بينما فتحت ثورة يناير الأبواب لمستقبل أكثر اشراقا للاقتصاد المصرى، بعيدا عن السيناريو السوداوى لامتداد نظام مبارك أو توريثه لنجله، ساهم ارتباك الحياة السياسية ومحاولات إعاقة عملية التحول الديمقراطى فى عرقلة النشاط الاقتصادى.
«الشروق» حاورت عددا من مديرى أبرز الكيانات الاستثمارية العاملة فى مصر، والتى نجحت فى تحقيق أداء مالى متماسك رغم حالة الركود، لتتعرف على استراتيجيتهم للبحث عن الفرصة فى قلب الأزمة، ورؤيتهم لتأثير التحولات السياسية على المستقبل الاقتصادى لمصر
رغم تراجع ارباح مجموعة السويدى، العاملة فى مجال الطاقة وإنتاج الكابلات والأعمدة الكهربائية والأبراج والمحولات، بنحو 34.3% خلال 2011 مقارنة بالعام السابق عليه، فإن المجموعة أظهرت تماسكا كبيرا فى مواجهة العاصفة التى يواجهها اقتصاد ما بعد الثورة، حيث زادت إيراداتها بنسبة 18%، مقارنة بالعام الماضى كما بلغ صافى أرباحها بعد التراجع 536.5 مليون جنيه. «الشروق» حاورت أحمد السويدى، رئيس مجلس الإدارة، حول استراتيجية المجموعة خلال الأشهر الماضية ورؤيتها المستقبلية.
● كيف نجحت مجموعة السويدى فى التماسك خلال عام الثورة، وما الإجراءات التى اتبعتها لاستعادة توازنها المالى؟
ــ تأثر نشاط المجموعة بأحداث ما بعد الثورة فى السوق المصرية، حيث تراجعت المبيعات المحلية بنسبة 28%، مما كلفنا خسارة مباشرة تقدر بالملايين. كما واجهت الشركة خسائر أخرى نتيجة الأحداث الاستثنائية التى تمر بها العديد من الدول العربية مثل اليمن وسوريا وليبيا، والتى تستحوذ على 50٪ من إجمالى استثمارات المجموعة، مما وجه لنا ضربة موازية لا تقل قوة عن شلل السوق المحلية. وكان للثورة الليبية التى أفقدتنا صادرتنا بالكامل إلى السوق الليبية التأثير الأعنف على نشاطنا، ومن ثم قررت الشركة تأجيل إنشاء مصنعها فى السوق الليبية.
● ماذا تقصد تحديدا بتفاقم الأوضاع فى أعقاب ثورة 25 يناير؟
ــ نجح شباب مصر فى صنع أحسن ثورة فى آخر 1000 سنة، ونجحوا فى إبهار العالم بإسقاط النظام السابق بصورة سلمية فى 18 يوما، وشعر العالم أن هناك عصرا جديدا من الديمقراطية يبدأ فى مصر، وبدأ كل المستثمرين حينئذ يستعدون لتكثيف نشاطهم فى هذه السوق الواعدة. ولكن سرعان ما ضاع الأمل، بعد تكرار أحداث العنف، وغياب الامن، والاشتباكات، وصدور بعض القرارات السياسية التى أضرت بالاقتصاد مثل محاكمة المستثمرين، والمطالبة برد شركات تمت خصخصتها على مدى العشرين عاما السابقة.
من المستثمر الذى سيفكر فى ظل هذه الظروف فى القدوم إلى مصر للمجازفة بأمواله، بل بالعكس هناك العديد من المستثمرين قرروا تسييل مشروعاتها والخروج من مصر. للأسف، أنا حزين، فلم يعد هناك أحد فى مصر يفكر فى الاقتصاد، الناس كلها باتت تفكر فى السياسة، لقد خسرنا 400 ألف وظيفة خلال عام 2011، بسبب المصانع التى توقفت عن العمل. لا يمكن أن نفكر كلنا فى السياسة، فمصر ليست كلها ماسبيرو، ومحمد محمود، بل يجب تقسيم المهام، ويجب على الحكومة المصرية وعلى النظام الجديد الاسراع فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفع عجلة الاقتصاد وتحسين صورة مصر فى أعين المستثمرين.
● إذن كيف استطاعت مجموعة السويدى تطوير إيراداتها فى ظل هذه الظروف الضاغطة؟
ــ شعرنا فى الأشهر الأولى من الثورة، خاصة بعد تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية بقلق تجاه السوق المحلية، ومن ثم قررت الشركة وضع بدائل فورية لتعويض الخسائر، ومن أهمها زيادة نشاط التصدير بنسبة 20% خلال عام 2011.
ونجحنا فى اختراق أسواق أفريقية جديدة والتصدير إليها مثل موزمبيق، ونيجيريا وتشاد وزامبيا. بالإضافة إلى ذلك، كثفنا نشاطنا مع الدول الأوروبية، ودول الخليج. ولكن المهمة لم تكن سهلة. فقد تسبب إضرابات الموانئ المتتالية، والتى ساعدت فى تخفيض تصنيفنا، وغيرنا من الشركات، إلى الدرجة الثانية، مما أفقدنا جزءا من الحصة المقررة للشركة للتصدير.
من ناحية أخرى، وفى خطوة لتقليص النفقات، قررت المجموعة تأجيل استثماراتها الخارجية المقررة سلفا فى عامى 2011 و2012، إلى 2013، لحين استقرار الأوضاع.
● لماذا رفضت وضع حد أدنى للأجور فى المجموعة عندما اعتصم العمال فى السويدى؟
ــ الاعتصامات والإضرابات المتكررة منذ اندلاع الثورة زادت عن حدها، وتسببت فى تعطيل العديد من المصالح وأضرت بالنشاط الاقتصادى، وهذا بسبب معالجتها بطريقة غير سليمة، فحكومة شرف على سبيل المثال، بادرت وقامت بتلبية طلبات جميع المضربين حتى وإن كانت غير مشروعة. فمن الأحرى، تشكيل لجنة عمل تناقش ظروف كل حالة واتخاذ الاجراء المناسب تجاهها. والحد الأدنى للأجور فى النهاية ليس المقياس الرئيسى للعدالة الاجتماعية، بل محورها الأساسى هو زيادة التوظيف، وإن كان هذا لا يمنع وجود مرتبات لائقة لكل من يتمتع بالخبرات النادرة. والفيصل فى الحد الأدنى للأجور هو العرض والطلب، فلن تكون لنا أى ميزة تنافسية إذا ارتفعت تكلفة الأجور ومن ثم زاد سعر المنتجات.
● وما هى فى رأيك الإجراءات المطلوبة الآن من الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار؟
ــ الاستثمار ينعكس على معدلات التوظيف التى لن ترتفع إلا عن طريق ضخ استثمارات جديدة فى جميع أنواع الصناعات سواء صغيرة أو متوسطة او كثيفة العمالة. والتوظيف هو السبيل الوحيد لتحسين أحوال الناس ورفع مستوى معيشتهم.. فالثورة وعدت الناس بمستقبل أفضل ودورنا هو العمل متكاتفين على تحقيق هذا الوعد.. ولن يكون هناك أى استثمارات سواء داخلية أو خارجية إلا إذا كان المستثمر المصرى مطمئنا أولا ليشجع المستثمر الأجنبى على الحضور إلى مصر.
وفى هذا الإطار لا يجب أن ندع الفساد السياسى للنظام السابق يؤثر سلبيا على النشاط الاقتصادى، لنتوقف عن خلط الأوراق، بل نصحح الأخطاء السياسية ونستفيد مما أنجزه فى المجال الاقتصادى. الأزمة الحقيقية لم تكن اقتصادية، بل سياسية، فهى كانت تتعلق بفساد سياسى، أو بالأصح بوجود شرعية لحاكم واحد دائما، تحول دون ترشيح رئيس آخر.
كما لا يجب أن نغفل ضرورة إعادة الامن والشرطة إلى الشارع، لتأمين الاستثمارات والمصانع واستعادة الاستقرار مرة أخرى.
نحتاج فى مصر إلى رؤية واضحة لما نريد أن نكون عليه خلال العشر سنوات القادمة، وليس هناك حزب أو جماعة واحدة قادرة على إدارة البلاد منفردة فلابد أن نعمل جميعا معا كمصريين. اليوم الإسلاميون فى الحكم ولابد من مساندتهم والعمل معهم لمستقبل أفضل لمصر، ويجب علينا (مجتمع الاعمال) مساعدتهم، ويجب عليهم تقبل ذلك الأمر، فليس هناك فريق أو فصيل واحد لديه القدرة والخبرة على التعامل منفردا لإدارة البلاد، فيجب علينا جميعا أن نتحلى بروح الفريق الواحد لهدف واحد هو مصر.
رابحون فى زمن الركود (1)
رابحون فى زمن الركود (2)