بينما فتحت ثورة يناير الأبواب لمستقبل أكثر إشراقـًا للاقتصاد المصرى، بعيدا عن السيناريو السوداوى لامتداد نظام مبارك أو توريثه لنجله، ساهم ارتباك الحياة السياسية ومحاولات إعاقة عملية التحول الديمقراطى فى عرقلة النشاط الاقتصادى. «الشروق» حاورت عددا من مديرى أبرز الكيانات الاستثمارية العاملة فى مصر، والتى نجحت فى تحقيق اداء مالى متماسك رغم حالة الركود، لتتعرف على استراتيجيتهم للبحث عن الفرصة فى قلب الأزمة، ورؤيتهم لتأثير التحولات السياسية على المستقبل الاقتصادى لمصر.
حين حاورته «الشروق» فى أعقاب ثورة 25 يناير، عقب حريق متجر المجموعة الأساسى والأكبر «كارفور المعادى»، والاعتداء على فرع الإسكندرية، عبر هيرفيه ماجيديه، رئيس كارفور مصر، عن ثقته فى سرعة تعافى الاقتصاد المصرى وعن قدرة المجموعة على مواجهة هذه التحديات المؤقتة. وبالفعل نجحت المجموعة بنهاية عام 2011 فى التماسك وتحقيق هامش الربح المستهدف لها. «الشروق» حاورت ماجيديه بعد عام من الثورة للتعرف على استراتيجية المجموعة خلال الأشهر الماضية ورؤيتها المستقبلية.
● كيف نجحت سلسلة كارفور فى التماسك خلال عام الثورة، وما الإجراءات التى اتبعتها الإدارة للحفاظ على توازنها المالى؟
ــ تعرضت سلسة كارفور لخسائر كبيرة عقب الثورة، وتعرضنا لكثير من الضغوط التى كان لها أثر سلبى على نشاطنا مثل حظر التجوال الذى كان سببا فى نقص المعروض لدينا، بالإضافة إلى تعاقب الحكومات المختلفة الذى عرقل كثيرا من الأنشطة الخاصة بنا نتيجة ــ مثلا ــ عدم قدرتنا الحصول على التصاريح المطلوبة. كل هذه الضغوط رأيناها طبيعية وقررنا تحملها كونها نتيجة مؤقتة لرغبة الشعب وإرادته الحقيقية فى الديمقراطية، ولكن الأمور لم تسِر فى هذا الاتجاه، فلا يزال نشاطنا يعانى كثيرا من الضغوط حتى الآن نتيجة غياب الأمن، والاختناقات المرورية التى تحول دون تحقيق معدل التدفق الطبيعى للجمهور إلى متاجرنا. ذلك بالإضافة إلى التحول الذى شهده سلوك المواطن ليكتفى بالإنفاق على شراء المواد الأساسية، والاستغناء عن الرفاهيات، مما يؤثر مباشرة على حجم المبيعات لدينا.
فبالرغم من زيادة متوسط عدد الزائرين بـ9.5% خلال الربع الأول من العام الحالى مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، فإن نسبة المشتريات تراجعت بنسبة 14% خلال نفس الفترة.
● وكيف استطاعت كارفور تعويض خسائرها فى ظل هذه الظروف الضاغطة؟
ــ لقد توجهنا نتيجة هذه الضغوط إلى تقليص بعض النفقات، من خلال تقليل ــ على سبيل المثال ــ الدعاية الإعلانية من جهة، بالإضافة إلى العروض المتتالية لكارفور، وانخفاض هامش الربح الخاص بنا، الذى يجعل منا مقصدا لجميع طبقات المجتمع. كل هذا سمح لنا بتحقيق معدل الربح الخاص بـ2011، وذلك دون تخفيض الرواتب، أو الاستغناء عن أى من العمالة، بالإضافة إلى صرف الأرباح.
بالإضافة إلى ذلك، فقد رصدنا طفرة فى شراء المواد التكنولوجية مثل المحمول والكمبيوتر، والتليفزيون، نجحت فى تعويض الركود فى شراء السلع الهندسية.
● وهل أثر ذلك على خطتكم التوسعية فى السوق المصرية؟
ــ أبدا، فهذه المشاكل مؤقتة، ونحن على دراية مؤكدة بذلك، ولهذا فالإدارة حرصت على الالتزام بخطة التوسعات، بل ونستهدف التسريع بها أيضا.
العديد من المستثمرين ينتظرون نتيجة الانتخابات لاتخاذ قرار الاستثمار فى مصر من عدمه، ولكن ليس هذا موقفنا. لقد افتتحنا العديد من الفروع فى 2011، فى الاسكندرية، ومصر، ونستهدف سلسلة من التوسعات الجديدة خلال 2012 ليكون لنا فى مصر بنهاية 2012، 7 سلاسل من المتاجر الكبيرة (هايبر ماركت) و13 من السلاسل الصغيرة (كارفور اكسبريس). فاليوم سنقوم بافتتاح ثانى كارفور اكسبريس لنا فى المنتزه بالإسكندرية، وفى يونيو، ثانى هايبر ماركت لنا هناك أيضا فى العروبة، بينما سنفتتح فى نوفمبر فى مدينة الشروق بالقاهرة، سابع هايبر ماركت لنا فى مصر. بالإضافة إلى ذلك، نحن نستهدف خطة توسعية فى بعض المحافظات، مثل الغردقة وطنطا والمنصورة، لوجود منافسين لنا هناك. وهذا ليس إلا إيمانا منا بأهمية السوق المصرية الواعدة، فالنقاط الإيجابية له لا تزال موجودة، خاصة مع ما يتمتع به من كثافة استهلاكية عالية، وموقع مصر المتميز.
● إلى أى مدى تقلقكم التحولات السياسية فى مصر، خاصة مع سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم؟
ــ أنا لست قلقا نهائيا، فهذا اختيار الشعب المصرى وعلينا أن نحترمه. بالإضافة إلى ذلك، فمصر بجميع تياراتها، تعمل على تشجيع مجتمع الاعمال والاستثمارات. وهذا الاتجاه ليس من المتوقع أن يتم تغييره حتى فى حالة وصول الإسلاميين إلى الحكم، خاصة مع احتياج مصر فى المرحلة القادمة إلى تشجيع مناخ الأعمال فى مصر. ولذلك لا أريد أن اخوض فى هذا الجدل الدائر، وكل ما يهمنى هو نص القوانين، والإجراءات الفعلية، فهناك نقاط أهم يحتاج إليها المستثمر حاليا مثل ضرورة الإسراع فى عودة الأمن، بالإضافة إلى وجود إطار قانونى يكفل له حقوقه.
● هل مطالبات ثورة 25 يناير من ضرورة وضع حد ادنى للأجور، بالإضافة إلى زيادة فاتورة الضرائب على رجال الأعمال، تضايقكم كمستثمر؟
ــ وضع حد أدنى للأجور ضرورة من ضروريات نجاح أى كيان استثمارى واقتصادى، ليس فى مصر فقط، بل فى أى بلد فى العالم، لأنه ضمان لتوفير عيشة كريمة للعامل تحثه على الاتقان فى عمله والإخلاص فيه. ومن هنا، فعلى كل صاحب عمل مراعاة ظروف عامليه وتوفير حد أدنى من الأجر يحقق له هذه المعادلة. الحياة فى مصر صعبة وغالية، ولذلك فأى عامل لا يستطيع أن يعيش شهره براتب 700 أو الـ800 جنيه فقط، فهذا لن يكفيه خبزا وفولا، فهناك تكلفة المواصلات، والعلاج، والتعليم وغيرها. أما عن الضرائب، فأنا عن نفسى أتمنى أن أدفع عشر مرات قيمة الضرائب التى أدفعها الآن، فهذا يعنى أننى سأحقق أرباحا أعلى، وهذا دور مجتمع الاعمال تجاه اقتصاد الدولة.
● هل كان لمشكلة الحكومة المصرية مع عمر الفطيم أى تأثير سلبى على نشاطكم فى مصر؟
ــ ليس لمجموعة كارفور، التابعة لماجد الفطيم، أى شأن بهذه القضية ولم ولن تؤثر على نشاطنا فى مصر. فقد شهد عصر ما قبل الثورة كثيرا من الاختراقات القانونية نتيجة لانتشار الفساد وتداخل المصالح بين رجال الاعمال والحكومة المصرية، وهذا ما يبت فى أمره القانون حاليا، وهو حق للدولة، ويجوز لها مقاضاة مخترقى القانون واسترداد حقوقها فى حالة ثبات أى مخالفات.
رابحون فى زمن الركود (3)
رابحون فى زمن الركود (2)
رابحون فى زمن الركود (1)