خالد محمود يكتب من مهرجان أبو ظبي السينمائي: مباراة سينمائية لرد اعتبار مشاعر الجمهور - بوابة الشروق
الإثنين 8 يوليه 2024 2:31 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(دجاج بالبرقوق) صورة إنسانية تجعلك شريكا في رسم ملامح نهايتك.. و(السيد لزهر) جزائري مبهر في مجتمع لا يرحم

خالد محمود يكتب من مهرجان أبو ظبي السينمائي: مباراة سينمائية لرد اعتبار مشاعر الجمهور

لقطة من فيلم الافتتاح (السيد لزهر)
لقطة من فيلم الافتتاح (السيد لزهر)
خالد محمود
نشر في: الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 11:45 ص | آخر تحديث: الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 2:39 م

«القصص موجودة حين نتذكرها».. لم يكن هذا مجرد عنوان طرحه المخرج جوليان موراتف في فيلم يحمل الجنسية البرازيلية والفرنسية والأرجنتينية، بل هو شعار وحقيقة لمعظم ما تطرحه شاشة السينما العالمية في مهرجان أبو ظبي، فالأفلام تأخذ من المشاهد وترد تحاول أن تعيده إلى الحياة مرة أخرى وتعيد ترتيب أفكاره حتى ولو تربعت فكرة الرحيل والموت على عرش أولوياته حتى يشعر بالراحة.

 

تخترق الأفلام بحق كهف الأحلام المنسية، وتنفض عنها غبار الزمن ولعنته، وهي تضع مشاهديها تحت خيارين لا ثالث لهما، إما أن تحب نفسك أو لا تحبها، وهو ما يعني المواجهة مع مجتمع لا يرحم ضحاياه، إذا ما امتلكهم الخوف وعدم الرغبة في تقرير مصيرهم.

 

وجاء فيلم افتتاح مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي في دورته الخامسة، ليقر من جديد نظرية الأمل، وكان عرضه في الهواء الطلق بمثابة مساحة رحبة للتفكير وإطلاق العنان في واقع وحاضر ومستقبل، فبطل فيلمنا الكندي «السيد لزهر» الذي يدعى بشير لزهر لاجئ جزائري يأتي إلى كندا ليصبح معلما بديلا لمجموعة من الطلاب المصدومين بحق بعد انتحار معلمتهم أمام أعين البعض في المدرسة، ويحاول أن يسعى للتعايش رغم مأساته التي يحملها معه كل يوم.

 

على مدار العام الدراسي يقتحم بشير قلوب وعقول الأطفال في رؤية تعليمية رائعة، بحق فهو يصاحبهم ويحكي لهم القصص ويبرز طاقاتهم الإبداعية ويصالح أحلامهم على الحياة، لدرجة أنني تمنيت لو أصبح التعليم في بلدي هكذا، لا حقائب ثقيلة، لا مقررات «رزلة»، المدرس والتلاميذ يذوبون في عالم واحد من المعرفة، وكانت الرسالة التي يطرحها المخرج فيليب فالاردو ذكية للغاية، حيث طرح فكر المواطن العربي الجزائري برغبة شديدة في أن هذا المواطن لديه حضارة وثقافة ورؤية، ويكن أن يكون مؤثرا على أجيال الغرب عبر سيناريو ساحر مؤثر ومعبر عن الشقاء والحب وخسارة وحسرة المدرس الجزائري من أنه لا يستطيع أن تقبله البلد، وعليه أن يرحل فور انتهاء العام الدراسي، وبدأ الفيلم الذي ينافس على جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي، وتألق فيه عنصرا الإيقاع والتمثيل، وكذلك أداء الأطفال الرائع، ليكون بمثابة استنهاض جديد لصراع الحضارات، والمدرس هنا كان يحاول أن يعطى الأطفال منهجا حياتيا لا شخصيا أو أيديولوجيا، كان يعلمهم كيف ينسون أحزانهم، كيف يفكرون بالقلم، كيف يتخيلون عالما أفضل حسب قدرتهم الذهنية.. كان المدرس يحاول أن يقول للجميع إنه يفعل الصواب، لكن حلمه يبقى ناقصا، فلم تستطع كندا أن تمنحه البقاء، وكأن الهدف يحتاج لأكثر من محاولة.

 

بهذا الفيلم وغيره يبدو أن مهرجان أبو ظبي السينمائي الذى يديره الأمريكي المخضرم بيتر سكارليت قد تخطى الأمركة فهو لغة سينمائية مغايرة مثلما شاهدنا الفيلم الرائع «دجاج بالبرقوق» وهو فرنسي ألماني بلجيكي.. وكأن السينما الجميلة لم تعد لها جنسية واحدة.

 

فإن صناعها مثل متلقيها لهم هم مشترك، ذابت الجغرافيا وبقى تاريخ مواطن اليوم.. وكيف ينظر للحياة مهما كانت همومه بسيطة أو معقدة؟

 

وأعترف أنني فور خروجي من العمل السينمائي البديع صورة وحوارا والمدهش تمثيلا وإخراجا، ووقائع وخيال، قد عشت لحظة سعيدة، افتقدتها كثيرا خلال الفترة الماضية، وقد كنت أؤمن أن السينما وحدها كفيلة بتغيير النظر للحياة، مثلما أؤمن بالقضاء والقدر.

 

كنت أدرك أننى سأعثر على فيلم يمكنه أن يبكيني ويضحكني يسعدني ويشعرني بقليل من الأحزان في نفس واحد.. يشعرني أنني أعيش وأتنفس، وهذا هو ما فعله معي بطل «دجاج بالبرقوق».

 

الفيلم تدور أحداثه فى إيران، وبدا مخرجاه مورجان ساندابي، فنسان بارانو، شديدا الذكاء حينما بدآ بمشهد ربما بمثابة رسالة، فبطلنا ناصر على عازف الكمان المبدع الشهير ويلتقي في الشارع بحبيبته بعد فراق أكثر من ربع قرن، ليناديها: إيدان هل تذكريني؟ فتقول له: لا، ألم تعرفينني؟ فترد: إطلاقا، وتتركه وتذهب مع حبيبها.

 

كان المشهد ملهما رمزيا، إذا اعتبرنا أن المواطن الإيراني ناصر على الذي جال العالم يعزف تتنكر منه حبيبته، وعاد الفيلم ليروى قصة الرجل على طريقة الفلاش باك.. قصة موته بعد عشرة أيام قضاها فى السرير ينتظر الموت برغبته، قرر أن يهجر الحياة.. وظل يبحث عبر صور فانتازية كوميدية عن وسيلة مريحة وشيك للموت ولم يجد سوى هجر البشر وزوجته وأولاده والطعام والبقاء في السرير.. ورغم أن راوي الفيلم أخبرنا بموته مبكرا، إلا أننا كنا في كل مشهد نرى الرجل ينبض بحياة وحلم ويأس وحب وهجر، وكأنها مفردات إنسان حقيقي، فلا يوجد إنسان في عصرنا هذا يحيا دون معاناة دون روح حتى لو كان حلمه هو الرحيل.

 

وناصر على العازف الماهر تزوج بدون حب رغم أن زوجته حلمت به لسنوات كفارس أحلام، وأنجب ولدا وبنتا.. كان لا يعيش سوى لفنه، وكالعادة تشعر الزوجة المثالية منزليا أنها تفتقد الزوج الكلاسيكي الذي يشاركها المسئولية، فتقوم بالتخلص من ضرتها «آلة الكمان» وتكسرها، وهنا ينكسر معها قلب ناصر وما تبقى من عواطف تجاه زوجته، إلا أن يلتقى بفتاة إيران يحبها وتحبه بجنون، لكن والدها يرفض زواجه منها بحجة أنه مجرد عازف، ويترك ناصر البلد لسنوات طويلة لكن إيران كانت دوما في قلبه فهي الحب والوطن، ويقرر ناصر هجر الجميع والبقاء في السرير يقابل عزرائيل ملك الموت ويحاول أن يهرب منه، لكن لا أحد يستطيع أن يهرب من الموت، ويحكى له عزرائيل قصة عبر مشاهد ساحرة محمومة ورسوم متحركة قصة رجل ذهب إليه عزرائيل ليخطف روحه فاستنجد بأنه لا يريد الموت وعليه الذهاب إلى الهند، وهناك التقى عزرائيل وسأله الرجل إذن لماذا لم تأخذ روحي أمس، فقال له لأنه كنت انتظرك في الهند وكان عليك أن تموت بها.

 

أما قصة اسم الفيلم «دجاج بالرقوق» فهي تعود لأكلة ناصر المفضلة من يد زوجته فعندما كان مستسلما للحدث حاولت أن تعيده لقلبها فعملت له الأكلة وطلبت منه أن يسامحها وهو ما يفعله. واقع الأمر أن الفيلم الذي شهدنا به أداء تمثيلا وصور جمالية شهد أيضا حوارا إنسانيا شجيا عن قصة الموت والحياة، أم ناصر مريضة فتطلب من ابنها ألا يصلى من أجلها حتى تموت وهو عندما شعر أن الموت تأخر عنه نجده يقول «من المؤكد أن هناك أحد يصلى له» وبالفعل نجد ابنه يصلى له ويتمنى أن يتوقف الابن عن الصلاة لأجله حتى يرحل، وكما كان مشهد البداية بين ناصر وإيران نراه مرة أخرى في النهاية، لكن اللقطة التي لم تظهر في البداية وشهدناها هي أن إيران بعد أن قالت له لم أعرفك وقفت تبكى على الحائط وتقول ناصر على حبيبي.. وكأنها كوطن للقلب والعقل والآلام لا تعترف بمن تحب سوى فى وجدانها فقط.. تاركة الباب مفتوحا أمام حلم لم يكتمل ويأس نضجت صورته ونهاية نرسم جزءا من رتوشها بإرادتنا نحن.

 

الفيلم عرض بمهرجان البندقية السينمائي ويشارك في المسابقة الرسمية لـ"أبو ظبي"، ولم يكن هو الوحيد الآتي من مهرجانات السينما العالمية الكبرى، فقد حرصت إدارة المهرجان الذكية على اختيار مجموعة من أجمل وأهم الأفلام التي طرحت على شاشات مهرجانات العالم لتكون وجبة سينمائية غنية لمواطنى المهرجان ومنها الإيرانى «انفصال نادر وسيمين» الذى عرض ببرلين، والأمريكى «منتصف شهر مارس» بطولة وإخراج جورج كلونى، «وإذا وقعت شجرة»، «قصة جبهة تحرير الأرض» الذى عرض فى مهرجان صندانس و«إيلينا» الروسى من كان، وأتمنى اليابانى من تورونتو، والبحر الأصفر الكورى الجنوبى من كان، والسويدى «بهلوانيات فتاة» من برلين و«بوليس» الفرنسى من كان، وهنا نذكر ما قاله بيتر سكارليت مدير المهرجان عن هذه الأفلام أنها فرصة رائعة لاكتشاف مجموعة من القصص والشخصيات.

 

بينما أشار الناقد وصاحب العين الذكية فى اختيار الأفلام انتشال التميمى بأن المهرجان سعى لأن يضع بين أعين مشاهديه وجبة سينمائية تمزج كل مفردات الحياة من أفكار ومشاعر.

 

وأنا أقول فى النهاية إن هذه الأفلام مبادرة رد اعتبار لمشاعر المشاهد.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك