علاء سويف يكتب: مساهمة فى التعرف على أسباب ضعف الأحزاب فى مصر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 1:20 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاء سويف يكتب: مساهمة فى التعرف على أسباب ضعف الأحزاب فى مصر


نشر في: الخميس 12 يوليه 2018 - 11:16 م | آخر تحديث: الخميس 12 يوليه 2018 - 11:16 م

فى 18 يناير الماضى نشر الأستاذ عبد العظيم حماد مقالاً مهماً فى جريدة الشروق بعنوان "تغيير المعادلة"، ذكر فيه ما يلى:


"من عجائب أو تناقضات الحياة السياسية المصرية أن جميع المهتمين بالشأن العام ــ عن فهم وبصيرة ــ متفقون على الحاجة الماسة إلى تغيير معادلة الحكم فى البلاد، بدخول القوى الشعبية طرفا رئيسيا مشاركا ومراقبا ومسائلا فى هذه المعادلة، ولكن الغالبية الغالبة من هؤلاء المهتمين تبقى متباعدة عن الحركة الحزبية، مع أنها الطريق الوحيد لبلوغ هدف التغيير.

الأسباب الشائعة لهذا التباعد هى اليأس من الأحزاب نفسها بسبب ضعفها المتوارث وانقساماتها، أو اليأس من الحياة السياسية برمتها...

غير أن كل تلك الأسباب، وإن كانت كافية للتفسير، فهى لا تكفى لتبرير الإحجام عن المشاركة فى الحركة الحزبية، ذلك أن ضعف الأحزاب يعود إلى هذا الإحجام، مثلما يعود إلى انقساماتها الداخلية، ومثلما يعود أيضا إلى التضييق السلطوى عليها، والى إغلاق أبواب العمل السياسى المشروع فى وجهها بالأساليب الإدارية والبوليسية"

فى هذا المقال أطرح عاملاً إضافياً لضعف الأحزاب، لم يذكره الأستاذ حماد، بينما أراه العامل الرئيسى فى انخفاض جماهيرية الأحزاب وبالتالى انعدام تأثيرها.

هذا العامل يرتبط بتشخيص عام للبيئة السياسية التى تعمل فيها أحزابنا؛ فبالرغم من الشكل الديمقراطى الذى يشمل أحزاب وبرلمان وانتخابات... إلخ، إلا أن بيئتنا السياسية ليست ديمقراطية حقاً؛ فالبيئة "الديمقراطية حقاً" تتميز بوجود عدد كبير جداً من "جماعات المصالح"، مجموعات من المواطنين تشترك فى مطالب ومصالح معينة، فتتجمع وتبلور هذه المطالب والمصالح المشتركة وتعمل على طرحها فى المجال العام وتوصيلها لسلطات الحكم والضغط على تلك السلطات لتنفيذ مطالبها ومراعاة مصالحها. وجود هذه الجماعات ونشاطها هو مقياس لممارسة المواطنين لحرياتهم الأساسية (حرية الرأى والتعبير) وحقوقهم الأساسية فى التنظيم والتجمع من أجل تحقيق مصالحهم. تتنوع هذه الجماعات، فمنها التلقائية والمنظمة والرسمية؛ ومنها جماعات مناطق أو مواقع عمل أو مهن... إلخ. تمثل جماعات المصالح هذه المستوى القاعدى للنظام السياسى الديمقراطى، وتؤدى وظيفة أساسية وضرورية لوجود بيئة سياسية ديمقراطية (أو أى بيئة سياسية ذات كفاءة)، وهى وظيفة interest articulation "بلورة وصياغة المطالب والمصالح" لمختلف فئات الشعب. أما الأحزاب السياسية فوظيفتها الرئيسية هى interest aggregation "تجميع مطالب ومصالح فئات مختلفة ودراستها وفرزها والمفاوضة والتوفيق بينها لاستخلاص وصياغة سياسات عامة"، ثم السعى لتنفيذ هذه السياسات.


هذا المستوى القاعدى، الجوهرى، من النشاط والتنظيم، غائب بشكل كبير عن البيئة السياسية المصرية؛ حيث الغالبية العظمى من فئات الشعب ممنوعة (بخليط من القوانين والإجراءات الإدارية) من تنظيم نفسها بحرية فى جماعات تقوم بهذا الدور، باستثناء بعض الفئات القوية، ككبار رجال الأعمال مثلاً. مما يؤدى إلى أن المصالح الوحيدة المتبلورة والمصاغة بشكل واضح والمطروحة فى المجال العام هى مصالح هذه الفئات القوية.


هذا الفراغ – أو الخلل – فى المستوى القاعدى من النشاط والتنظيم السياسى يؤدى إلى نتيجتين:
1.أننا حتى لو افترضنا أن الأحزاب السياسية لديها حرية العمل والحركة، فليس متاحاً لها المرجعية والمُدخلات التى يمكن أن تعطى لحركتها وعملها قيمة جماهيرية. ليس متاحاً لها "مطالب مختلف فئات المجتمع، كما تصيغها هذه الفئات" والتى تنتج عن تفعيل وانتشار وظيفة interest articulation ، الوظيفة التى لا يمكن الاستغناء عنها – خاصة فى مجتمع مثل المجتمع المصرى، بتعقده وتنوعه - كمدخل ومرجعية لباقى وظائف البيئة السياسية، وأهمها وظيفة إعداد سياسات عامة تحظى بدرجة معقولة من القبول الشعبى من خلال عمليات interest aggregation .

2. أن هذا المستوى القاعدى – الغائب – هو منبع الاتصال الجماهيرى والمشاركة الجماهيرية الفعالة فى العملية السياسية (وهذا جوهر الديمقراطية). فبدون وجود هذا المستوى القاعدى، لا تقوم الأحزاب السياسية على أساس أنها aggregator لمصالح فئات وجماعات اجتماعية واسعة، وإنما قد تقوم على أى أساس آخر: مثلاً أن تكون aggregator لمصالح بعض أو كل الفئات الاجتماعية المميزة (المسموح لها بالتنظيم وبلورة وصياغة مصالحها)؛ أو على أساس أنها تجمع مجموعة من السياسيين أو المفكرين المؤمنين بمبادئ معينة، أو ايديولوجية معينة، أو المروجين لسياسات يتصورون أنها ستحل مشاكل معينة أو أنها ستفيد فئات اجتماعية معينة... إلخ. ولمحاولة اكتساب شعبية، تتخذ هذه الأحزاب مساراً معكوساً، فهى تقترح السياسات، ثم تحاول إقناع الفئات الاجتماعية أن هذه السياسات سوف تحقق مصالحهم. لكن الفئات الاجتماعية أصلاً محرومة من آليات التجمع والتنظيم وبلورة المصالح، وبالتالى محرومين أيضاً من آليات التفاعل الإيجابى مع طروحات سياسية بالدرجة التى تصل إلى التأييد الحقيقى والتعبئة.
وهكذا، طالما استمر غياب هذا المستوى القاعدى من النشاط عن بيئتنا السياسية، ستظل أحزابنا غير جماهيرية وغير مؤثرة، وأقصى ما يمكنها عمله هو تكريس وتدعيم رؤية ومصالح الفئات الاجتماعية الأقوى، أو الاعتراض على سياسات وإجراءات قائمة، بدون تقديم بدائل واقعية متكاملة تحظى بدعم مجتمعى واسع.
تحرص السلطة الحاكمة فى مصر – منذ 1952 – على منع فئات الشعب من تنظيم نفسها بحرية فى جماعات تبلور وتصيغ مطالبها ومصالحها، وقصر هذا المجال على كيانات خاضعة تماماً للسيطرة الحكومية والأمنية، بحيث يظل المستوى القاعدى للممارسة الديمقراطية مغلقاً، وبالتالى تظل الممارسة السياسية نخبوية وضعيفة التأثير.
وللأسف الشديد، فإن أغلبية المهتمين بالشأن العام فى مصر، حتى المعارضين للسلطة، غير مدركين لفداحة هذا الغياب وتأثيره الحاكم على مجمل البيئة السياسية. فعندما تخلخلت السيطرة الأمنية على المجال العام مع قيام ثورة 25 يناير، وتكونت آلاف التجمعات الفئوية فى طول البلاد وعرضها، خاصة فى مواقع العمل، وقامت بالضبط بالدور المنوط بها فى إطار بيئة ديمقراطية مفترضة (ألا وهو صياغة مطالبها وإعلانها ومحاولة الضغط على صناع القرار لتنفيذها)، حينها توافق معظم السياسيين المعارضين مع السلطة الحاكمة فى إدانة هذه الجماعات ومطالبها الفئوية، حتى اكتسبت عبارة "المطالب الفئوية" معنى سلبى عند معظم الناس. وبذلك فوتت الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى فرصة التفاعل البنّاء مع المجموعات الفئوية، وفرصة دراسة مطالبها ومصالحها بجدّية، وفرصة إعداد سياسات عامة بناءً على "تجميع مطالب ومصالح الفئات المختلفة ودراستها وفرزها والتفاوض والتوفيق بينها لاستخلاص وصياغة سياسات عامة" تحظى بدعم واسع بين الفئات الاجتماعية المعنية بها، وهى عملية الـ interest aggregation التى كان من الممكن أن تحول هذه الكيانات السياسية إلى أحزاب جماهيرية حقيقية ومؤثرة.
وها نحن، بعد 7 سنوات من هذه الفرصة التاريخية، نتساءل: كيف نغير معادلة الحكم فى البلاد، بحيث تدخل القوى الشعبية طرفا رئيسيا مشاركا ومراقبا ومسائلا فى هذه المعادلة؟
استخلاصاً مما سبق عرضه، فإننى أطرح المحاور الآتية كخطوط عريضة للإجابة:

• النضال بكل السبل السلمية الممكنة لانتزاع أكبر قدر من حرية الرأى والتعبير وحق التنظيم والتجمع، مستهدفين تشجيع جميع فئات المواطنين التى تشترك فى مصالح يرونها أساسية، لتنظيم أنفسهم فى جماعات تبلور وتصيغ هذه المصالح والمطالب المرتبطة بها، وتعمل على نشرها وتقديمها فى المجال العام والضغط على صناع القرار لتحقيقها.


• فى حالة الانخراط فى العمل الحزبى، يجب:
o استحداث وظائف وآليات فى أحزابنا تعمل على تعويض أثر غياب جماعات المصالح (مثلاً بأن يطرح الحزب نفسه كمظلة شرعية ترحب بمختلف فئات الشعب لتكوين تجمعاتها الفئوية وممارسة عملية interest articulation بمنتهى الحرية تحت غطاء شرعية العمل الحزبى، مقابل حالة التجريم التى تواجه ممارسة نفس النشاط فى إطار تجمع أو تنظيم مستقل)،
o التأكيد على أن أهم وظائف الحزب السياسى هى interest aggregation أى "تجميع مطالب ومصالح الفئات المختلفة ودراستها وفرزها والتفاوض والتوفيق بينها لاستخلاص وصياغة سياسات عامة تحظى بدعم واسع بين الفئات الاجتماعية المعنية بها".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك