بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الاحتجاز، أحالت نيابة عابدين 220 متهمًا إلى محكمة الجنايات، على خلفية الاشتباكات التي شهدتها شوارع وسط البلد أثناء الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير.
ببساطة هم 220 متهمًا، وجهت لهم النيابة تهمًا بـ«مقاومة السلطات والتعدي على قوات الأمن، وحيازة أسلحة نارية وزجاجات مولوتوف، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، والشروع في القتل، والتجمهر وقطع الطريق، وتكدير السلم العام وقطع الطريق العام».
«قتل وسجن»
في يناير الماضي، نظمت جبهة طريق الثورة مظاهرة بمحيط نقابة الصحفيين بوسط البلد، في ذكرى «25 يناير»، حيث انتهت هذه المظاهرة بمقتل أربعة من المتظاهرين إثر اشتباكات مع الأمن، بينما تم القبض على 1079 آخرين.
وحول هذه الأحداث، قال سامح سمير، المحامي الحقوقي، إنه «تم القبض على 228 شخصًا بشكل عشوائي من شوارع وسط البلد، لا علاقة لهم بالمظاهرات، حتى إن كل من تبين أن محل الإقامة المدون في بطاقة رقمه القومي تشير إلى أنه من خارج القاهرة تم القبض عليه».
«بوابة الشروق»، بدورها ترصد قصص عدد ممن أُلقي القبض عليهم، من خلال الحديث مع بعض أسرهم:
«أمير.. خرج إلى سامسونج ولم يعد»
«أمير عبدالرؤوف – 27 عامًا» يعمل في مصانع شركة سامسونج، ويستغل إجازته يومي الجمعة والسبت، في الذهاب إلى عمل ثان «إضافي» بمكتب هندسي بوسط البلد، لتحسين دخله، وهو واحد من المحالين إلى محكمة الجنايات.
وفي حديثها لـ«بوابة الشروق»، قالت «والدة أمير»: «أثناء توجهه يوم السبت (25 يناير) لشراء بعض المستلزمات لعمله في المكتب الهندسي، فوجئ بشخص بثياب مدنية يسأله عن بطاقته، وعندما أخرج له البطاقة انهال عليه هذا الشخص بالضرب، وأخذه إلى عربية الشرطة.. ابني حاول التفاهم مع هذا الشخص، والتأكيد على أنه رايح شغله، لكنه لم يسمع له».
وتواصل الأم حديثها، مضيفة: «أمير ابني الوحيد، ويسهم في مصاريف البيت معي، خصوصا أن والده مفقود منذ أكثر من 27 سنة قبل ولادة أمير نفسه، ولا يعلم أحد عنه شيء.. الآن هو مهدد بالفصل من عمله في سامسونج، لتغيبه لما يقرب من شهرين، بسبب سجنه».
و«أمير»، بحسب والدته، «مصاب بأزمة صحية تمنعه من التنفس بشكل طبيعي، وعندما ذهب إلى طبيب السجن صرف له (برشام صداع)»، مناشدة النائب العام الإفراج عن ابنها.
«رمضان.. من شارع عبدالعزيز إلى السجن»
أما ثاني حالة، فهو «رمضان محمد عبدالعزيز – محاسب بإحدى دول الخليج»، ذهب لشراء جهاز محمول من شارع عبد العزيز، وشراء بعض الاحتياجات قبل سفره إلى عمله، استوقفه شخص بملابس مدنية واقتاده إلى سيارة شرطة بدون إبداء أسباب، ووجد نفسه متهمًا بقتل المتظاهرين في شوارع وسط البلد»، على حد قول «أميمة شقيقته».
«أميمة» أضافت: «أمي امتنعت عن تناول العلاج والطعام منذ يوم 5 مارس، احتجاجًا على بقاء ابنها في السجن بعد خروج عددٍ من زملائه، كما تدهورت الأوضاع المادية للأسرة بعد سجنه.. كان يصرف على البيت بدلا من والدنا القعيد البالغ 70 عامًا».
«معاق يحمل مولوتوف»
«بلال خليل- طالب بكلية التمريض»، خرج من منزله يوم 25 يناير الماضي متوجهًا إلى محيط دار القضاء العالي لسحب أموال بالفيزا، بعد تعطل ماكينة الصرف المجاورة لمنزله بشبرا، ففوجئ بشخص ذي ملابس مدنية يضربه ويلقي القبض عليه».
«عم خليل والد بلال» حكى لـ«بوابة الشروق» ظروف نجله الصحية، قائلا: «ابني جسمه هزيل يزن 45 كيلوجرامًا، ويعاني من مرض السكر ولديه كهرباء زائدة في المخ، بالإضافة إلى إعاقة بيده اليمنى، فكيف توجّه إليه تهمة الشروع في القتل، ويحرز معه حقيبة مولوتوف وزنها 35 كيلوجرامًا؟»
لم يتمكن «خليل الأب» التماسك، وذكر والدموع تتساقط من عينه: «ابني اتصل بي يعرفني أنه تم القبض عليه، تحدثت مع الضابط شارحًا ظروف نجلي الصحية، وعرضت عليه أن يفرج عنه مقابل اعتذاري للضابط إذا ثبت خطأ ابني، فرد: (وحياة أمه ما هخليها تشوفه)».
وتابع: «لم أتمكن من زيارة ابني في السجن سوى لدقيقة واحدة، وكانت عليه آثار تعذيب، إلا أن النيابة رفضت إثبات ذلك في المحضر»، ورغم الإفراج عن بلال على ذمة القضية، خلال الأيام الماضية، إلا أن والده يؤكد حاجته لإعادة تأهيل نفسي لمواصلة دراسته.
«التهمة طالب هندسة»
أما رابع الحالات التي رصدتها «بوابة الشروق»، فكانت لـ«هاني الفولي- الطالب في كلية الهندسة بالجامعة الألمانية»، الذي فوجئ بالقبض عليه أثناء خروجه من المكتب الهندسي الخاص بوالده أمام المعبد اليهودي بوسط البلد أيضًا، والعامل المشترك كالعادة من شخص بملابس مدنية».
ولفتت «ليلي الفولي شقيقة هاني» أنه تم احتجازه مع آخرين، إلى أن جاءت سيارة سوزوكي 7 راكب، نقلتهم إلى قسم عابدين بعد إلزامهم بدفع الأجرة.. أخي تعرض للضرب أكثر من باقي المعتقلين، كما أصيب أثناء نقله إلى سجن أبو زعبل».
وأضافت: «لدى وصول هاني وزملائه إلى السجن تعرضوا لتشريفة، كان أفراد الشرطة يسألون كل سجين عن مؤهله الدراسي، وعندما أجاب أنه يدرس الهندسة قاموا بضربه أكثر، وتعرض جراء ذلك إلى شرخ في 3 من أضلاعه»، مطالبة بالإفراج عن جميع المحبوسين مثلما حدث مع شقيقها.
«استياء الداخلية»
كان اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، قد أعرب عن رفضه لما يتردد بشأن تعذيب المساجين، والاعتداء عليهم، وانتهاك حرياتهم، قائلاً: «تلك الشائعات أثّرت في نفسيتي وفي نفسية كافة الضباط، ولا صحة لما يتردد».
إبراهيم رأى كذلك، في تصريحات تليفزيونية، أنه «تواصل مع كافة جمعيات حقوق الإنسان، وسمح لهم بتفتيش أي سجن في أي وقت، للتأكد من عدم صدق تلك الشائعات، وأن جميع شكاوى المساجين تتمثل في مطالبتهم بأوقات تريض أو مشاهدة التليفزيون، ولم يشتك أحد من تعذيبه أو الاعتداء عليه».
وانتقد ما يتردد بشأن اتهام الداخلية بإلقاء القبض عشوائياً على المواطنين، حيث إن الداخلية تلقي القبض على المتورطين في أعمال العنف، والمشاركين في مظاهرات بها أسلحة، أو تعتدي على منشآت الدولة، وتحولهم للنيابة، التي قد تخلي سبيلهم، على حد قوله.