هى المرة الرابعة التى احتاج فيها حزب الحرية والعدالة إلى بعث رسالة تطمين إلى رجال الأعمال بأن أعمالهم ومصالحهم آمنة، ولا خوف على استثماراتهم إذا جاءت حكومة تحمل الإخوان إلى كرسى الوزارة. وربما كان اعتلاء اثنين من كبار رجال الأعمال المنتمين إلى الحزب منصة اتحاد الصناعات وهما القيادى الحزبى حسن مالك، أحد مالكى فروع شركة أثاث شهيرة، وعصام الحداد، أحد منظمى أشهر معرض لمواد البناء والمستشار الاقتصادى للحزب، وجلوسهما جنبا إلى جنب مع ممثلى أكبر منظمات أعمال فى مصر، جلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات، وحسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال، وأحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية، كان فيه من التطمين ما يكفى، ومن الدلالة ما لا تخطئها العين.
وبدت الرسالة واضحة من أن المصالح واحدة. وظهر المشهد وكأن الإخوان ورجال الأعمال إيد واحدة. «سنحرص على أن يكون بين اتحاد الصناعات ولجان الحزب حبل سرى. ولدينا ملفات بمشروعات قومية منذ 10 سنوات. وأنتم خير من ينفذها» على حد قول محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة والذى تحدث على أن الحزب يؤيد السياحة الهادفة الجادة فى سياق الرد على رجال الأعمال.
وقد جرى الاجتماع الذى استمر ساعة ونصف الساعة، وحضره ما يزيد على 200 من رجال الأعمال، على ما يرام، خاصة أنه كان قد سبقه اجتماع مغلق لمدة ساعة ونصف الساعة بين رؤساء المنظمات الثلاث وبين ممثلى الإخوان، تمكنوا خلاله من حل بعض الخلافات الهامشية التى ربما لم يرغب الطرفان فى خروجها إلى العلن فى الاجتماع الذى عقد مساء أمس الأول.
طبق الأصل
وبدا المشهد فى القاعة وكأنه طبق الأصل ما كان يتم قبل ثورة يناير من لقاءات بين أعضاء اتحاد الصناعات، وأعضاء فى حكومة الحزب الوطنى. عندما كان رجال الأعمال يحرصون على توزيع الكروت الشخصية على مسئولى الحكومة، والتأكد من تسلم المسئول الحكومى للمذكرات التى كانت تضم مطالب بعضهم، وهو المشهد الذى تكرر مع قيادات الحرية والعدالة، رغم انهم يمثلون فقط حزبا حائزا على الأغلبية ولم يتسلم السلطة بعد. وربما ساعد على تماثل المشهد أن الاجتماع عقد فى ذات القاعة داخل الاتحاد، التى كانت تجمع رجال الأعمال وأعضاء الحزب الوطنى لسنوات، إلى جانب الشعور الذى انتاب الجميع بأنهم فى حضرة الوزارة الجديدة.
لذلك لم يكن مستغربا أن يطلب محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسجية بالاتحاد، من محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة، والذى جلس متصدرا المنصة، وكأنه يتحدث إلى رئيس الوزراء أو وزير الصناعة المشرف على اتحاد الصناعات يطلب استبعاد كل فلول النظام السابق خاصة من كانوا أعضاء فى لجنة السياسات فى الحزب الوطنى (فى إشارة إلى جلال الزوربا رئيس الاتحاد) وهو أحد رجال الأعمال المقربين من الحكومة السابقة. واستطرد قائلا «إن هؤلاء يتولون قيادات منظمات الأعمال، ويتقربون من الحكومة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وليس لمصلحة البلاد. ولا يصح بعد الثورة أن يجلس فى المواقع القيادية من يحمل فكرا لا يتناسب مع الواقع الثورى الجديد» على حد قول المرشدى.
وعندما حظيت كلمات المرشدى بتصفيق بعض المعارضين للزوربا داخل القاعة لم يجد رئيس حزب العدالة بدا من أن يقول موجها حديثه للمرشدى «أشكرك على نصيحتك ولا يمكن أن نتغافل عن الجرائم التى ارتكبت فى حق مصر فى العهد السابق». ولكن عندما فهم بعض رجال الأعمال المتعاطفين مع الزوربا أنه موافق على فكرة الاستبعاد وجه أحدهم سؤالا مباشرا لمرسى «هذا التوجه بداية غير مبشرة لكم. ليس كل من تعاون مع النظام القديم يجب أن نستبعده. فكيف توافق على استبعاد من لم يثبت عليه أية اتهامات؟»، فأسرع مرسى بالرد «أنا لم أوافق على استبعاد أحد لم يثبت أنه ارتكب جرما. فليس كل من تعامل مع النظام السابق فاسد، حتى ولو كان ينتمى إلى لجنة السياسات» تبعا لرئيس حزب العدالة. وحظى الرأى المخالف ايضا بتصفيق. وكأن القاعة تريد أن تعلن عن انقسام بين الإبقاء على رئيس الاتحاد أو تغييره.
وقد خرج المرشدى من الاجتماع ليعلن أنه سيعقد مؤتمرا صحفيا اليوم يعلن فيه عن السياسات الخاطئة للزوربا التى تهدم صناعة النسيج لتحقيق مصالح شركاته، وكيف أن رئيس الاتحاد تربح من منصبه على حد قول رئيس غرفة الصناعات النسجية.
موعد مع الصندوق
أمر آخر ساعد على تماثل المشهد مع ما قبل الثورة، إذ بدا حديث قيادات حزب الحرية والعدالة وكأنهم بالفعل يحكمون «لدينا مشاريع معدة. ولدينا فريق عمل فى الأقصر من أجل العمل على تطوير السياحة. وفريق آخر يجرى اتصالات مع شركات إسبانية لمعرفة ما يجرى فى العالم» تبعا لمرسى.
وبينما كانت قيادات من حزب الحرية والعدالة تملأ قاعة اتحاد الصناعات، وسط احتفاء من الأعضاء ووسائل الإعلام، كان فى نفس الوقت عدد آخر يجتمع مع بعثة صندوق النقد الدولى، التى كانت عائدة من اجتماع مماثل لها مع كمال الجنزورى، رئيس الوزراء، وحكومته. وكان هذا تفسيرا من البعض لتغيب القيادى عصام العريان، أمين عام الحزب، عن الحضور والذى كان مقعده شاغرا على المنصة. وهو ما يترك إحساسا عاما بأنهم يملأون الساحة عن آخرها.
ويعد هذا الاجتماع الرابع الذى يحرص فيه الحزب على يطمئن رجال الأعمال أنه ليس هناك أى تغيير فى السياسة الاقتصادية. فقد اجتمع من قبل مع جمعية رجال الأعمال، والغرفة الأمريكية، وقبلهما مع عدد من أعضاء غرفة المنشآت السياحية. وبينما كانت قيادات الحزب تحرص فى المرات السابقة على الحديث حول أوضاع السياحة، إلا أنه فى هذه المرة تحدث محمد جودة، المتحدث الرسمى للجنة الاقتصادية للحزب، عن مجمل الأوضاع الاقتصادية.
«الحزب يحترم الحرية الاقتصادية الكاملة، ويبنى سياسته على احترام الملكيات العامة والخاصة والتعاونية، مع العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية،. ويمكن الاعتماد فى ذلك على مؤسسات الوقف والزكاة، التى يمكن أن توفر 60 مليار جنيه، نوجهها إلى مشروعات صغيرة. ولدينا علاج لعجز الموازنة عن طريق إعادة النظر فى اتفاقيات الغاز، التى يمكن أن تحقق وفرا يصل إلى 20 مليار جنيه. ولابد من إعادة النظر فى دعم الصادرات دون وقفه، ولكن للتأكد من أوجه صرفه. ونحن نهدف إلى ادماج الاقتصاد غير الرسمى والذى يمكن أن يوفر 400 مليار جنيه. أما عن مشكلة الأموال المعطلة فى البنوك فيمكن أن نلجأ إلى صكوك التمويل الإسلامية طويلة الأجل والتى يمكن أن تساهم فى تمويل العجز فى الموازنة.
وبالرغم من أن المتحدث باسم اللجنة الاقتصادية تحدث كثيرا عن العدالة الاجتماعية إلا أنه لم يتطرق إطلاقا للحديث عن رأى الحزب فى الضرائب التصاعدية، أو فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية التى تتحقق من البورصة، أو فرض حد أدنى، وأقصى على الأجور، وهى الموضوعات التى طرحتها بعض القوى السياسية الأخرى. كما أن أحدا من القيادات لم يرد على طلب من عضو من اتحاد الصناعات بإلغاء اتفاقية الكويز مع اسرائيل.