بالفيديو.. البابا شنودة .. مسيرة وطن مصري حتى النخاع - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:13 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قال إن مصر ليست وطنا نسكن فيه بل يسكن فينا

بالفيديو.. البابا شنودة .. مسيرة وطن مصري حتى النخاع

عبد الفتاح بدوي
نشر في: السبت 17 مارس 2012 - 9:30 م | آخر تحديث: السبت 17 مارس 2012 - 9:48 م

 

 

"ليس موتٌ لعبيد الرب بل هو انتقال لتكون لهم شركة مع الله في المسيح"، رجل من أهل مصر احترمه المسلمون والمسيحيون من بسطاء هذا الشعب، كانت كلماته رغم عمقها تشعر فيها بالبساطة، ابتسامة لم تغب عنه طوال حياته، مصري حتى النخاع، يحرص على لقاء البسطاء أكثر من حرصه على لقاء النخبة، يعظهم ويقوّي الجانب الروحي في نفوسهم، إنه البابا شنودة الثالث رحمه الله.

 

رحل مساء اليوم السبت عن عالمنا البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز الـ 89 عامًا.

 

نشأته

 

ولد البابا الراحل نظير جيد روفائيل المعروف بـ"شنودة الثالث" في الثالث من أغسطس عام 1923، لأسرة تنتمي إلى محافظة أسيوط بصعيد مصر، وهو البابا رقم 117، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، فيما كان رابع أسقف أو مطران يتولى البابوية بعد الراحل يوحنا التاسع عشر (1928-1942)، ومكاريوس الثالث (1942-1944)، ويوساب الثاني (1946-1956).

 

دراسته

 

درس التاريخ بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947، والتحق بالكلية الإكليريكية، وبعد تخرجه عمل مدرسًا للتاريخ بإحدى المدارس الحكومية.

 

مشواره

 

كان نظير جيد خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة وطالباً بمدارس الأحد ثم خادماً بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينات، رُسم راهبًا باسم (أنطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء، ومنذ عام 1956 حتى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير وكرس فيها كل وقته للتأمل والصلاة، وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قسًا، وأمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، عمل سكرتيرًا خاصًا للبابا كيرلس السادس في عام 1959، ورُسِمَ أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962.

 

وبعد وفاة البابا كيرلس في الثلاثاء 9 مارس 1971 أُجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 أكتوبر، ثم جاء حفل تتويج البابا شنودة للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة.

 

كان يقضي أسبوعيا ثلاثة أيام أسبوعيا في الدير، لولعه الشديد بحياة الرهبنة، وكان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة والكنائس القبطية خارج مصر وأعاد تعمير عدد كبير من الأديرة التي اندثرت، وفي عهده زاد عدد الإبراشيات.

 

كان الراحل هو أول بابا يقيم حفلات إفطار رمضانية لكبار المسئولين بالدولة منذ عام 1986 بالمقر البابوي وتبعته في ذلك معظم الإبراشيات، وهو أول بابا يحضر حفلات إفطار رمضانية تقيمها وزارة الأوقاف ويشارك بنفسه في جميع المؤتمرات والأحداث الهامة بالدولة.

 

البابا والسادات

 

بعد اندلاع ثورة 52 على يد العسكر لم يحدث احتكاك واضح بينها وبين الكنيسة، بل لعل الأقباط كانوا وحدهم الذين نجوا من حفلات الاعتقال التي دشنتها الثورة طوال سنوات الخمسينيات والستينيات وطالت كل التيارات والاتجاهات بما فيها الشيوعيون والإخوان المسلمين، ولم يكن الأمر هنا فيه شيء من صفقة بين النظام والأقباط، وإنما جرت الأمور على طبيعتها فلم يكن للأقباط -كتجمع ديني- أي طموح سياسي بعد قيام ثورة يوليو على عكس الحال مع باقي التيارات الأخرى التي اصطدمت رغباتها مع طموح رجال الثورة، لكن الأمر اختلف في السبعينيات بعد أن اعتلى "السادات" السلطة وفي الوقت نفسه اعتلى البابا "شنودة" رئاسة الكنيسة. 

 

وبعد نصر أكتوبر عام 1973 بات "السادات" أكثر ثقة في نفسه وأكثر انفرادًا بالقرار فكان قراره الأخطر بإطلاق يد الجماعات والتيار الإسلامي -دون قيد- في الجامعات والشارع السياسي المصري لمحاربة التيار اليساري والشيوعي فكان أن تحقق له هذا بالفعل.

 

رفض البابا شنودة اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأكد ذلك بأن قرر عدم الذهاب مع الرئيس "السادات" في زيارته إلى إسرائيل عام 1977، هذا بطبيعة الحال صنع حالة عدائية من السادات تجاه البابا لأنه لم يتصور أن يخالفه أحد في قرارته بعد الحرب فما بالك إذا كان هذا هو القيادة الكبرى لكل الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية المسيحيين في مصر؟!

 

بات الصدام وشيكا.. وفي ظل اتهامات متزايدة من الأقباط بأن الدولة تغذي العنف تجاههم من قبل الجماعات الإسلامية، وعندما قام الرئيس "السادات" بزيارة إلى أمريكا كان الصدام.. إذ نظم الأقباط في أمريكا مظاهرة مناهضة لـ"السادات" رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط في مصر بأنه اضطهاد وهو بالقطع ما أضر بصورة "السادات" كثيرا فطلب من معاونيه أن يتصلوا بالبابا ليرسل من يوقف هذه المظاهرات، وعندما حدث هذا فعلا متأخرًا بعض الشيء ظن "السادات" بأن البابا "شنودة" يتحداه، فكانت أن أصدرت أجهزة الأمن قرارا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي, الأمر الذي رفضه البابا ثم قرر تصعيد الأمر بأن أصدر قرارا بدوره بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة.

 

بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب في رسالته التي طافت بكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت "احتجاجا على اضطهاد الأقباط في مصر"، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يقر فيه البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقًا، أصبحت القطيعة بين "السادات" والبابا "شنودة" هي عنوان المشهد، ولذا كان من المنطقي أن يطول العقاب البابا في أيام "السادات" الأخيرة عندما أصدر في سبتمبر عام 1981 قراره بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة، لم يكن مصير البابا الاعتقال وإنما كان تحديد الإقامة في الدير بوادي النطرون، ولعل "السادات" فعل ذلك درءا لرد فعل مضاد من قبل الأقباط.

 

البابا ومبارك

 

تقلد حسني مبارك مقاليد الرئاسة في 14 أكتوبر 1981 حيث قام في 1985 بالإفراج عن المعتقلين الذين قام سلفه السادات باعتقالهم وقابل بعضهم وكان على رأس هذا البعض "البابا شنودة"، ومن هذا اللقاء بدا واضحا أن سياسة الرئيس "مبارك" تتجنب الصدام بأي شكل من الأشكال مع الأقباط خاصة وبوصفه كان مقربا من الرئيس "السادات" بحكم منصبه كنائب له.

 

طوال فترة حكم الرئيس مبارك لم يخرج من البابا لفظ واحد ضد النظام أو الدولة ولا حتى ضد أي من ممثليه كوزراء أو مسئولين حكوميين، رغم أن فترة التسعينيات وبدايات الألفية الثانية شهدت العديد من الحوادث التي تصنف على أنها الطائفية بين المسلمين والمسيحيين الملتهبة متنوعة ما بين الاختلاف على بناء كنيسة أو خلافات شخصية عادية ثم طالت حتى الحكي عن التنصير أو الإجبار على الإسلام، في كل مرة اختار البابا الصمت أو الاعتراض بالاعتزال في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون.

 

وفاته

 

أعلن الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس يوم السبت الموافق 17 مارس 2012 وفاة البابا شنودة الثالث عن عمر يناهز 89 عاما، وأضاف في بيان رسمى: "المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يودع لأحضان القديسين معلم الأجيال قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نياحا لروحه والعزاء للجميع"، وأعلن المقر البابوى حالة الحداد لرحيل البابا واتخاذ إجراءات ومراسم الدفن التى ستبدأ عقب الانتهاء من الترتيبات الرسمية، ووصول أساقفة وبطاركة الكنيسة والإبراشيات فى بلاد المهجر، وكان البابا قد عانى من تزايد المتاعب الصحية في الفترة الأخيرة من حياته.

 

وعلى جانب آخر كشفت المصادر قيام الأنبا يوأنس سكرتير البابا بتشكيل لجنة من بعض الكهنة والعلمانيين فى سرية شديدة بصياغة لائحة جديدة لاختيار البابا المقبل تفتح التصويت أمام أكبر عدد من الأقباط للمشاركة في عملية الاختيار، فيما أعلن عن بقاء جثمان البابا داخل الكاتدرائية بالعباسية لإلقاء النظرة الأخيرة عليه قبل مراسم الدفن.

 

مصر والعالم ينعون البابا

 

وفور انتشار خبر وفاة البابا شنودة توالت رسائل التعازي من مرشحي الرئاسة ومعظم الحركات السياسية، فيما أصدر الأزهر الشريف بيانا نعى فيه البابا وذكر فيه مسيرة الرجل، وانتشرت رسائل التعزية على شبكات التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر، وكانت حركة شباب 6 إبريل وجماعة الإخوان المسلمين من أوائل المعزين، فيما تقدمت حركة سلفيو كوستا بالعزاء لأقباط مصر في وفاة البابا شنودة، وأرسلت الرئاسة الفلسطينية برقية تعازي للمقر البابوي والمشير حسين طنطاوي.

 

فيما أعرب مرشحو الرئاسة عن عميق لرحيل البابا شنودة، وقدموا خالص تعازيهم للإخوة المسيحيين، وقال حمدين صباحي: "نعزي أنفسنا والشعب المصري في وفاة رأس الكنيسة الأرثوذكسية، ورمز من رموز الوطنية المصرية فقيد الوطن البابا شنودة الثالث، فيما قدم عمرو موسى التعازي في وفاة البابا شنودة وقال: "أقدم خالص التعازي لأقباط مصر جميعا في وفاة البابا شنودة الثالث، كما أعزي الشعب المصري كله في وفاة هذه الشخصية الوطنية الفريدة"، بينما نعى الفريق أحمد شفيق، البابا بوصفه مصريا عظيما، وقيادة دينية فريدة، وعلما متميزا في التاريخ الوطني، مؤكدا أن وفاته خسارة عظيمة لمصر، وأضاف في بيان له: "فقدنا قيمة كبيرة وحبرا جليلا وشخصية وطنية حظيت بتقدير كل المصريين مسلمين وأقباط، واحترام المجتمع الدولي والشخصيات العالمية"، فيما قال المرشح المحتمل أبو العز الحريري: البابا شنودة قامة كبيرة ومن الصعب تعويضها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك