حذر عدد من الخبراء الأمريكيين من ارتفاع مرتقب لأسعار المواد الغذائية عالميا خلال الأشهر المقبلة، وذلك بعدما أعلنت الحكومة الأمريكية، مساء أمس الأول، أن محاصيل الذرة وفول الصويا فى الولايات المتحدة، وهى الأكبر فى العالم، فى أسوأ حالة لها منذ موجة الجفاف التى شهدتها البلاد عام 1988.
وقد ذكرت وزارة الزراعة الأمريكية أن المسوح التى أجرتها أظهرت أن 40% فقط من محصول الذرة وفول الصويا يصنف فى حالة جيدة إلى ممتازة وهو أدنى تقييم فى هذه المرحلة من الموسم منذ موجة الجفاف الشديدة السابقة.
والارتفاع المرتقب للأسعار العالمية للغذاء سيكون الثالث خلال السنوات الخمس الأخيرة، بعد الزيادة التى عانت منها مختلف دول العالم فى عامى 2007 و2008 ثم فى عامى 2010 و2011، التى تسببت فى إثارة الشغب وعدم الاستقرار الاجتماعى فى العشرات من الدول.
ورغم التوقعات المبكرة التى بشرت بمحصول وفير من الذرة، إلا أن التقديرات تراجعت بعد أيام بعدما شهدت أمريكا ارتفاعا قياسيا فى درجات الحرارة وظروف الجفاف التى تمتد عبر مزارع ولايات الغرب الأوسط الأمريكى.
وفى تقرير بثته شبكة صوت أمريكا، قال ديرموت هايز، الخبير الاقتصادى فى جامعة ولاية آيوا، إن ما يحدث فى الولايات المتحدة باعتبارها أكبر دول العالم تصديرا للذرة وأحد أكبر دول العالم تصديرا لفول الصويا يؤثر بالطبع على الأسعار العالمية، متوقعا أن تتأثر المكسيك وأمريكا الوسطى، اللتان تعتمدان على الذرة كغذاء رئيسى، بشكل مباشر بهذه الأزمة، إضافة إلى دول أخرى ستتأثر بشكل غير مباشر.
وأضاف الخبير «سوف ترتفع أسعار الخبز فى شمال أفريقيا، وأسعار الدجاج ولحم الخنزير فى الصين، وسيكون هناك بعض التعساء تماما من الناس»، مشددا على أن أسعار الخبز سترتفع فى شمال أفريقيا بسبب ارتفاع أسعار القمح تبعا لارتفاع أسعار الذرة.
فى الاتجاه ذاته، أكد الخبير الاقتصادى ماكسيمو توريرو بالمعهد الدولى لأبحاث السياسات الغذائية أن أسعار اللحوم والألبان والدجاج ولحم الخنزير سترتفع، لأن الذرة وفول الصويا هما المكونان الأساسيان لعلف الحيوان. وسوف تكون الدول التى تستورد كميات كبيرة من الأعلاف الحيوانية هى الأكثر تأثرا، مشيرا إلى أن هذه الدول هى الصين والهند ومعظم دول أمريكا اللاتينية التى تشهد نموا كبيرا وبدأت تستهلك الكثير من اللحوم.
إلا أن توريرو توقع أن تتأثر دول العالم الفقيرة بشكل أقل مما تأثرت به خلال موجتى ارتفاع الأسعار الأخيرة، لأنه لا يرى أن قضية اللحوم والحليب تمثل مشكلة ضخمة لأشد البلدان فقرا، حيث إن استهلاكها من المنتجات الحيوانية أقل بكثير من استهلاك الدول الصناعية منهما.
وفى نفس السياق قال كريس باريت الاقتصادى بجامعة كورنيل، إن الفقراء الذين يستهلكون الذرة بكميات كبيرة يعيشون فى مناطق تستهلك إما نوعا مختلفا من الذرة أو أنهم يعيشون فى مناطق نائية نسبيا تجعلهم فى مأمن بشكل مؤقت من تقلبات الأسواق العالمية، فعلى سبيل المثال فإن المستهلكين فى أغلب مناطق أفريقيا جنوب الصحراء يفضلون الذرة البيضاء على أصناف الذرة الصفراء التى تتم زراعتها فى الولايات المتحدة، كما أن المحاصيل الأكثر تضررا تستخدم أساسا كعلف للحيوانات ولا تشمل الأرز أو القمح التى يتم استهلاكهما بشكل مباشر من جانب الإنسان، وهو ما يخفف من التأثير على الفقراء.
ونوه بأنه إذا كان المحصول المتأثر هو الأرز مثلا كما كان الحال فى الفترة 2007/2008، لكان الوضع مختلفا، لأن معظم الدول الأفريقية فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء لا تستورد الأرز، ولكن الوضع مختلف أيضا فى حالة القمح كما حدث فى عام 2010، حيث تأثرت منطقة شمال أفريقيا ومصر على وجه الخصوص لأنها مستوردة صافية للقمح.
وحذر هايز من أن تسبب الأزمة المرتقبة فى نشوب القلاقل بين المستهلكين الذين كانوا يشهدون ارتفاعا فى مستوى المعيشة، كما يمكن أن يشكل مصدر إزعاج فى الصين، وهى دولة تشهد تزايدا فى الطبقة الوسطى كما تشهد تفاوتا اجتماعيا كبيرا أيضا.