أصدر الكاتب والصحافي، رياض نجيب الريس، الكتاب الخامس من سلسلة (الرياح) وهي التسمية التي أعطاها لكتبه التي تتناول شؤون الخليج.
وفي هذا الكتاب أعاد رياض نجيب الريس، نشر مقابلة كان قد أجراها منذ نحو ثلاثين عامًا مع شخصية بريطانية مهمة، تحدثت بما بدا شبه إرهاص عن تغير في الرأي العام الغربي وعن استعداد للعودة إلى عصر الاحتلالات، من أجل تأمين حاجة الغرب من الطاقة.
اسم كتاب الريس الجديد هو "رياح الخليج.. بدايات مجلس التعاون والصراع العربي - الايراني 1980-1990". والكتاب الذي صدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر جاء في 428 صفحة متوسطة القطع.
استهل رياض الريس كتابه بكلمة للورد دزرائيلي الذي كان رئيسا لوزراء بريطانيا في القرن التاسع عشر قال فيها: "إن ممارسة السياسة في الشرق يمكن تحديدها بكلمة واحدة هي "الرياء".
وفي "ما قبل المقدمة" عنوان هو "بدايات الصرع المستمر". قال الكاتب: "هذا هو كتاب (الرياح) الخامس في سلسلة كتب "رباعية الخليج" وهي "رياح السموم" و"رياح الشمال" و"رياح الشرق" و"رياح الجنوب".
أضاف أن "هذا الكتاب يضع حكاية مجلس التعاون الخليجي بأبطاله وسياسييه عربًا وأجانب في إطاره التاريخي منذ سقوط الراج البريطاني وانسحاب بريطانيا من شرق السويس ومن الخليج العربي وماذا جرى في كواليس مؤتمراته وأحاديث زعمائه والأدوار التي لعبها كل منهم، والتغير الهائل الذي حصل في مواقف كل منهم عبر هذه السنوات".
ويرمز "الراج البريطاني" إلى المرحلة التاريخية التي استعمرت فيها بريطانيا مناطق الهند وباكستان وبنجلادش وميانمار منذ بداية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.
وقال الريس "والكتاب يعتمد بالدرجة الأولى على ما سجلته من ملاحظات في أوراقي وكتبته من مقالات وتعليقات عندما كنت مراسلا ومراقبا دؤوبا لشؤون الخليج وشجونه دولا وأفرادًا لمدة تزيد على عقدين من الزمن زرت فيها كل بقعة على امتداد دول الخليج دسكرة دسكرة".
وتابع "وهذا الكتاب لابد من ان يلقي اضواء جديدة على المنطقة الخليجية ليعود منها الى ما يحدث اليوم في الجزيرة العربية فيجد في المقارنة بين الامس واليوم الكثير من الشبه بحيث تكون العلاقات قد تغيرت حتى من دون ان يتغير الاشخاص".
وأضاف "يسلط هذا الكتاب الضوء على ما حدث في الخليج وما حدث في العالم عشية وإبان وغداة تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية وصراع الدول الاقليمية وتنازع الزعامات الخليجية قبل حرب (عاصفة الصحراء) وما انطلق معها من تعبيرات شاعت ودلت على الوجهة التي سوف يسلكها العالم بقيادة الولايات المتحدة كحقيقة واقعة فرضتها امريكا باحتلالها العراق في العام 2003".
ومضى يقول: "إن موت الفكرة القومية وسقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى وما سبق أو تلا من قيام الاتحاد الأوروبي وإنشاء منظمة العملة الموحدة (اليورو) وانتقال دول عربية من موالاة الماركسية إلى اعتماد النظام الاقتصادي الحر.. كل هذا وغيره من أحداث جسام شهدها العالم عكس نفسه ظلالا رمادية على الوطن العربي الذي استيقظ غداة قيام مجلس التعاون الخليجي على واقع جديد ينذر بأوخم العواقب ليس أقلها تفكك ما تبقى من عرى الوحدة المعنوية للعرب وسقوط فكرة وحدة المصير".
وقال: "إن بعض فصول الكتاب نشرت في صحف ومجلات مختلفة وشكلت مادة للنقاش ولقيت ردودًا متضاربة في المواقف منها "وأهميتها تنبع اليوم من كونها بانوراما حية لما جرى في كواليس الدوائر الخليجية، استباقا لوقوع الحدث ومواكبة لمساره ومحاولة للتوقف عند نتائجه".
وفي فصل أخير حمل عنوان "بداية ونهاية: عاد الاستعمار" أورد الكاتب فصلا كتب قبل ثلاثين سنة ونيف بعنوان "عودة الاستعمار" قبل غزو العراق للكويت ووصول القوات الأمريكية والأجنبية إلى الجزيرة العربية في أغسطس 1990 وبدء حرب عاصفة الصحراء وقبل الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 .
والفصل عبارة عن محاورة دارت بين الكاتب الصحافي الريس وبين دبلوماسي بريطاني رفيع المستوى وحاكم سابق رفض الكاتب ذكر اسمه حفاظا على وعد له ولمح اليه بالقول إنه "السير.. أحد أشهر شخصيات الخليج. لقد كان حاكما عاما لعدة بلدان إبان الاستعمار البريطاني ومعتمدا في الخليج ثم مقيما ثم سفيرا بعد الاستقلال".
وخلال المحاورة قال "العجوز البريطاني".. "هل تلاحظ أن الرأي العام الغربي قد بدأ تحولا أساسيًا وجذريا نحو اليمين... كل هذه مؤشرات حقيقية إلى أن الرأي العام في الغرب قد بدأ يتجه اتجاها لا يقبل الشك نحو اليمين. وهذا أمر خطير على العرب أن يعوه".
أضاف أن هناك مشكلة "لم يستوعبها العرب حتى الآن. هناك من يظن أن الاتجاهات اليمينية في الدول الغربية ما هي إلا تعبير عن رد فعل الرأي العام تجاه غلاء المعيشة أو ارتفاع الضرائب أو الخدمات... لا.. إنها نهاية لعقدة الذنب لدى البورجوازية الغربية تجاه تطبيق النظام الاشتراكي للأحلام الطوباوية وشعور جديد بالثقة لدى الرأسمالية.
"إن نجاح اليمين هذا يعني أيضا اتجاها متصلبا نحو القضايا الخارجية بعيدا عن القيم التقدمية. إنها عودة إلى تفكير القرن التاسع عشر الاقتصادي في التطبيق الرأسمالي في الداخل والبحث عن أسواق في الخارج والسيطرة عليها واحتكارها، إن هذا التفكير ذاته هو الذي قاد في القرن التاسع عشر إلى الاستعمار ودبلوماسية البوارج والمدافع وسياسة الأمر الواقع.
"أليس من الممكن خلق قضية فيها كل مواصفات الإقناع ولباقة المنطق وتبريرات السياسة تدعو إلى إعادة استعمار هذه المنطقة التي هي بمثابة حبل الوريد لكل مصالح العالم الغربي. بل دعني اضيف اكثر فأقول أليس هنالك التزام بضرورة عودة الاستعمار كوسيلة وحيدة لتحقيق استقرار العالم؟"
وأضاف يقول في الحديث الذي جرى في يوليو 1979 "لقد أصبح شيئا خطيرا أن هناك في الغرب من يدعو جديا إلى إعادة استعمار بلدان منابع النفط وتحديدا بلدان الخليج العربي... لكن من الممكن القول إن احتمالات عودة الاستعمار قد أصبحت مفتوحة وأن هذه الاحتمالات لن تلقى معارضة أخلاقية أو مبدئية كما كان يمكن أن تلقى قبل ثلاث أو أربع سنوات.
"إن أهمية تحدي النفط أنه بلور خيبة الأمل المتراكمة في الشؤون الخارجية، وأدخلها إلى كل بيت فأصبحت مساوية لدى الفرد العادي الأوروبي والأمريكي لمشاكله الضرائبية والحياتية والاجتماعية... بل تعزز لديه الشعور كمستهلك غربي بأنه هو المستغل (بفتح الغين) أما المستغل (بكسر العين) فهو المنتج العربي".
وقال: "إن المناخ الفكري والأخلاقي في أوروبا وأمريكا اليوم لم يعد رافضًا لفكرة كهذه كما كان قبل عدة سنوات" في إشارة إلى فكرة الاحتلال.