فى تحقيق أقرب لدراسة عميقة نشرتها مجلة الدراسات الفلسطينية فى عددها الأخير عن الأماكن والأجساد فى فنون الثورات العربية، تذهب الكاتبة والفنانة اللبنانية تانيا الخورى إلى أن "نمطا متجذرا من فنون جديدة يظهر".
ويتناول التحقيق الذى نشرته هذه المجلة المحكمة التى تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية فى بيروت، تأثير فنون متنوعة فى الثورات العربية وتأثرها بها كما يتتبع ظهور تعبيرات فنية خاصة فى الأماكن وعبر الأجساد.
وتشمل هذه الفنون الصور والجرافيتى والفيديو والأغانى والرسومات والملصقات، فيما سيطر موضوع الثورات على المنشورات والفنون البصرية والجرافيتى والفن الغنائى الشعبى وأنتج بعض هذه الأعمال اشخاص يحسنون ركوب الموجة غير أن بعضها كان هو الحدث السياسى بحد ذاته.
وتستشهد تانيا الخورى بمقولة للفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر جاء فيها :"إن السياسة تحدث حيث يوجد الجسد" ، مضيفة أن التاريخ يصنع الآن فى ميادين المدن العربية ، كما أن حاضرنا ومستقبلنا يصنعان هما أيضا الآن فى الشوارع العربية ويتخطيان الحدود العربية لصنع زمن عالمى جديد.
وأعادت تانيا الخورى للأذهان أنه منذ انطلاق أول ثورة عربية احتلت مجموعات من الشعب الأماكن العامة وحولتها إلى أماكن تجمع وتظاهر وعمل سياسى هدفه التغيير فيما حولت الصور العفوية بما تحمل من الشغف وارادة التغيير جماليات الثورة إلى نسق أو موضة بحيث أن الفنانين حول العالم تأثروا بهذه المشاهد واستعملوا أفكارا ومواد مماثلة فى أعمالهم.
وفى الميادين العربية وميادين مدن أخرى عبر العالم - كما تقول تانيا الخورى - اعتصم المطالبون بحقوقهم وأسقطت أنظمة ديكتاتورية وعدلت مراكز القوى ، وأعيد خلق وتخيل طرق جديدة للمقاومة الشعبية والمدنية وحق الاعتراض.
وصناعة التاريخ هذه تصحبها صناعات أخرى ثورية أيضا بطبيعتها ، فالأشياء الجميلة التى تصدر اليوم من الشارع العربى إلى العالم عبر الشبكة العنكبوتية هى الثورة على السلطة القمعية وهى إرادة التغيير وتحويل الأماكن العامة إلى أماكن احتجاج وعمل سياسى ويقظة شبابية مصحوبة بأمل كبير.
ومضت الكاتبة والفنانة اللبنانية تانيا الخورى فى تحقيقها الأقرب لدراسة متعمقة لتقول: وفى حالة الثورات والانتفاضات الشعبية تذوب بعض العناوين والصفات ببعضها الآخر فيلتحم لقب الفنان بلقب الناشط والثورى والراديكالى ، وفى أجواء حماسية من الأمل بالتغيير يستخدم الأفراد كل مايملكون من مواد وطاقات وطرق تعبيرية للمقاومة والمشاركة فى الأحداث السياسية.
وأشارت إلى أنه فى الحالات الملحة من العمل الثورى قدم كل من الموجودين فى الميادين كفاءاتهم المتنوعة ؛ الأطباء عاينوا الجرحى والمغنون قادوا الغناء ومن يملك مواهب بصرية صور وصمم ورش رسومات على الجدران.
وترى تانيا الخورى إن الذين استعملوا سبلا فنية فى النشاط السياسى كان لهم الصوت الأعلى والحضور الأبرز فى الشبكة العنكبوتية وفى الإعلام ، وأن الفن ساهم فى نقل أحداث الشارع ، وحث الناس على الخروج والمشاركة فى الفعل الثورى ، كما أن الثورات ساهمت فى إنهاء الجمود الذى كان يعوق حركة الفنون فى المنطقة العربية.
وتوضح تانيا الخورى: نحن هنا لسنا بصدد الحكم على نوعية العمل الفنى وماهيته " ، وذلك فاننا سنعتبر كل عمل اعتمد وسيلة فنية للتعبير فنا مدركين أن المشاهد التى كان يجرى تناقلها يوميا ووثقت أحداثا بالغة الأهمية التقطها فنانون وغير فنانين بعدسات محترفة أو عدسات هاوية مثل كاميرات الهواتف النقالة وشكلت تلك الصور مايشبه أرشيفا بديلا للثورة".
من هنا قال الفنان والأكاديمى اللبنانى طونى شكر فى ندوة بفيينا حول "الجسد المعتصم": إنه لابد وأن يتغير مفهومنا للصورة حين نشاهد يوميا فيديوهات صورها مواطنون على هواتفهم النقالة وحين ندرك أن منهم من لقى حتفه وهو يصور لنا مايحدث فى شارعه.
وإذا كان هناك كثير من المجهولين من الفنانين الذين شكلوا نبض الثورة فهناك أيضا كما تقول تانيا الخورى من استعملوا فنهم للنقد السياسى علنا مثل فنان الكاريكاتير السورى على فرزات الذى شكلت رسوماته رصدا لحركة الشارع ودفع ثمن فنه المنحاز للشعب ضربا وتكسيرا.
وتوقفت تانيا الخورى عند فن الجرافيتى على وجه الخصوص ، منوهة بأنه فن ثورى بطبيعته وأن أغلب فنانيه من المجهولين ويوقعون رسوماتهم بأسماء فنية وتنبع أهميته من أنه يخاطب الشارع من خلال الشارع برمزية عالية حتى يتخيل المارة أن جدران المدن تحدثهم عما تشهده شوارعها.
ونوهت إلى أن التكنولوجيا الحديثة والشبكة العنكبوتية جعلتا عملية التصوير وتناقل الصور ثم توثيق الحدث عملية أكثر ديمقراطية ، فالمواطن العادى حاز أدوات نقل الحدث والتقاطه لحظة حدوثه ، كما أن الإنترنت وهب المشاهد حق الاختيار بين مايحرك مشاعره ومايعجبه ومايصدقه.