قالت مصادر دبلوماسية مصرية فى عدد من العواصم الغربية إنها استمعت من حكومات عواصم مهمة لتعبيرات واضحة حول القلق المتعلق بمسودة يجرى تداولها لقانون جديد ينظم لعمل الجمعيات الاهلية فى مصر. وبحسب احد هذه المصادر فإن «الأمر تحول من طرح تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تعتزم دعم هذا المشروع فعلا إلى تعبيرات واضحة من أن مثل هذا القانون فى حال تمريره سيستوجب انتقادات علنية واضحة».
فى الوقت نفسه، قالت مصادر دبلوماسية غربية إن رسائل واضحة تم إبلاغها على مستويات رفيعة للقاهرة حول التبعات السلبية لتمرير مسودة جارٍ التشاور بشأنها لقانون الجمعيات الاهلية، وذهبت بعض هذه المصادر إلى القول بأن القاهرة الرسمية وعدت بأن الامر مازال قابلا للتعديل، بينما قالت مصادر اخرى انه لم تكن هناك وعود صريحة ولكن إيماءات بإمكان التشاور مع بعض قطاعات التيار المدنى حول الامر.
وتتفق دوائر واسعة من المجتمع المدنى على أن مسودة القانون الجارى تداولها فى حال اقرارها ستكون معيقة وليست فقط معرقلة للعمل الاهلى، وبحسب محمد العجاتى الباحث والناشط فإن مسودة القانون الجديد تؤسس لوضع اسوأ من ذلك الموجود فى ظل القانون رقم 84 للعام 2002، سواء من حيث تبعية المجتمع المدنى للسلطة التنفيذية او فرض قيود مبالغ فيها على تلقى المنظمات الاهلية للموارد التى تسمح لها بالعمل، خاصة فى حال تلك الجمعيات الحقوقية.
ويقول العجاتى إن القانون الجديد فى حال تمريره سيمثل ضربة قاصمة لعمل المجتمع المدنى الذى كان له الدور المهم فى كشف انتهاكات حقوقية وطرح قضايا تتعلق بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية للنقاش المجتمعى خلال حكم الرئيس السابق حسنى مبارك. ويضيف أن صياغة القانون تعبر عن احد امرين اما عدم وعى بطبيعة دور المجتمع الاهلى او عن رغبة واعية لخنق منظمات المجتمع المدنى لتكميم الأفواه.
وبحسب احمد حشمت، الناشط والحقوقى، فإن المستهدف فعلا من القانون الجديد الجارى النقاش حوله هى تلك الدوائر الحقوقية الفاعلة التى تعمل فى مجال حقوق الانسان من خلال مكاتب حقوقية او مراكز طبية تتولى متابعة مثلا حالات من يتعرضون للتعذيب من خلال الاجراءات القانونية او من خلال توفير الرعاية النفسية والطبية عموما. «بحسب القانون الجديد فإن هذه الجهات العاملة والتى كان لها دور واضح فى فض الجرائم الحقوقية التى كانت تترتكب فى عهد مبارك سيكون عليها أن تغير وضعيتها من خلال عملية قانونية قد تسمح وقد لا تسمح لها بالعمل، وبالتالى فالهدف واضح، أن النظام الحالى ليس مستعدا حتى لأن يسمح للجهات المدافعة عن حقوق الانسان أن تعمل فى ادنى الحدود»، كما قال حشمت.
وبحسب عماد جاد الحقوقى والناشط فإن الترويج المجتمعى للقانون الجديد سيعتمد على الادعاء بدعاوى التخوين بل والعمالة على منظمات المجتمع المدنى بحجة حصولها على تمويل اجنبى «رغم أن هذا التمويل يأتى من خلال جهات مانحة معنية بدعم حقوق الانسان فى العالم». ويقول جاد، إن مواجهة هذه المسودة لن تتم بالضغط السياسى والدبلوماسى فقط ولكنها ستتم بالاساس من خلال توعية الرأى العام المصرى ليكون مساندا ونصيرا لمنظمات المجتمع المدنى.
وبحسب المصادر المصرية الدبلوماسية فى الخارج فإن مسألة قانون الجمعيات الاهلية المزمع تمريره يثير علامات استفهام كبيرة فى برلمانات غربية ــ بما فيها الكونجرس الامريكى ــ حيث تتم مطالبة الحكومات باعادة النظر فى علاقاتها مع النظام المصرى الذى، بحسب البرلمانيين المعنيين، يبدو عازما على ممارسة قمع افظع من ذلك الذى كان فى عهد الرئيس حسنى مبارك.
غير أن مصادر حكومية مصرية متطابقة لفتت إلى أن الغضبة الحقيقية فى الغرب إزاء قانون المنظمات الاهلية لا يرتبط بالمنظمات الوطنية قدر ارتباطه بالقيود التى يمثلها بصورة مباشرة وغير مباشرة على عمل منظمات معتمدة فى الخارج فى مصر بدون حصولها على اعتماد وطنى فى مصر. ويقول احدهم «إن القبول بمثل هذا الامر هو اختراق مباشر للسيادة الوطنية ولا يمكن القبول به، وهذا الامر لا يتعلق بنظام الاخوان او نظام مبارك فهو يتعلق بالدولة المصرية ومصالحها».
وبحسب المصادر التى تحدثت للشروق فإن واشنطن تبدو الجهة الاكثر دعما وحماسا فى حث القاهرة على ابداء مرونة فى اتجاه تعديل مسودة القانون بعد التشاور مع الجمعيات الاهلية المصرية. ويقول احد المصادر إن الامر كان محل حديث مباشر بين وزير الخارجية الامريكى جون كيرى فى زيارته لمصر قبل اسابيع وكل المسئولين الرفيعين الذين التقاهم فى مؤسسات الحكم والسياسة المصرية.
وكانت ازمة قد غيمت على العلاقات المصرية الامريكية فى صيف العام الماضى، اثناء الحكم الانتقالى للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، على خلفية توقيف مواطنين مصريين وامريكيين يعملون فى منظمات اهلية غير حاصلة على ترخيص وطنى تحت دعاوى محاولات خرق متقضيات الامن القومى المصرى وانتهى الخلاف بإنهاء اعتقال المتهمين الامريكيين ومغادرتهم مصر.