تضاربت الروايات خلال الأيام الماضية عن الاشتباكات التى صاحبت فض اعتصام انصار الرئيس المعزول محمد مرسى بميدان رابعة العدوية يوم الأربعاء الماضى، والتى سقط فيها مئات القتلى والجرحى، وتبادل طرفا الأزمة «قوات الأمن وأنصار محمد مرسى»، الاتهامات بشأن من كان السبب فى اشتعال شرارة البداية.
«الشروق» كانت شاهد عيان ورصدت وقائع فض الاعتصام والتى بدأت مع أول ضوء عقب فجر الأربعاء الماضى، وبدأت قوات الأمن التى انتشرت بشكل كثيف فى الشوراع المحيطة بالميدان بدعوة أهالى المنطقة إلى عدم الاقتراب من النوافذ، لتجنب الإصابة أو الاختناق، كما دعت عبر مكبرات الصوت المعتصمين إلى إخلاء الميدان، وعدم مقاومة القوات، وهو ما لم يستجب له أنصار الرئيس المعزول، وقرروا وقف تقدم قوات الأمن.
السابعة والنصف.. البداية
كانت البداية الأولى للاشتباكات الدامية التى وقعت صباح الأربعاء الماضى بين قوات الأمن والجيش، وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى المعتصمين بميدان رابعة، حينما سقط أكثر من 5 قتلى بأيدى قناصة اعتلوا العقارات السكنية بمحيط رابعة بشارع الطيران فى تمام الساعة السابعة والنصف من صباح الأربعاء، بعدها كثف أنصار المعزول من هجومهم على قوات الأمن بالرصاص الحى وطلقات الخرطوش التى أصابت عددا كبيرا من جنود الأمن والضباط فردوا عليهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحى الذى أسقط عددا كبيرا من المتظاهرين المؤيدين لمرسى بجوار المنصة الرئيسية بميدان رابعة.
الثامنة إلا عشر دقائق
فى تمام الساعة الثامنة إلا عشر دقائق، وقع مجند أمنى مركزى على الأرض على بعد 30 مترا من مكان منصة اعتصام رابعة مصابا بطلق نارى فى الصدر من سلاح آلى من ناحية أنصار الرئيس المعزول، فكثفت قوات الأمن إطلاق الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع من ناحية شارع يوسف عباس وشارع الطيران وحاصرت المعتصمين الذين هربوا وتجمعوا فى الشوارع الجانبية بمحيط مسجد رابعة العدوية وقاموا بحمل المصابين والقتلى إلى المستشفى الميدانى خلف مسجد رابعة.
الثامنة والربع
فى الثامنة والربع، تصاعدت حدة الاشتباكات وألقى أنصار مرسى الحجارة وأطلقوا الخرطوش على قوات الأمن، فردت قوات الأمن بالقنابل المسيلة للدموع، واستمرت عمليات الكر والفر، وحطم أنصار مرسى حجارة الأرصفة لاستخدامها فى الاشتباكات ووقع العشرات مصابين من الجانبين، وشكل أهالى شارع الطيران لجانا شعبية وحاولوا منع أنصار مرسى من الدخول إلى الشارع، إلا أنهم فشلوا فى ذلك.
التاسعة صباحًا
فى التاسعة، انضم سكان رابعة إلى قوات الأمن التى تفض الاعتصام وألقوا القبض على عدد من أنصار مرسى حاولوا اقتحام العمارات السكنية واعتلائها لمواجهة قوات الأمن، كما هاجم أنصار الإخوان قوات الأمن التى ردت عليهم بقنابل الغاز، وطلقات الصوت فى الهواء لتفرقتهم، وكونت كردونا أمنيا بمنتصف شارعى يوسف عباس والطيران، ووضعت قوات الجيش الأسلاك والحواجز الحديدية بمنتصف شارع الطيران لمنع وصول مؤيدى المعزول لميدان رابعة، وحاول عدد من أنصار الرئيس المخلوع اقتحام الحواجز الأمنية لكنهم فشلوا، فأشعلوا النيران فى الإطارات وتكونت سحابة سوداء بميدان رابعة.
العاشرة إلا الربع
فى العاشرة إلا الربع، تصاعدت الاشتباكات، بعد أن سقط ما يقرب من 50 من أنصار الرئيس المعزول قتلى برصاص قوات الأمن وتم وضعهم فى خيام خلف المنصة الرئيسية بالميدان وبالمستشفى الميدانى، وهو ما أثار غضب واستياء مؤيدى مرسى الذين اعتلوا أسطح العقارات السكنية بمحيط مركز رابعة العدوية الطبى، ليطلقوا منها الرصاص على قوات الأمن والجيش بشارع الطيران وسقط 4 قتلى من قوات الأمن.
وناشد أنصار مرسى ممن يعتلون أسطح العمارات زملاءهم والمتواجدين برابعة العدوية ألا يشيروا إليهم حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم وتقتلهم قناصة الداخلية حسب قول أحدهم، الذى قال نصا: «يا جماعة محدش يشاور على إخواننا إللى فوق العمارات علشان محدش ياخد باله منهم ويبوظلنا الخطة، إحنا مات منا كتير، والداخلية مش هتسيبنا، وياريت كل واحد يتصل بأهله فى المحافظات يقولهم ينزلوا الشارع ويتظاهروا قدام أقسام الشرطة لأننا بنموت هنا ولازم الناس تحتج على اللى بيحصلنا ده».
رصدت «الشروق» أحد أنصار المعزول يحمل بندقية آلى كان يخفيها فى سجادة للصلاة ودخل بها إحدى العقارات السكنية المطلة على شارع الطيران.
عند صلاة الظهر
مع صلاة الظهر، ازدادت حدة الاشتباكات مع وصول عدة مسيرات لأنصار مرسى من مناطق متفرقة بمدينة نصر، وأصيب كثيرون برصاص حى بعد أن اعتلى أشخاص الأسطح، قال عنهم أنصار مرسى إنهم قناصة أمن.
بعد الظهر
بعد صلاة الظهر، وعقب وصول مسيرات إلى محيط رابعة، كثف مؤيدو المعزول من هجومهم والاشتباك مع قوات الأمن، وأحرقوا الكثير من إطارات السيارات والأخشاب، بعد أن قطعوا معظم الأشجار فى الشوارع الجانبية القريبة من مسجد رابعة، وأعلن فى هذا الوقت مسئول المستشفى الميدانى سقوط نحو 300 قتيل، وهو ما أكده القيادى الإخوانى محمد البلتاجى خلال كلمته من فوق المنصة الرئيسية بالميدان، حيث عاودت عملها بعد انسحاب قوات الأمن والجيش لمنتصف الشوارع المؤدية إلى ميدان رابعة وفرضت كردونا أمنيا ووضعت الأسلاك الشائكة ومنعت دخول أى شخص لمقر الاعتصام.
عقب صلاة العصر
عقب صلاة العصر، استعدت قوات الأمن لفض الاعتصام كاملا بعد أن أبقت على المنصة الرئيسية وبعض الخيام خلفها، وألقت قوات الأمن قنابل غاز كانت تحدث صوتا عاليا للغاية، أرعب المعتصمين، واعتقد البعض إنه انفجار لأسطوانات غاز، لكنهم اكتشفوا فى النهاية أنه نوع جديد من قنابل الغاز، وبعدها هرب عدد كبير منهم للشوارع الجانبية بعد أن يئس بعضهم خاصة بعد سقوط الكثير من القتلى والمصابين برصاص الامن.
الساعة الخامسة
فى الساعة الخامسة، تمكنت قوات الشرطة والجيش من فض الاعتصام بشكل كامل، وتمكنت من الوصول الى المسجد والمنصة الرئيسية، حيث هدمتها وأزالت الخيام والتحصينات، وأحرقت الخيام، ورشقها أنصار مرسى بالمولوتوف مما أسفر عن امتداد النيران الى مسجد رابعة وإحدى الخيام التى كان بها جثث قتلى مؤيدين لمرسى بجوار المنصة، بطريقة غير مقصودة من الطرفين، وحاول أنصار مرسى إخماد الحريق إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب الغازات المسيلة للدموع التى أطلقتها قوات الأمن بالقرب من المسجد، وحاول أيضا جنود الأمن إطفاء الحريق بالمسجد إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لأن أنصار المعزول كثفوا من هجومهم على الأمن فى محاولة منهم لاستعادة مقر الاعتصام.
وخلال ذلك، قضت النيران على محتويات المسجد وتفحمت بعض الجثث فى إحدى الخيام وقامت لوادر الجيش بإزالة الخيام وهرب معظم مرسى للشوارع الجانبية فيما ظل قليلون يشتبكون مع قوات الأمن وأشعلوا النيران فى إطارات السيارات والأشجار التى قطعوها من الشوراع الجانبية، ونقلوا بعض المصابين والقتلى إلى المستشفى الميدانى التى ناشدت الجميع بتزويدها بالأدوية الطبية التى نقصت بشكل ملحوظ بعد زيادة أعداد المصابين.
الخامسة والنصف
مع دقات الساعة الخامسة والنصف نقل مؤيدو مرسى المستشفى الميدانى إلى شارع أحمد حسنى القريب من ميدان رابعة، ونقلوا عشرات المصابين بإصابات تنوعت بين طلق نارى وطلق خرطوش وجروح قطعية نتيجة تبادل الرشق بالحجارة، وحالات إغماء، فيما تم نقل ذوى الإصابات الحرجة إلى أقرب مستشفى بسيارات إسعاف تواجدت بمحيط رابعة.
قبيل المغرب
تجمهر مئات من أنصار مرسى بشارع أحمد حسنى بعد أن طردتهم قوات الأمن من محيط رابعة، ونظموا مسيرات جابت الشارع، رددوا خلالها هتافات مناهضة لوزيرى الدفاع والداخلية، ووزع البعض زجاجات المياه وأطعمة عليهم، وقام شخصان يرتديان «بدلة كاملة»، بتوزيع مئات المعلبات من العصائر وزجاجات المياه المعدنية وبعض وجبات الطعام الجاهزة.
وخلال ذلك، أغلق سكان منطقة رابعة أبواب عقاراتهم تحسبا لأى هجوم عليها، وشكلوا لجانا شعبية لحماية المنازل ورفضوا التستر على أعضاء الإخوان وأنصار مرسى الذى حاولوا الاختباء فوق أسطح بعض العقارات.
صلاة المغرب
مع صلاة المغرب، انتظم الآلاف من أنصار مرسى فى مسيرة بشارع أحمد حسنى، بعد طردهم من رابعة، واليأس من العودة إليه مرة أخرى، وسيطرت مدرعات وقوات الأمن والجيش عليه، وانطلقت المسيرة إلى مسجد الإيمان بشارع مكرم عبيد بعد أن قال أحد قيادات الاعتصام: «يا إخواننا سوف ننظم مسيرة من هنا إلى مسجد الإيمان لنعتصم هناك بعد أن قُتل شبابنا فى الميدان وطردنا منه».
وخلال المسيرة، حملوا بعض القتلى الذين لقوا مصرعهم فوق الأكتاف، ونقلوا بعض المصابين بدراجات بخارية، كما نقلوا المستشفى الميدانى عبر سيارة ربع نقل، وخلال المسيرة خرج أحد الأشخاص يصرخ فى سكان مدنية نصر ويقول: «شوفوا شهداءنا ياللى فوضتوا السيسى علشان يقتل إخوانا ذنب الناس ديا فى رقبتكم حسبى الله ونعم الوكيل فيكم يا خونة».
وتزامن وصولهم إلى مسجد الإيمان مع صلاة المغرب، فأدوا الصلاة وتمركزوا أمام المسجد وأعلنوا الاعتصام ووضعوا عشرات الجثث داخل المسجد وشكلوا مستشفى ميدانيا لعلاج المصابين وطالبوا بإمداد المستشفى ببعض الأدوية وبعض الأطباء نظرا لكثرة المصابين، وقام بعضهم بقطع الطريق بشارع مكرم عبيد، كما حطموا بعض سيارات الأجرة والخاصة المارة بالشارع، وأجبروا قائدى السيارات على تغيير خط سيرهم إلى بعض الطرق الجانبية المتفرعة من شارع مكرم عبيد.
ثم ظهرت مسيرة تضم مئات المتظاهرين من بداية شارع مكرم عبيد إلى مسجد الإيمان هتف خلالها المتظاهرون ضد وزير الدفاع ورددوا هتافات: منها: «إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية، هى لله هى لله»، وفور وصولها إلى محيط المسجد ردد أنصار الرئيس المعزول هتافات « الله أكبر الله أكبر، إسلامية إسلامية».
صلاة العشاء
استمرت الهتافات حتى صلاة العشاء وقام أنصار مرسى بتجهيز مقر جديد للاعتصام أمام مسجد الإيمان، وطالبوا الجميع بالتعرف على الجثامين التى وضعوها بالمسجد لتسليمها إلى أهلها لدفنها حيث كان هناك الكثير من الجثث غير معروفة الهوية ولم يتم التعرف عليها.
وسيطرت قوات الجيش والشرطة على محيط ميدان رابعة تماما واستمرت طائرات القوات المسلحة فى التحليق فوق سماء رابعة، وألقت قوات الأمن القبض على عدد منهم.