حامد عمار:القضاء على الدروس الخصوصية مسئولية جماعية للحكومة والمجتمع المدنى والقوات المسلحة - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أبريل 2025 12:08 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

يجب وضع قوانين وإجراءات لبناء قواعد مهنية وتحسين جسم التعليم وليس إرضاء الزبون على طريقة مبارك

حامد عمار:القضاء على الدروس الخصوصية مسئولية جماعية للحكومة والمجتمع المدنى والقوات المسلحة

المفكر الكبير حامد عمار تصوير  جورج محسن
المفكر الكبير حامد عمار تصوير جورج محسن
عبير صلاح الدين
نشر في: الأربعاء 9 مايو 2012 - 12:20 م | آخر تحديث: الأربعاء 9 مايو 2012 - 12:39 م

ذهبنا إليه فى فيللته الصغيرة بمدينة نصر، كان الموضوع الرئيسى لحوارنا هو المشروع الجديد للثانوية العامة، وباعتباره صاحب لقب شيخ التربويين العرب، كان لا بد أن نعرف رأيه، ونستفهم منه عن جدوى المشروع من عدمه، كان الرجل الذى ناهز التسعين من عمره مشغولا برى حديقة المنزل، ولما فوجئ بنا أمامه ابتسم وقال: «أصل التعليم برضه زراعة».

 

برفقة زوجته ليلى ووسط صور والده ووالدته وأبنائه الثلاثة وأحفاده، وبين مكتبة تزخر بشهادات التكريم والجوائز والدروع الوطنية والدولية، امتد حوارنا مع شيخ التربويين العرب حامد عمار لـ4 ساعات، لفت انتباهنا خلالها إلى مقال يحتفظ به فى برواز أنيق منذ عام 1965، كتبه عنه بمجلة المصور الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين ويحمل عنوان «الفهلوى».

 

قال: «ذهبت إلى الوزير جمال العربى فور توليه منصبه لتهنئته فلم أجده، وتركت له كارت التهنئة بديوان الوزارة، ومرت الأيام دون أن أتلقى ردا أو دعوة لمناقشة أى شأن تعليمى»، وبادر شيخ التربويين بالتوجه مرة ثانية إلى ديوان الوزارة دون دعوة مسبقة، ولكن هذه المرة كانت الزيارة لها مبررات أخرى بخلاف التهنئة، فقد تزامنت الزيارة مع مناقشات ساخنة داخل البرلمان تتبلور حول مشروع جديد يهدف إلى تحويل الثانوية العامة إلى عام واحد، فذهب ليسأل عن تفاصيل القانون الذى ظهر فجأة على السطح، ويستفسر عن أسباب الاصرار على تطبيقه من العام القادم على طلاب الصف الثانى الثانوى، بدلا من الأول الثانوى كما هى العادة عند تطبيق أى نظام جديد.

 

وللمرة الثانية، لم يجد عمار الوزير، فقابل خلالها المسئول عن ملف الثانوية العامة مساعد الوزير الدكتور رضا مسعد، ولكن لم يجد لديه إجابات شافية عن أسئلته، وبعد أيام تلقى شيخ التربويين دعوة من الوزير للحضور، فاستجاب بالفعل ليجد نفسه وسط 7 من الضيوف الآخرين كلهم من علماء التربية وموضوع اللقاء كان مناقشة قانون الثانوية العامة.

 

يقول عمار: «كنت قد تابعت من المناقشات أن الوزير ضد تطبيق القانون على طلاب الصف الثانى الثانوى من العام المقبل، لكنه فى النهاية وافق بعد ضغوط من لجنة التعليم بمجلس الشعب، وبصراحة اعتبرت هذا نوعا من الاستسلام، وخشيت أن يحدث القانون ارتباكا بالتربية والتعليم، بالاضافة إلى اننى كنت متعجبا من استسلام الوزير فى الوقت الذى اعترض فيه نواب بالبرلمان على الطريقة التى جرى بها التصويت على القانون دون استناد واضح لمميزات السنة الواحدة عن نظام العامين المعمول به حاليا، كما أن القانون لا يعتبر نافذا إلا إذا صدق عليه المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وهذه معركة أخرى».

 

يصمت قليلا ثم يتابع: «قلت كل ذلك للوزير، وقلت له أيضا إن تطبيق القانون بهذه الطريقة سيؤدى لاضطراب وعدم وضوح فى الرؤية، وقلت إننى مستعد مع الزملاء الحاضرين أن ننظم مظاهرة احتجاجية فى مجلس الشعب لنوقف تمرير القانون، فاعتبر الأمر كما لو كان مستحيلا».

 

● قاطعته.. بم تفسر هذا الموقف؟

ـ النضال التعليمى عملية مستمرة لم تدخل فى عقول المسئولين عن التعليم فى مصر، فالكثيرون منهم ينظرون للعملية التعليمية كأنها معالجة مهنية هنا وهناك، رغم أنها عملية سياسية، وليست أمرا محايدا، وخلال الفترة السابقة ــ غير المباركة ــ كان التعليم مرتبطا بمن فوق الوزير، وكثيرا ما كنت أعذر وزراء التعليم على مواقفهم.

 

ويتابع: «لكن المفروض الآن أننا نعيش ثورة ديمقراطية، وطلبت من الوزير أن تحتوى صياغة القانون على مبادئ العدالة الاجتماعية، وألا نقبل أن يحصل الطالب الذى يرسب فى مادة أو مادتين ويدخل الدور الثانى على 50% فقط من الدرجة النهائية للمادة، بل يجب أن يحصل على درجته كاملة، لأن قصرها على 50% معناه أن وظيفة الوزارة هى غربلة من يدخلون للجامعة، فى حين أن المفروض أن تكون وظيفة الوزارة هى التعليم ومساعدة المتعلم بكل ما يمكن من ظروف العدالة لتحسين أحواله».

 

● لكن المؤيدين للقانون يرون أنه سيخفف عبء العامين عن كاهل الطلاب وأولياء الأمور إلى عام واحد؟

ـ أولا، إذا كانوا يقصدون عبء الدروس الخصوصية فهذا وهم، لأن الدروس الخصوصية سيأخذها الطلاب فى كل المراحل وفى كل السنوات، ثانيا المفروض أن توضع قوانين وإجراءات التعليم لبناء قواعد مهنية لتحسين قاعدة وجسم التعليم، وليس لارضاء الزبون على طريقة النظام السابق، الذى لم يقدس الامتحانات، فأصبح الخريج غير قادر على مواجهة صعوبات الحياة، لأنه من بين مزايا التعليم أن يتمكن الطالب من مواجهة أسئلة الامتحان بفهم المنهج، وليس أن يخاف منها، لأن الحياة كلها امتحانات، وعليه أن يستعد لها بالارادة والكفاح، لا أن يقول إن الاسئلة من خارج المقرر ولم نرها من قبل والامتحان صعب.

 

يضيف عمار: «الأمر الثالث هو أنه من المفترض أن يناقش الوزير القانون بمشاركة النقابة وأساتذة التربية والمعلمين وأولياء الامور، وقلت ذلك للوزير لكنه لم يرد على، وعلمت أن النقاش حول القانون تم بطريقة سرية».

 

● وماذا عن الدروس الخصوصة التى انتقلت من المدارس للجامعات؟

ـ الدروس الخصوصية لن تنتهى إلا إذا اتفقت كل وزارات ومؤسسات الدولة ومجلس الشعب ومجلس الشورى والقضاء والمجتمع المدنى والقوات المسلحة، على أنها جريمة واعتداء على حق الطالب فى التعليم، لأن أصحاب الدروس لهم وسائلهم التى يتغلبون بها على مجرد رأى وزير التربية والتعليم، لكن عليه مهمة تعبئة كل القوى المجتمعية لايقاف هذه الجريمة.

 

 

التعليم الحالى يفرز مواطنًا يهتم بذاته ولا يشعر بالجماعة


 

الجامعات المصرية فى أزمة

 

 

 

فى عام 2008 توقع حامد عمار فى كتابه «أعاصير الشرق الأوسط وتداعياتها السياسية والتربوية» أن يؤدى انهيار التعليم فى مصر، فى غضون فترة تتراوح بين 5 ــ 7 أعوام، إلى ما سماه «تفكك مدمر وإضعاف للتلاحم بين شرائح المجتمع».

 

يرى أن المشهد السياسى فى مصر ــ الآن ــ هو أحد تجليات هذا الاعصار الذى توقعه، نتيجة حال التعليم الذى لايزال يركز على المعلم وليس على المجتمع ولا يسعى لترسيخ المواطنة، ويدلل على ذلك بما حدث لبعض الكنائس بعد الثورة، وبأحداث ماسبيرو، لأن كلا من المسلمين والأقباط يعيشون عالمين مختلفين.

 

يقول: «المشهد السياسى فى مصر الآن فى حالة سيولة مخيفة، فلم يحدث توافق منذ بداية الثورة وحتى الآن على شىء، والكل يتبع بيت الشعر الذى يصف حرب القبائل العربية ضد بعضها (وأحيانا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا).

 

يؤكد عمار أن نظام التعليم المعتمد على الامتحانات والقائم على الدروس الخصوصية، «سوف يفرز فردا لا يهتم سوى بذاته، وليس المجموعة المتعاونة، وبالتالى لا يمكن صنع أى وحدة من أى نوع».

 

يضيف: «لن تحدث تلك الثورة المنتظرة فى التعليم أو فى غيره، إلا بعد توافق ديمقراطى، تستقر معه المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لتلتزم بأهداف الثورة دون تحكم من حزب أو فئة معينة»، فيما استشهد بأولويات كتبها المفكر فهمى هويدى فى صحيفة الشروق، بأن «الأهم هو استقلال المجتمع فى تقرير مصيره، بعدها البناء الديمقراطى، وأخيرا فلتكن الشريعة».

 

 

عندما يكون مدرس اللغة العربية شكرى عياد والمفتش على الجارم

 

 

 

 

اهتم شيخ التربويين العرب حامد عمار منذ بدايته العلمية بمفهوم العدالة، وحملت رسالته للماجستير عنوان «عدم تكافؤ الفرص التعليمية فى مصر»، يقول إن النظام السابق لم تكن لديه الرغبة لتحقيق العدالة بخلاف ما كان يدعيه، ولهذا زادت فى عهده نسب الأمية ومعدلات التسرب من التعليم، ليصبح فى النهاية «التعليم للقادرين فقط».

 

فى يوم قرر ناظر مدرسة سوهاج الثانوية (كانت المدرسة الثانوية الوحيدة فى جنوب الصعيد آنذاك) حبس الفصل كله، بسبب حيلة نفذها زميلهم منصور (ابن أحد كبار تجار الصعيد) الرافض لتعلم اللغة الفرنسية. قام منصور بكتابة الدرس الفرنسى على السبورة بحروف عربية، حتى يتمكن من قراءته إذا سأله المدرس، وبالفعل نجح فى ذلك، فاستغرب المدرس من تقدم منصور غير المتوقع. وفجأة سأله المدرس عن معنى كلمة فلم يعرفها، فشرحها المعلم بعد أن مسح ما فى السبورة، وعندما طلب من منصور إكمال الدرس لم يستطع، ولم يقدر أن يعيد ما كان قد ألقاه، فقام المدرس بالشكوى للناظر. وعندما حضر الناظر للفصل وتناقش مع الطلاب عرف الحيلة، وحكم على الفصل كله بالحبس لمدة أسبوع بعد انتهاء اليوم الدراسى، وأسبوع إضافى لمنصور، وأرسل ذلك فى تقارير لأولياء الأمور، فكان هذا من بين سلطاته، ولم يستطع الأب الثرى التأثير على قرار الناظر.

 

 

الرياضة واجب على الجميع

 

وفى حادثة ثانية، يتذكر الطالب عمار منظر مدرس اللغة العربية الذى أصبح فبما بعد ناقدا كبيرا (الدكتور شكرى عياد) عندما جاء لأول مرة للمدرسة مرتديا الزى الأزهرى، وفوجئ بأن على المدرسين جميعهم ممارسة الرياضة مع الطلاب، ورفض فى البداية المشاركة، ولكن مدير المدرسة الذى أصبح فيما بعد وزيرا للتعليم (على حافظ) أجبره على خلع زيه وممارسة الرياضة، وكان على كل مدرس أن يدرس أحد أنشطة الفنون أو المسرح أو التصوير أو غيرها للطلاب بجانب تخصصه.

 

 

لن نسمح بالغش

 

وفى واقعة ثالثة، يتذكر حامد أيضا واقعة حبس قضاها وحده بالفصل لمدة يومين لأنه ساعد أحد زملائه على أن يغش منه فى الامتحان.

 

 

طلاب محتجون

 

ويتوقف عمار عند أول وقفة احتجاجية شارك فيها مع زملائه بالمدرسة، عندما فوجئوا فى ذلك اليوم بأن الوجبة المدرسية تحتوى على بيضة واحدة فقط، بدلا من بيضتين كما هى العادة، فرفضوا أن يتناولوا إفطارهم، وخرجوا فى وقفة احتجاجية بفناء المدرسة، وما كان من المدير إلا أن تحدث مع مورد الأغذية المدرسية، واستطاع بعد مشاورات أن يعيد الوجبة كما كانت، وأعلن ذلك للطلاب، فهلل الطلاب بمظاهرة أخرى وهتفوا (عادت إلينا حقوقنا)، دون أن يحدث الاحتجاج أى مشكلة مع المدير.

 

 

اخرجوا من ضيق المنهج إلى سعة العلم

 

كما كان له حكاية مع الأديب على الجارم الذى كان يومها موجها للغة العربية أو بلغة زمان مفتشا على مدرسة الطالب حامد عمار، وعندما مر ذات يوم على فصلهم، وكانوا يدرسون مادة (متن اللغة) التى تبحث فى المعانى المشتركة للكلمات، وأخطأ أحد الطلاب وهو يقول (والبط يسبح لاعبا فوق المياه الجارية)، وكانت فى الكتاب (والبط يلعب سابحا وسط المياه الجارية)، فشجعه الجارم وقال له ليست خطأ، فالمعنى واحد والوزن أيضا لم يختلف، فى تشجيع واضح على الخروج من المقررات الضيقة، تلك كانت علاقة الطلاب والمدرسين والمفتشين.

 

 

العدالة فى التعليم.. من مجانية طه حسين إلى «الجامعات الخاصة» لمبارك

 

 

 

 

 

يلقى عمار نظرة عامة على المشهد التعليمى قبل عشرات السنوات، ففى عام 1951 قدم وزير المعارف وقتها طه حسين طلبا لمجلس الوزراء لإصدار قرار ينص على مجانية التعليم الثانوى أسوة بما قبله، وقال الوزير آنذاك إن هذا رأيه وأن على وزير المالية أن يدبر ميزانية المجانية، ومع القوانين الاشتراكية فى 1961 أصبح التعليم الجامعى مجانيا أيضا.

 

وبعد الحرب العالمية الثانية أى فى منتصف الأربعينيات كانت نسبة الأمية فى مصر أقل مما هى عليه فى ماليزيا وتايلاند وهونج كونج وسنغافورة، لكنها زادت الآن، فالحكومة، بحسب رأيه، لم يكن لديها إرادة حقيقية للقضاء على الأمية، لأن «الأمى ممكن تشغله بتراب الفلوس، ولو اتعلم هيطالب بحقوقه».

 

ويدلل عمار على ذلك بأن أحدا لم يهتم من أعضاء مجلس الشعب أو الوزراء أو المحافظين بالمرور على فصول محو الأمية ، لتشجيع الدارسين أو حل مشكلاتهم، أو إشعارهم أن التعليم قادر على تحسين أوضاعهم.

 

ويشير عمار إلى أن النظام الديكتاتورى السابق، كانت لديه رغبة فى تحقيق العدالة نظريا فقط، لأنها العدالة الحقيقية ستقف ضد مصالح الكبار، ولهذا سمح بإنشاء جامعات خاصة لفتح مجالات استثمار للأغنياء، ويعود عمار إلى عام 1998 حينما سمح لأول مرة بانشاء جامعات خاصة فى مصر.

 

يقول: «ماطل حسين كامل بهاء الدين وزيرا للتربية والتعليم والتعليم العالى وقتها، فى الموافقة على 4 طلبات تقدم بها رجال أعمال لإنشاء تلك الجامعات، ثم وصل الأمر بعد فترة لزكريا عزمى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق، وعلمت بعدها أن كلا منهم دفع 5 ملايين جنيه (لا ندرى لمن)، ليصدر بعدها قرار جمهورى بإنشاء 4 جامعات خاصة لا تهدف للربح، وفيما بعد تم الالتفاف على هذا الهدف، لتتحول هذه المؤسسات إلى مشروعات ربحية، وتصل مصروفات الطالب الواحد إلى ما بين 20 و30 ألف جنيه سنويا.

 

وبمثل هذا المبدأ دخل التعليم الخاص فى الجامعات الحكومية، تحت اسم التعليم باللغة الأجنبية، ولم تكن تلك الخطوة إصلاحا للتعليم، بل مثلت جميعا إخلالا بمبدأ العدالة الاجتماعية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك