حذر خبراء قانونيون من صياغة المواد الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية، فى الدستور الجديد، واعتبروها تكرس لديكتاتورية حكم الفرد، التى استغلها نظام مبارك من خلال الصلاحيات الممنوحة للرئيس فى دستور 1971.
المواد التى انتهت من صياغتها لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية فى الدستور تتضمن 20 مادة توضح شروط الترشح لمنصب الرئاسة، وطريقة الانتخاب، كما حددت أيضا صلاحيات الرئيس التى لم تبتعد كثيرا عن صلاحيات مبارك، وفقا لتعبير المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق.
المواد التى تحدثت عن دور الرئيس فى اختيار رئيس الوزراء وتعيين الوزراء ونوابهم، ودوره فى إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة مجلس الوزراء، وإبرام المعاهدات، قال عنها الجمل إنها «تكرار لاختصاصات الرئيس فى دستور 71»، مضيفا «الحجم الكبير لهذه الاختصاصات التى ينفرد بها الرئيس دون موافقة رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء ومجلس النواب والشيوخ يؤكد أن النظام أميل للنظام الرئاسى ولا توجد مشاركة فى السلطة».
وشدد على أن اختيار الحكومة لابد أن يكون من الحزب الحاصل على الأغلبية فى البرلمان، وتابع «لو مرت النصوص كما هى دون مشاركة مجلس الوزراء والبرلمان بمجلسيه فى الاختصاصات الأساسية التى يتولاها الرئيس إذا استمر الوضع على هذا النحو يعتبر تمهيدا بوجود ديكاتور جديد بنفرد بالسلطات الكبرى فى إدارة شئون الوطن وهذه بداية تقنن انفراد الرئيس بالسلطة.
وكان برنامج حزب الحرية والعدالة قد نص فى الجزء الخاص بالنظام السياسى: «يرى برنامجنا أن النظام البرلمانى (على المدى البعيد) هو الأنسب لظروف البلاد إذ يقوم هذا النظام على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويوجد فى هذا النظام رئيس دولة يسود ولا يحكم، ورئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم، إضافة إلى البرلمان، والتوازن النظرى بين السلطات نتيجة المساواة بين السلطتين وتبادل المعلومات والرقابة والتأثير والتعاون، ومع ذلك فالنظام الأنسب لمصر فى هذه المرحلة الانتقالية هو (النظام البرلمانى الرئاسى)».
كما أن الرئيس محمد مرسى قال أيضا فى أحد مؤتمراته الانتخابية قبل جولة الإعادة، إن الحزب كان يستهدف نظام الحكم البرلمانى إلا أنه رأى بعد الأحداث المتلاحقة وبالتوافق مع عدد من القوى السياسية الأخرى أن الأفضل لهذه المرحلة الانتقالية «نظام برلمانى رئاسى مختلط»، تمهيدا لتحويله إلى النظام البرلمانى، واقترح تطبيق النظام المختلط لمدة 5 سنوات يتم خلالها اقتسام اختصاصات الحكومة والبرلمان ورئيس الجمهورية.
من جانبه اعتبر المستشار الجمل أن أسباب تراجع الإخوان المسلمين عن موقفهم وميل الدستور الجديد فى رأيه للنظام الرئاسى «رغبة التحالف الإخوانى السلفى للسيطرة الكاملة على سلطات الدولة المختلفة وإعادة هيكلة هذه السلطات حيث يتم أخونة النظام بأكمله ويتفق هذا مع المبادئ التى سبق وحددها من قبل سيد قطب فى كتاباته ممارسات الإخوان منذ تشكيلها تميل لنظام هرمى شديد الصرامة فى الضبط والربط ومبنى على السمع والطاعة».
أستاذ القانون الدستورى، دكتور حسام عيسى، أوضح لـ«الشروق» أن النظام الرئاسى يعنى الفصل التام بين السلطة التشريعية والتنفيذية مثل ما هو مطبق فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويكون الوزراء بمثابة مساعدين لرئيس الجمهورية، الذى يرأس السلطة التنفيذية ولا يملك البرلمان محاسبة الرئيس والوزراء.
اما النظام المختلط فيختار الرئيس الحكومة من حزب الأغلبية وعادة يسمح للرئيس بحل البرلمان، بحسب عيسى.
أستاذ القانون، دكتور محمد نور فرحات، أكد تحفظه على عدد من المواد خلال حديثه مع الشروق، خاصة المادة التى تمنح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ، بعد موافقة مجلس الوزراء، وعرض الإعلان على مجلس النواب خلال 7 أيام.
وقال فرحات «علينا بعد الثورة أن نفكر تفكيرا أكثر انحيازا لحرية المواطن»، داعيا لإلغاء قانون الطوارئ واستبداله بنص يتيح اتخاذ إجراءات استثنائية ويعرض الأمر بصورة عاجلة على مجلس الشعب، محددا الحالة التى تستدعى الإجراءات وتحديد الاجراءات المطلوبة ونطاقها الزمنى والجغرافى، ويصدر قانون مؤقت.
وانتقد فرحات فلسفة هذه المواد التى تتيح للرئيس صلاحيات ولا توضح طرق المحاسبة والمساءلة كما كان الأمر فى دستور 1971، ودعا لتدارك الأمر ووضع أساليب للمحاسبة.
اما عن إمكانية دعم هذه المواد لحكم فرعونى ديكتاتورى جديد قال فرحات «هذه المواد لا تقيد الرئيس الفرعون، ولكن الامر كله مرتبط بطريقة تطبيق الدستور ومدى احترام المؤسسات المختلفة له»، مستشهدا بدستور 1971 الذى كان يتضمن مواد جيدة ولكن لم يتم احترامها.
ودعا أستاذ القانون لتقوية دور المحكمة الدستورية العليا وعدم المساس بالرقابة اللاحقة على القوانين تحت أى ظرف وتقوية دور البرلمان فى الرقابة على السلطه التنفيذية.
مختار العشرى، رئيس اللجنة القانونية بحزب الحرية والعدالة دافع عن النصوص المقترحة موضحا أنها لم تصل بعد للمرحلة النهائية للصياغة، وقال «لا يمكن الحكم على طبيعة النظام السياسى من خلال هذه المواد بعيدا عن قراءة المواد المنظمة للبرلمان ومجلس الوزراء».
فى الوقت نفسه استنكر العشرى دعوات محاسبة البرلمان للرئيس وقال «هل يجوز لبرلمان منتخب محاسبة رئيس منتخب؟ لا يجوز والمساءلة للوزارة فقط».
وأكد العشرى أن من الطبيعى تشكيل الحكومة من حزب الأغلبية رغم أنه لم ينص عليها فى صراحة، إلا أنه «أمر بديهى»، وفقا لتعبيره.
واعتبر أن مادة الطوارئ مقبولة إلا أنه فضل تقييد مدتها الى 6 أشهر فقط ويجرى تجديدها من خلال الاستفتاء، وقال «نحن ننفخ فى الزبادى لاننا عشنا فى ظل الطوارئ من سنة 1948 ولم ترفع حالة الطوارئ الا أشهر قليلة فى عهد السادات».
ورفض العشرى الاتهامات الموجهة للإخوان المسلمين بالتراجع عن النظام البرلمانى وقال «مستحيل النظام البرلمانى هو الأمثل لكن لظروف البلاد وقرب عهدها بالدكتاتورية لابد من مرحلة وسيطة، هى مرحلة المختلط الأشبه بالبرلمانى»، مضيفا «الجمعية التأسيسية تمثل المجتمع المصرى وما تتوافق عليه الجمعية نحن موافقون عليه».