حامد عويس.. رسمت فرشاته الحرية والعدالة الاجتماعية - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 11:04 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

متاحف العالم تختطف أعماله

حامد عويس.. رسمت فرشاته الحرية والعدالة الاجتماعية

لوحة قيلولة الموجودة بمتحف الفن المعاصر بمدريد
لوحة قيلولة الموجودة بمتحف الفن المعاصر بمدريد
دينا قابيل
نشر في: الجمعة 14 أكتوبر 2011 - 12:25 م | آخر تحديث: الجمعة 14 أكتوبر 2011 - 1:10 م

لا يمكن الاكتفاء بوصف الفنان حامد عويس برائد الواقعية الاشتراكية فى فن التصوير بمصر، مثلما حدث حين تناقلت الصحف خبر وفاته السبت الماضى عن عمر يناهز 92 عاما بعد صراع مع أمراض الشيخوخة. والسبب أنه لا يمكن ربط مسيرة فنان بقامة حامد عويس بمدرسة أو تيار فنى تنتعش سيرته بازدهار هذا التيار وتنطفئ وتخفت بضعفه وتجاوز الزمن له.  

 

صحيح أن الواقعية الاشتراكية حركة ظهرت بعد الحرب العالمية، وسلطت الضوء سواء فى الأدب أو الفن التشكيلى العالميين على الظلم الاجتماعى وعبرت عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتبنت فى أغلب الأحوال الطبقة العاملة المناضلة، متشبثة فى ذلك بالرؤية الواقعية التى تبتعد عن التجميل، لكنها سرعان ما تحولت إلى الدعاية السياسية والاجتماعية المباشرة وصارت فى بعض الأحوال بوقا سياسيا مثلما كان الحال فى روسيا الستالينية فى 1934 وانتشرت فى البلدان الشيوعية فيما بعد.

 

وصحيح أن الفنان الذى ولد فى محافظة بنى سويف فى عام 1919، انحاز فى أعماله للعمال والفلاحين، ورسم بفرشاته منذ بدايته ملحمة المواطن المصرى، إلا أنه تجاوز برحابة تجربته التصنيف الضيق لتيار فنى ما، وينفتح على معانى الحرية والعدالة الاجتماعية، ينتصر الفنان بفرشاته لكل ما هو إنسانى. فالتكوين الإنسانى الذى طالما ميز الفنان ولا يمكن أن تخطئه العين يهتم بتصوير العنصر الإنسانى فى خطوط دائرية ناعمة، ويظهر فى الوقت ذاته مثل كتلة نحتية ثبتت أقدامها فى فراغ اللوحة، هو هنا يفرض وجوده الثورى ولا يرضى عن الحرية بديلا. بل إن مسيرة حياة حامد عويس الفنية تعكس هى أيضا هذا الحس الثورى المتجذر، حين التحق بمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة، ولم تتحمل روحه الفنية المتوثبة القواعد التقليدية والأكاديمية الضاغطة، فراح يدرس فى معهد التربية الفنية الذى كان ذائع الصيت ويطلق عليه فى الأوساط الفنية بفرنسية ميزت هذه المرحلة «البيداجوجى».

 

وتتلمذ هناك على يد الفنان يوسف عفيفى، وصاحبه فى نفس المعهد مجموعة من الفنانين المجددين مثل جمال السجينى وجاذبية سرى وزينب عبدالحميد، وانضم عويس إلى جماعة «صوت الفنان» مع الفنان جمال السجينى فى 1943 وسرعان ما انفضت ليكونوا جماعة الفن الحديث فى 1946 التى كان يحكمها اتجاهان الأول معنى بالبحث عن الشخصية المصرية، والثانى منشغل بالبحث التقنى والجمالى فى إطار الالتزام بقضايا البناء الاجتماعى الوطنى، باعتبار الفن التشكيلى مكونا أساسيا فى الثقافة المصرية الشعبية، مبتعدين عما سموه بالفن الفولكلورى المتوارث والسريالية أو فوق الواقعية. وكانت هذه المجموعة متأثرة بالواقع الثورى الجديد الذى فرضته ثورة 1952 المصرية، والتقت أفكار حامد عويس بأحلام الثورة، فقدم العديد من الأعمال التى تصور حياة الفلاحين والعمال مثل لوحته الشهيرة «خروج العمال» عام 1953 والتى تصور لحظة خروج العمال من المصنع ككتلة بشرية متجانسة قامت ثورة يوليو لتنتصر لإرادتهم، وتحيل أيضا إلى قوة هذه الطبقة العاملة التى شهدت سنوات مجدها وازدهارها فى حقبة الثورة. أو لوحة «ناصر» التى تعرضها حاليا قاعة بيكاسو بالزمالك حتى 25 أكتوبر فى إطار معرض تشكيلى بعنوان «ناصر.. حلم الثورة» والتى تجسد بطريقة مباشرة صورة تطلع أعناق الجماهير نحو البطل الزعيم صاحب الكاريزما ويظهر فيها أسلوب اتبعه عويس فى العديد من الأعمال يعتمد على تضخيم حجم الشخصية، بطل اللوحة، وتكثيف المعنى من خلال هذا الرمز، مثلما فعل فى نموذج الفلاح والصياد وغيره من الأعمال.

 

ثم تبدلت أعماله بعد زيارته لإيطاليا، حيث شاهد أعمال الفنانين الخارجين على المدرسة الإيطالية التى تأثرت بالحركة الفاشية. وتحرر من الرؤية الواقعية الضيقة لمجموعة فنية أو تيار ذى نكهة سياسية مثل الواقعية الاشتراكية والتى كانت تحول أصحابها إلى فنانين ينقلون فى أعمالهم صورة طبق الأصل من الواقع، صورة أشبه بالفوتوغرافيا الصامتة التى لا روح فيها. صارت شخصيات حامد عويس أكثر صلابة والتكوين أكثر ثورية، وانعكست هذه الثورية فى علاقته باللون وتأثر بكل من ماتيس وبيكاسو، وحاول الجمع بين المتناقضات اللونية، والتى كانت التعاليم الأكاديمية فى مصر ترفضها تماما طبقا للفنان مصطفى عبدالمعطى فى تقديمه لمسيرة حامد عويس. وأصبح مهموما بالقضايا الإنسانية العامة، يقتنص فى لوحاته لحظات فى حياة الناس العادية، وصارت النظرة المعاصرة لهذا المواطن الذى يعيش البطولة فى التفاصيل اليومية العادية علامة من علامات الطريق وخرج كل هذا فى أعمال هذه المرحلة مثل: «الخياطة»، «قارئ الكوتشينة»، «التريكو» وكلها نماذج إنسانية بسيطة، ثم «البلاج» و«فناء المدرسة»، «ومحطة ترام كليوباترا» بالإسكندرية.

 

وفى إحدى لوحاته المعروفة «البطالة» التى قدمها فى عام 1989 يتجلى أسلوب عويس فى التكثيف من خلال الحجم الإنسانى الضخم للعامل الجالس القرفصاء، تلك الطاقة القوية المعطلة عن العمل، منكس الرأس، علت وتشنجت عضلات كتفيه لتغوص بينهما الرأس منكسرا، ونظرة تتطلع لغد مشرق، حيث الشجرة المورفة فى الخلفية، يضن عليه بالمجىء.

 

وخلال مسيرة الفنان الطويلة، ظل منعزلا فى مقر إقامته بالإسكندرية، تتذكره قاعة الزمالك للفن بين الحين والآخر بإقامة معرض لأعماله، وأدركته أخيرا جوائز الدولة التقديرية فى الفن عام 2001، وجائزة مبارك فى الفنون عام 2005، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1982، ونوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1985. لكن تظل المكتبة المصرية والجامعات فى حاجة إلى دراسات فى تجربة حامد عويس الفنية، وهو الذى اختارته دار نشر الفنون فى ألمانيا وقدمت كتابا خاصا عن عويس وفنه عام 1962 ضمن مجموعة الكتب عن الفنانين المعاصرين فى العالم، وتخطفت أعماله متاحف العالم مثل لوحة «صيادون من الإسكندرية» التى يقتنيها متحف درسدن فى ألمانيا، و«المطرقة والوعى» بمتحف الفن الحديث فى برلين، و«الجالسة» بمتحف الفن الحديث فى بولندا، و«السد العالى.. الأرض لمن يفلحها» فى متحف الفنون الشرقية فى موسكو، و«القيلولة» فى متحف الفن المعاصر فى مدريد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك