الشاعر سمير درويش: اللغة البسيطة سر جماليات قصيدة النثر - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 3:19 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشاعر سمير درويش: اللغة البسيطة سر جماليات قصيدة النثر

الشاعر سمير درويش
الشاعر سمير درويش
أسماء سعد
نشر في: الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 8:41 م | آخر تحديث: الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:48 م

- الإلهام المتبادل يحكم العلاقة بين السياسة والأدب للتعبير عن الواقع

- مسئولية الشاعر تكمن في الكلمة الصادقة والنصح للجميع

- نحتاج إلى رؤية ثقافية علمية وإدارة واعية للشأن الثقافي في مصر

يملك العديد من المنجزات الأدبية، برع في الكثير من المواقع التحريرية والصحفية، الشاعر والروائي سمير درويش، أحد رموز جيل الثمانينيات في الشعر، والذي يبدع بشكل لافت العديد من أشكال الإبداع الأدبي، بين الشعر والرواية والنقد والترجمة، ويتجاوز ذلك إلى كتب الفكر السياسي.

يكشف الشاعر والروائي سمير درويش عن رأيه في المشهد الثقافي والأدبي في الوقت الحالي، موضحا في حوار مع "الشروق"، الكيفية التي يمكن للسياق المحيط بالشاعر أن يلهمه على الإبداع والتواصل الفعال مع قرائه، والمنظور الذي يرى من خلاله المرأة وكيفية توظيفها في أعماله المختلفة.

وإلى نص الحوار:

* تمتاز أعمالك بالرفض الواضح للتعقيد والتقعير الزائد والانحياز للغة البسيطة، هل تلجأ لذلك لمزيد من سهولة التواصل مع القارئ؟

- اللغة البسيطة الموجزة أهم ملامح جماليات "قصيدة النثر"، وهي الخلاف الرئيسي بينها وبين الشعرية القديمة التي كانت تقوم على التشبيه وتفرعاته. اللغة في القصيدة الجديدة ليست هدفًا في ذاتها وإنما أداة بناء مشهد عادي ويومي ومعتاد، إذ كيف يمكن أن تبني مشهدًا عاديًّا بلغة مقعرة؟
وللتقريب سأقول لك إن الشاعر القديم كان يأخذ مشهدًا عاديًّا، كنوم طفل تحت كوبري في الشارع، ليحوله إلى قضية عامة دولية أزلية تخص الظلم والقهر والفقد.. إلخ، بينما سينصرف الشاعر الجديد إلى وصف تفاصيل المشهد بحياد بارد: ما الذي يرتدي، ووضعية النوم، ونظافة المكان، والحيوانات الأليفة أو فضلاتها.. إلخ.
الفرق بين المنظورين أن الأول يتعالى على مأساة هذا الطفل بالتحديد في هذا المكان والتوقيت بالتحديد، ويحولها إلى صورة مسطحة يمكن تطبيقها على طفل آخر في كولومبيا مثلًا قبل أو بعد مائة سنة، بينما الثاني يهتم بالحالة هنا والآن، ويتوحد معها بمفرداتها الدقيقة، وبالتالي يحتاج هذا إلى لغة محايدة، قريبة من صناعة اللحظة، لا تأخذ اهتمام المتلقي على حساب المشهد ذاته.

* تمثل جيل الثمانينيات في الشعراء المصريين، كيف تقيِّم تجربة هذا الجيل؟ وما الذي كان ينقصه؟

- في بدايات جيلي كانت تتنازعنا ثلاث شعريات: قصيدة التفعيلة التي يمثلها صلاح عبد الصبور وأمل دنقل -اللذان فارقا الحياة في زمن متقارب وقت تكويننا- وأحمد عبد المعطي حجازي، قصيدة الحداثة التي تم التقعير لها طويلًا بكتابات نقدية ورسائل جامعية، وهي تلك القصيدة الغامضة التي تستند إلى تجربة محمد عفيفي مطر، ثم تجربة جماعة شعر في لبنان: أدونيس والماغوط وأنسي الحاج وأقرانهم، وهي قصيدة ملغزة أيضًا.. فانحزنا في البداية إلى عبد الصبور.
لم يمر وقت طويل حتى بدأت ملامح تجربة "قصيدة النثر" تخرج من دواوين شعراء جيلنا، قصيدة نثر ناضجة لها جمالياتها المختلفة التي نعرفها الآن، وأتصور أن ثلاثة دواوين صدرت معًا عن دار شرقيات لعبت دورًا مهمًّا في ترسيخ جمالياتها: ثمة موسيقى تنزل السلالم لعلي منصور، صمت قطنة مبتلة لفاطمة قنديل، وممر معتم يصلح لتعلم الرقص لإيمان مرسال، بالإضافة إلى تجارب محمود قرني، ثم ما أصدرته أنا وغيري.
لذلك يمكن أن تقول بارتياح إن جيلي هو الذي بدأ الطريق نحو شعرية جديدة، أطلقوا عليها "قصيدة النثر"، لا تعتمد على "تكسير" العروض الخليلي بشكل متعمد مع الاحتفاظ بجماليات التشبيه القديمة، وإنما تعتمد على جماليات المشهد، والاقتصاد في اللغة، وصنع مجاز كلي بين النص -كوحدة جمالية كلية- والواقع، وليس مجاز كلمة وعلاقتها بالكلمة التي تليها.. وهكذا.

* تكتب الشعر والرواية والتحليل السياسي وشغلت العديد من المناصب التحريرية الهامة، هل تجد مايعبر عن ذاتك في أي منهم أكثر من الآخر؟

- عملت في كل المواقع التي توليتها بروح الشاعر، فحين توليت إحدى الإدارات الثقافية المهمة كنت أذهب إلى عملي بالجينز والحذاء الرياضي وتيشيرتات ملونة، وأعمل بيديَّ، وأتحرك كثيرًا، وأتواصل بشكل مباشر مع الموظف الذي ينجز الملف وليس مع رؤسائه، من ناحية لأختصر الوقت، ولكي أحصل على الأفكار التي تدور في عقله مباشرة وأساعده على تنميتها، ولكي لا يكون هناك جدار بيني وبين مرؤسِيَّ، لذلك كنت -حرفيًّا- أخلع باب مكتبي، وأعلق رقم هاتفي الشخصي على لوحة الإعلانات، وأجتهد لألتقط النشطاء من الشباب وأعتمد عليهم.
أحد التعريفات القريبة من نفسي للشعر، ولا أعرف مصدرها، هي أنه الشيء الذي لا يخرج عن حياة الشعراء، والبنيويون يقولون إن الشاعر يُنتج شعرًا من كل كتاباته: المقالات والحوارات والرسائل واليوميات، وحتى حين يكتب قوائم المشتريات التي عليه شراؤها قبل الرجوع للبيت.
لذلك ففي تجاربي في رئاسة تحرير المجلات الثقافية لم أكن أسيطر على روح الشاعر داخلي، الذي تغريه المفارقة ويعمل عليها، حتى لو كان ذلك ضد التيار السائد الجارف، وحتى لو كلف ثمنًا غاليًا.

* نجد حضورًا دائمًا للمرأة في أعمالك، هل الدخول في عوالم المرأة والبحث في أفكارها وهواجسها مسألة سهلة أم شاقة وتتطلب جهدًا مضاعفًا؟

- الرجل الشرقي -وإن كان شاعرًا- حين يُسألُ عن المرأة يتلجلج ويرتعش ويصفرُّ جلده خوفًا من اتهامه بعشق النساء، مع أن طبيعة الخلق وتقسيم الكون وتاريخه وواقعه، كلها تقول إن الطبيعي أن ينحاز الرجل للمرأة وتنحاز المرأة للرجل. وأنا -كوني رجلًا وشاعرًا- أعشق النساء وأراهُنَّ لوحات تشكيلية جمالية، فيهن عمق ونضج، ولديهن لمسات صغيرة يمكن أن تغير الكون، لذلك لا أتخذ النساء موضوعًا لقصائدي فقط، بل أطلب آراء صديقاتي المقربات في كل شيء أنجزه، وأستفيد كثيرًا من ملاحظاتهن في تبديل لون أو كلمة.. وهكذا.
المرأة العربية -والمسلمة عمومًا- مظلومة جدًّا لأنها تضطر إلى إخفاء طاقتها حتى لا تثير حساسيات مجتمعاتها المحافظة، التي تغار عليها وتريد أن تحبسها (للحفاظ عليها!)، باعتبار أن المرأة هي شرف القبيلة، لا يحق لها أن تميل وأن تعبر عن احتياجاتها وتفضيلاتها.. إلخ.
والحديث عن غموض المرأة وصعوبة كشف عوالمها يرتبط بما ذكرته عن اضطرارها لإخفاء رغباتها، فالمرأة في أمريكا مثلًا -حيث أعيش- أبسط، وتقول وتفعل ما تريد لأن المجتمع لا يحبسها في معتقداته الجامدة، لذلك من السهل أن تكتشفها لأنها ظاهرة، عكس المرأة في مجتمعاتنا.

* قمت بترجمة مجموعة من الدواوين الشعرية إلى لغات عديدة، في رأيك أين يقف كل من الشعر والترجمة في عالمنا العربي في الوقت الحالي؟

- موضوع الترجمة عندنا يسير على قدم واحدة، هي ترجمة الأدب العالمي إلى العربية، وهناك جهود في مصر وبعض الدول العربية مثل الألف كتاب الأولى والثانية، وسلسلة الجوائز في هيئة الكتاب، والترجمات التي كان ينجزها د.جابر عصفور في المجلس الأعلى للثقافة، والتي تطورت لإنشاء مركز قومي للترجمة.. لكنها تتم بشكل عشوائي إلى حد كبير، فغياب خطط مستقبلية تحدد الأولويات يجعل الترجمات عملًا فرديًّا، فالمترجم نفسه هو الذي يرشح الكتاب ويتفاوض على الحقوق في حالات كثيرة، وهذا يوقعنا في تكرار ترجمة الكتاب الواحد عدة مرات، ويُغيِّب مناطق كاملة من العالم التي لا نراها جيِّدًا.
في المقابل فترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية يتم بالجهود الفردية للأدباء أنفسهم، في غياب مؤسسة مموَّلة هدفها التعريف بأدبنا في الخارج، توفر ترجمات ممتازة، وتتفق مع دور نشر مهمة، وتدفع جزءًا من التكلفة، وأظن أن هذا لن يتكلف مبلغًا يصعب توفيره كل عام.
تجربة ترجمة دواويني مختلفة، حيث تواصلت معي مترجمة لبنانية وقالت إن قصائدي التي أنشرها على صفحتي تروق لها، وتريد ترجمتها إلى الإنجليزية، فكان أن ترجمت معظم دواويني، ثم بحثنا عن دار نشر أجنبية واهتدينا إلى واحدة نشرت لي أربعة دواوين في مجلدين، بعدها تنازلتُ لهيئة الشارقة للكتاب عن حقوقي المادية فترجمت لي ديوانين إلى عدة لغات، خمسة أو ستة، الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والهندية والروسية والإسبانية.. حتى توقفت عن المتابعة!

* برأيك هل هناك تداخل بين عوالم السياسة والأدب، بمعنى إنه هل يمكن للسياسة أن تُلهِم الإبداع الشعري والأدبي والعكس؟

- كل تفصيلة في الكون يمكن أن تلهم الشعراء، والسياسة مهمة جدًّا في البلدان التي تعاني مشكلات في التطور الديمقراطي، حيث لا تكون حقوق المواطنة والحريات العامة والخاصة في مقدمة أولويات الناس والأنظمة الحاكمة معًا.. كما أن الدين يلعب دورًا كبيرًا في ترسيخ الظلم وقبول الموجود والراسخ باعتباره الحل الآمن، فقبول الظلم أقل كلفة من مقاومته عندهم.
الاستفادة من السياسي كانت مباشرة في الشعر القديم حتى الستينيات، فتجد شاعرًا مهمًّا يمتدح (الاتحاد الاشتراكي) مثلًا في قصيدة يقدمها باعتبارها طليعية، إلى جانب مدح الحكام بشكل مباشر وعلني، مثل صلاح جاهين (حلوين أوي كده وحياة ربي/ يا حبايبي بقولها من قلبي) و(ناصر واحنا كلنا حواليه/ وعيون الدنيا عليه/ والنصر بيسعى إليه) إلخ ما قيل في زمن الهزيمة!
لكن الاستفادة من السياسي في القصيدة الجديدة مختلف، فالشعر الجديد لا يتورط في التأييد أو المعارضة، وإنما ينصرف إلى التعبير عن البسطاء، ووصف أحوالهم بشكل محايد بارد، دون أن يدين أحد، ربما لأن أحدًا بعينه لا يتحمل التبعات، وربما لأن المقهورين أنفسهم مشاركون في صناعة القهر والفقر، فالأمر معقد بشكل كبير.

* ما هي مسئولية الشاعر والأديب تجاه الأوضاع السياسية والمستجدات التي لاتتوقف حوله؟

- الشاعر لا يملك أدوات التنفيذ، بمعنى أنه لا يمكن أن يصدر قرارات بإنشاء مصانع ومزارع، أو يقبض على فاسدين ويحاكمهم، أو يسترد أموالًا مهربة.. الشاعر ليس لديه سلطة، لذلك فما يملكه هو الرأي والكلمة الصادقة والنصح، ليس للحاكمين فقط ولكن للمحكومين أيضًا، لأنهم هم الذين يساعدون الحكام على سلوك هذا الطريق أو ذاك، بالموافقة أو بالصمت.
كثيرون من المثقفين الذين أعرفهم يتكلمون، رغم أن كلفة الكلام تكون عالية أحيانًا، لكن المفاجأة أن الهجوم الضاري والأذى النفسي -والجسدي أحيانًا- يأتيهم ممن يدافعون عن مصالحهم وحقوقهم، فالناس بشكل عام -وليس عندنا فقط- يميلون إلى رأي الجالس على الكرسي، وبعض الدراسات تقول إن 30% من المصوتين في أي انتخابات محسومة مقدمًا لمصلحته، قبل أن يعرف هذا الناخب ما هو الموضوع، ومن هم الأشخاص، وكيف سيستفيد أو يتضرر من خطوته.

* حصلت على جائزة اتحاد كتاب مصر وجائزة أفضل ديوان شعر بمعرض الكتاب 2016.. في رأيك ما مدى أهمية الجوائز بالنسبة للمبدع ودورها في تحفيزه؟

- الجوائز مهمة لأي كاتب، فهي علامة على أنه يمضي في الطريق الصحيح، بالإضافة إلى أن القيمة المالية تساعده لا شك، لكنها ليست حاسمة في تقدير أهمية الكاتب الفائز أو ما يكتبه.
لكن الملاحظة المهمة في هذا الموضوع أن جوائز الخليج سحبت البساط من تحت أرجلنا في مصر، مثل البوكر العربية وجائزة الشيخ زايد، وكتارا، وجائزة الملك فيصل، وبعض الجوائز الخاصة مثل العويس وغيرها، رغم أننا نملك جيشًا من المبدعين، ورغم أننا نمنج جوائز بقيم مالية معقولة، لكننا نفتقر إلى رؤية ثقافية علمية، وإلى إدارة واعية تعرف كيف تدير الشأن الثقافي.
كثيرًا ما أفكر أننا لا ينقصنا المبدعون في كل المجالات، ولا تنقصنا العقول الواعية التي تملك رؤى ثاقبة، ولا تنقصنا الأموال أيضًا، لكن ينقصنا أن نختار الشخص المناسب الذي يدير ملف الثقافة بوعي، بعيدًا عن المجاملات أو إقصاء المعارضين.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك