فى الوقت الذى يرى فيه البعض أن التعديلات التى أدخلها المجلس العسكرى على قانون الاستثمار فى يناير الماضى، ستفتح باب جهنم من جديد لتسرب الفساد فى كل الاستثمارات، فإن آخرين يعتقدون أنها ستكون العلاج الأمثل لقضايا الاستثمار المعلقة، الأمر الذى سيعود بالنفع الكبير على الاقتصاد الذى يمر بظروف صعبة حاليا.
كان المجلس العسكرى قد أضاف مادتين جديدتين إلى قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء. وأجاز المجلس بهذا التعديل التصالح مع المستثمر فى الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات سواء تلك التى ترتكب منه بصفته أو بشخصه أو التى اشترك فى ارتكابها، بشرط قيام المستثمر برد كل جميع الأموال أو المنقولات أو الأراضى أو العقارات محل الجريمة أو ما يعادل قيمتها السوقية وقت ارتكاب الجريمة إذا استحال ردها العينى، على أن يتم تحديد القيمة السوقية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل.
وبعد الإعلان عن هذا التعديل فى الجريدة الرسمية، عبر خالد على الحقوقى والناشط والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية عن الصدمة التى انتابته بشأن هذا التعديل الذى تم دون العرض على مجلس الشعب. واعتبر أن «الهدف من المرسوم هو فتح الباب للتصالح مع الفساد الاقتصادى الذى قام به مبارك ورجال نظامه سواء كانوا رجال حكم أو رجال أعمال، وهو ما سيعوق المحاسبة التى يجب أن تتم مع كل من اعتدى على مقومات الاقتصاد المصرى فى ظل هذا النظام وتربح منه دون وجه حق أو أضر به»، بحسب قوله فى مقال له فى «الشروق».
كما سيجعل هذا المرسوم كل الجرائم التى تمت حتى الجنائية منها فى شأن الملف الاقتصادى مجرد أخطاء إدارية تحتاج فقط إلى إعادة التقييم المالى والتوازن العقدى وهو ما سيسهل عمليات الإفلات من العقاب فضلا عما يمثله هذا المرسوم من تبديد لكل أحلام إعادة التوزيع العادل للثروة داخل هذا المجتمع والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، أضاف على.
ويعترض شريف دلاور، الخبير الاقتصادى، على تلك الرؤية، معتبرا أن «هذا التعديل هدفه المساهمة فى حل كثير من قضايا الاستثمار المعلقة حاليا، والتى بدأت تتفجر بعد سقوط حكم ثورة يناير، والتى غالبا ما ترجع لممارسات حكم مبارك الفاسد»، مشيرا إلى أنه ربما لا يكون التعديل الأمثل لكنه الأنسب فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية فى مصر».
ويرى دلاور أن عدم التوصل إلى حل لمشاكل المستثمرين الحالية سينعكس سلبا على عدد كبير من العمال أو على المواطنين العاديين الذين حصلوا على وحدات من الشركات العقارية، والأهم من ذلك أثر ذلك على الاقتصاد المصرى الذى يمر بظروف صعبة حاليا، «مبدأ التصالح مع المستثمرين موجود فى كل أنحاء العالم ولا يخل ذلك بوطنية من يتخذ مثل هذا القرار، المهم أن تتم العملية بشكل يعود بأكبر نفع ممكن على الجانب المصرى، ويمكن العمل به لمدة قصيرة ثم نقوم بتعديله بعد استقرار الأمور فى البلاد».
وأضاف دلاور «أنا أشجع التصالح لكن أرفضه تماما مع المستثمر الذى يثبت إدانته فى جرائم جنائية مثل الرشوة مثلا، فالمستثمر الذى حصل على أرض عن طريق المجاملة مثلا ولم يثبت تورطه فى جرائم جنائية يكون الأنسب التصالح معه، كما أرفض التصالح مع المستثمر صاحب الجريمة فإنى أرفض التصالح مع المسئول الحكومى المتورط فى أى من هذه القضايا سواء التى تمت عن طريق مجاملات أو ارتكاب جناية».
والمبدأ الذى يؤكد عليه دلاور يتفق جزئيا مع تعديل العسكرى على قانون الاستثمار، فقد أشار المرسوم إلى أن صدور حكم نهائى غير بات بإدانة المستثمر يشترط للتصالح بالإضافة إلى إتمام وفائه بكامل العقوبات المالية المقضى بها. وأضاف انه يترتب على إتمام التصالح وفقا لما سبق انقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمستثمر، ولا يمتد الانقضاء لباقى المتهمين معه فى ذات الواقعة ولا يستفيدون منه.
إلا أن عدم انقضاء الدعوى لباقى المتهمين «الذين غالبا سيكونون من المسئولين» يجعل شوقى السيد المحامى الشهير فى عدد من قضايا الاستثمار أهمها أرض مدينتى التابعة لشركة طلعت مصطفى، يرفض التعديل ويراه من الأسباب التى تجعله غير دستورى، حيث لا يتوافر مبدأ العدالة بين كل المتهمين، وقال إن عدم عرض تعديل القانون على مجلس الدولة ومجلس الشعب من الأسباب الأخرى التى تجعل تلك التعديلات غير دستورية أيضا.
وبغض النظر عن عدم دستورية التعديلات من وجهة نظر السيد، فإنه لا يرفض احتمال أن تكون بابا للفساد، لكنه يقول إن هناك فرقا بين التشريع والتفاصيل، فالتشريع يتمثل فى هذا التعديل، ويمكن إضافة تفاصيل إليه تغلق باب الفساد فى قطاع الاستثمار.