيرة جديده لم يتم تناولها فى الإعلام. فكلما جلست مع نفسى أتذكر تفاصيل ربما تكون صغيرة لكنها بالنسبة لى تحمل معنى.
● ما هى تلك المواقف أو أبرزها؟
ـ هناك مواقف إنسانية مثل تفكيرى فى أولادى هل أعود لهم أم أنها النهاية. لحظات الإثارة وما بها.. أمل شديد فى الخروج ثم فقدان له. وإذا لا قدر الله قد أصابنى مكروه كيف يعيش أولادى. ولو صمم المختطفون على المبلغ الخاص بالفدية وهو 2 مليون جنيه. هل أبيع الاستوديو. وعندما اقترحوا علىّ توقيع شيكات أو وصل أمانة هل أوقع توقيعى الحقيقى أم أوقع آخر مزورا. اللحظة التى خلع فيها أحد الخاطفين الدبلة من يدى وتبريره بأنه يريدها كهدية أو تذكار منى.
● وما هو أشد المواقف إثارة؟
ـ لحظة انتقالنا من الأتوبيس كنا على مشارف الفجر وهنا لاحظ صديقى عمرو زهرة ضوء من بعيد وأشخاص يتحركون عن بعد «المصلين» وهنا صرخ بأعلى صوت فتم إطلاق ثلاث رصاصات فى الهواء. أيضا هناك مواقف بينى وبين عمرو زهرة فهو كان يتعامل معهم بحدة فى حين أنا كنت مطيع بالنسبة لهم. فعندما سألوه عن أقاربه رفض أن يعطيهم اسم أحد فى حين أنا كنت ألبى مطالبهم.
● وماذا عن أصعب موقف؟
ـ الإحساس الذى كان يتأرحج بين الأمل وفقدان الأمل. ولحظة دخول رجال الشرطة. هذا المشهد أيضا عندما سمعنا أصوات وكنا مكبلين بالجنازير دار بداخلى سؤال هل يقوم المختطفون بتهريبنا من سلم آخر.. أسئلة كثيرة ملخبطة دارت بداخلى وقتها إلى ان وجدت نفسى فى أحضان رجال الشرطة. وهو الميلاد الجديد لى.
● هل ستكون الأحداث عملا دراميا أم برنامجا؟
ـ إلى الآن لم أستقر ربما دراما وربما برنامج حوارى مع تصوير مشاهد تعبر عن الموقف.
● البعض يرى أن تحويل العمل إلى دراما أو برنامج هو استغلال تجارى لما حدث لك؟
ـ بالعكس والله هذا المعنى ما جاء بخاطرى مطلقا كل ما فى الأمر هو تقديم الشكر لرجال الشرطة وكشف ما أظهروه من عمل بطولى لى ولغيرى.
● بعد هذا الحادث كيف تنظر إلى مستقبلك الفنى؟
ـ القادم يجب أن يكون مختلفا نحن عشنا حالة من الانفلات الغنائى ظهر بوضوح فى الأغانى التى نسمعها فى التوك توك والميكروباصات. وكما شاهدنا بلطجة فى الشارع المصرى هناك أيضا بلطجة فى الغناء كل هذا لابد من الوقوف أمامه والتصدى له.
● فى رأيك متى تبدأ مرحلة التصدى؟
ـ بعد انتخاب الرئيس كل كبار الملحنين والمطربين أتصور سيكون لهم دور كبير لأن مصر دوله كبيرة ورائدة. وشخصيا أستعد لذلك بمجموعة أعمال منها تقديم الصوت صاحب الموهبة الكبيرة مروة ناجى. وهناك مطربة سورية اسمها نانسى زعبلاوى. وهناك ياسمين على. ولدى مشروع كتبه الشاعر الكبير جمال بخيت وهو مسحراتى العرب. هناك خطة غنائية كنت بدأتها منذ أن دعا وزير الإعلام السابق أسامة هيكل لها بتقديم غناء راقٍ.
● ابتعادك عن التلحين طوال السنوات الخمس الأخيرة ما أسبابه؟
ـ أسبابه كل ما قلته لك كنا نعيش عصرا فاسدا غنائيا. وكنت أنا وشقيقى فاروق أبرز من ظلموا مما كان يحدث. بعد الثورة بدأنا نتنفس.
● ابتعادك عن وردة كان لغزا.. خاصة أنكما حققتما معا نجاحا كبيرا؟
ـ السيدة وردة بالفعل عملت معها مشوارا كبيرا أنا فخور به. وبعد مجموعة الأغانى الجيدة التى قدمتها معا فى مسلسل آن الأوان لم نتعاون. وأنا شخصيا كنت أقول لنفسى ما الذى يمكن أن نقدمه معا بعد كل ما حققناه من نجاح. لذلك جلست أتامل لأن الزمن تغير وتأثيره على وما حدث من شوشرة غنائية قد يكون من ضمن الأسباب أيضا. فالأغنية العربية تحولت إلى الشكل الغربى وإلى أن يأتى فتح شرقى جديد يعيد أصالة وأنغام وسميرة سعيد إلى عبقريتهن التى كن عليها.
● كانت هناك ملاحظات لك على ألبوم وردة الأخير؟
ـ لم يعجبنى. لم أجد به الأغنية التى تعلق مع الناس. وربما تكون به ألحان جميلة لكنها لا تناسب وردة. لذلك التجربة مر عليها سنة ولم نلاحظ وجودا له بين الناس، لم تنجح.
● هل هذا معناه أنها غنت أعمالا لا تصلح لها؟
ـ أعتقد هذا. الأغانى غير مناسبة لتاريخها. حتى أغنيتها مع عبادى الجوهر. «مش بتاعتنا» واعتبرها صفقة تجارية أو مجاملة. مال الناس بأغنية هى تقول له يا عبادى وهو يقول لها يا وردة.
● هل لهذه الأسباب طالبتها بالاعتزال؟
ـ ناديت بهذا منذ فترة. إما أن تحافظ وردة على تاريخها أو تعتزل. فهى مطربة كبيرة أنا شخصيا استفدت كثيرا من العمل معها وهى قيمة فنية يجب أن نحافظ عليها. والبعض وجه اللوم لى لأننى طالبتها بالاعتزال. رغم أننى قلت هذا حبا فيها. وأتصور أن هناك نجمات كبيرات فعلوا هذا حفاظا على تاريخهم منهم المطربة الكبيرة نجاة وشادية وليلى مراد. ابتعدوا فى الوقت المناسب. حتى فيروز هذه المطربة الكبيرة تعرف متى وأين تظهر.
● غياب جيلك عن الساحة طوال السنوات الأخيرة كانت محاوله لاغتيالكم مبكرا؟
ـ ربما يكون هذا حدث. لكن الفنان منا أيضا له دور وكان يجب أن نجتهد أكثر. وهناك أناس لم تستطع بحكم شخصيتها أن تتفاعل مثل شقيقى فاروق وأنا لم نستطع التواصل مع ما يحدث. وهناك أيضا الموسيقار سامى الحفناوى هذا الفنان المعجون بالشرقية. كلنا جلسنا نتأمل. وقررنا الحفاظ على ما قدمناه لكننا سنعود كما قلت فى البداية.
● فى رأيك من هم الملحنون الذين تراهم امتدادا لجيلك؟
ـ وليد سعد فهو غزير الإنتاج لكن السمة الإبداعية عنده غير واضحة. وهناك خالد عز وشريف تاج الذى قدم سيدى وصالك فهما جيدان لكن إنتاجهما ليس غزيرا. محمد رحيم محتار بين الموجه والمخزون الشرقى بداخله. عمرو مصطفى عامل شخصيه لكنها غير شرقية.
● من المطربين؟
ـ أبدأ بأحمد سعد عنده قدرة على مواصلة مشواره لذلك سيبقى. أما تامر حسنى فهو لم يستغل نجوميته وانتشاره فى عمل راق. لذلك لن يستمر. ربما استغل خفة دمه فى السينما. شيرين بدأت مؤخرا تعمل نقلة شرقية فى ألبومها الأخير. لكنها يجب أن تكافح أكثر حتى تكون هناك غزارة. وهنا لابد أن أشيد بالراحلة ذكرى التى عاشت عمرا قصيرا ورغم ذلك تركت خلفها رصيدا هائلا من الأعمال الجيدة. وأرى أنها يجب أن تكون قدوة لهم. أما عمرو دياب فهو مميز فى اختياره للشكل الذى يظهر عليه. أما الأبقى فهما على الحجار وإيمان البحر درويش. حيث التنوع فيما يقدمانه ولا ينظران لجيل معين هما يصنعان الفن الذى يدوم ويعيش. ومعهم من الجدد لؤى.
● انهيار دولة الغناء المصرية كيف تراه؟
ـ انهيار مصر غنائيا هو نفسه استكمال لحالة الانهيار الصحى والزراعى. وهذا مخط. النظام السابق كان يرى فى شغل الناس بلقمة العيش وتعذيبهم فى الحصول عليها أمرا مفيدا له. حتى يستطيع السيطرة علينا. «هد حيلنا» لكى يسيطر. بدليل بمجرد ما فتحت بلاعة البلطجة لم نستطع السيطرة عليها.
● هل استفادت دول من تراجعنا؟
ـ هناك دول مثل الخليج ظلت على عهدها معنا. وهناك دول حاولت فرض موسيقاها مثل لبنان وتونس.
● نجوم برامج المسابقات الغنائية كيف تراهم؟
ـ كارمن مثلا آخر صوت ظهر فنيا هى ليست أفضل من كانوا فى البرنامج. فالمغربية أفضل فنيا منها. وهذا يؤكد أن هذه البرامج فاشلة عدا استوديو الفن أول من قدم هذا الشكل. هناك عشرات البرامج ظهرت منها ارب ايدول وستار ميكر ماذا قدمت محمد عطية مثلا أصبح يقدم برامج فكاهية.
● ماذا عن الأصوات الشابة الجادة مثل مى فاروق ومروة ناجى؟
ـ نجوم الأوبرا ضحية نظام فاسد. تم تهميش هذه الأصوات لكى تتواصل سلسلة قتل الموهوبين فى كل المجالات. آمال ماهر هذا الصوت العبقرى لكى تواصل مسيرتها قدمت أعمالا مثل التى تقدمها أنغام وشيرين لا شخصية. لذلك أملنا فيما هو قادم.
● دور الإعلام فى تراجع الأغنية؟
ـ دوره متراجع لا غناء بالإذاعة. والمطلوب منهم هو مزيد من العمل واكتشاف شخص يحمل مواصفات وجدى الحكيم. يخطط لنا. وأتمنى أن يأتى اليوم الذى تكون فيه هناك قناة غنائية لكل إقليم مصرى حتى نحافظ على تراثنا. لأنه لو ضاع التراث نقول سلاما على مصر لا نريد أن يحدث للغناء كما حدث للمجمع العلمى.
● وماذا عن المهرجانات؟
كان عندنا ليالى التليفزيون. لكن مهرجانات بمعناها الحقيقى لا. الشركات حولت الغناء إلى رينج تون ولم تهتم بمد يد العون للدوله لعمل مهرجانات تليق باسم مصر. كما يجب أن يكون هناك تكامل بين وزارات السياحة والثقافة والإعلام لأن المهرجانات ليس غناء فقط لكنه سياحة تفيد البلد.