"تواجد ثلاثة أصدقاء قدامى، هم المتحدث باسم وزارة الصحة يحي موسى، والاستاذ بجامعة الازهر رضا محمدي، وأستاذ الكيمياء الحيوية ياسر طه، أمام دار الحرس الجمهوري قبل دقائق من صلاة فجر الاثنين، 8 يوليو، الذى شهد أحداث دموية تضاربت بشأنها الروايات".
بهذه الكلمات، استهلت صحيفة جارديان البريطانية تحقيقا صحفيا مطولا أجراه محررها بالقاهرة باتريك كينجسلي، عن تلك الأحداث.
وتابعت الصحيفة في التحقيق الذي نشر على موقعها الإلكتروني أمس الأول، "في غضون ساعة، توفى طه برصاصة في الرقبة، وأصيب محمدي برصاصة في فخذه وفقد الوعى، وأصيب موسى في ساقيه". وأضافت: "أصبح الثلاثة، ضحايا لأكثر مجازر "الدولة" دموية منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، والتى راح ضحيتها، وفق التقديرات الرسمية، 51 قتيل و435 مصابا، فيما قتل جندي ورجلي أمن".
ووفقا لرواية القوات المسلحة الرسمية للحادث، هجم 15 عنصرا إرهابيا مسلحا يستقلون دراجات نارية على دار الحرس الجمهوري، وأطلقوا النار وحاول الأفراد اقتحام المبني، ما لم يترك للجنود خيار غير الدفاع عن المبنى، على حد قول الصحيفة.
لكن التحقيق الصحفي الذى استمر لأسبوع، وشمل 31 مقابلة مع ناجين من الحادث وشهود عيان ومصادر طبية فضلا عن تحليل الفيديوهات التى وثقت الحادث، أنتهى إلى أنه "لا دليل على اتهام القوات المسلحة لإرهابيين بمحاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري"، وأشار إلى رواية جديدة، تفيد بأن قوات الأمن شنت هجوما منظما على مجموعة من المتظاهرين السلميين والعزل".
وأكد كيسنجلي في تقريره أنه رغم كل الشهادات وتحليل الفيديو فإن الغموض مازال قائما حول من بدأ المواجهة مع التأكيد على أن الجيش استخدم القوة المفرطة في هذه الأحداث
وفيما يلى أهم نقاط التحقيق كما اوردتها الصحيفة التى نوهت إلى أن الجيش رفض أربع طلبات لاجراء مقابلات مع الجنود الذين تواجدوا في مكان الحادث.
الدعوة إلى الصلاة
دعا الأمام للصلاة في تمام 3.17 دقيقة فجر الاثنين، وكان الهدوء يسيطر على منطقة الاعتصام أمام دار الحرس الجمهوري، كما وقفت مجموعة من الجنود مكتوفة الأيدى خلف سياج من الأسلاك الشائكة، فضلا عن غرق عدد من المعتصمين في سبات عميق.
إلا أن معظم المعتصمين تجمعوا للصلاة، وملأوا تقاطع صلاح سالم والطيران وشارع جانبي طوله نصف ميل، يؤدي إلى مسجد رابعة العدوية.
"كان الوضع هادئا"، بحسب المسعف الشاب مصطفى حسنين، الذي تابع حديثه قائلا: " المتظاهرين كانوا يصلون والجيش التزم الهدوء، وبعض أفراده تحدثوا مع المتظاهرين من خلف الأسلاك".
وما حدث بعد ذلك محل جدل كبير، إلا أن معظم شهود العيان أكدوا حدوث هجوم على الاعتصام قبل الـ 3.30، بالتزامن مع الركعة الثانية والأخيرة في صلاة الفجر.
وقال موسى، في شهادة متطابقة مع كثير من الشهادت الأخرى، "في الركعة الثانية، سمعنا ضوضاء مصدرها الاعتصام، لذا توقف الأمام عن الدعاء وانهى الصلاة بسرعة".
وفي آخر منطقة الاعتصام، بدأ عدد من المتظاهرين الدق على الحواجز ببقطع معدن، للتحذير من هجوم وشيك.
الجيش يتحرك
مائتي متر إلى الغرب من بؤرة الأحداث، وفي شقة في أحد المباني العالية، استيقظ سيف جمال من النوم على صوت الضجة الأتية من مقر الاعتصام. مهندس أربعيني ليس منتميا إلى أي اتجاه سياسي، وفضل استخدام اسم مستعار خوفا من انتقام الأمن.
وقال جمال إن "العديد من المدرعات المحملة بالجنود وصلت إلى مكان الحادث، وتوقفت على بعد مائة متر من دار الحرس الجمهوري". واستطرد: "بدأت قوات الأمن اطلاق القنابل المسيلة للدموع، قبل أن تطلق طلقات نارية"، مؤكدا أنه لم يتأكد حينها من نوعية تلك الطلقات، وهل هى رصاص حى أم لا؟.
هنا، جلب جمال كاميرا وبدأ تسجيل المشهد منذ الـ3.26، وتم رفع الفيديو فيما بعد على "موقع يوتيوب".
وفي بداية الفيديو، كان الهواء ملبدا بالغازات المسيلة للدموع، وظهر تجمع للمتظاهرين بالقرب من الحاجز الغربي للاعتصام لاستكشاف ما يجري".
فيما ركض المتظاهرين الذين انهوا لتوهم صلاة الفجر، في اتجاه المتاريس الشرقية، بالقرب من مسجد السيدة صفيه، حيث تحدث مجزة اخرى.
وأكد محمدي ذلك قائلا، "بعد انهاء الصلاة، ركضنا إلى مصدر الضوضاء لأننا أعتقدنا أن هناك بلطجية، وعندما وصلنا للمكان وجدنا قوات الأمن تطلق الغاز المسيل للدموع، ثم بدأ الجنود في السير نحونا وهم يطلقون النار".
وعاد جمال وأكد أنه شاهد الحادث كاملا، نافيا حدوث أي استفزازات من قبل المتظاهرين أو وجود دراجات نارية في المكان، ومشيرا إلى أن قوات الأمن هى التى بدأت بالهجوم.
وتابع جمال: "لم أرى مع المتظاهرين غير العصى، ولم يهاجموا قوات الأمن"، مضيفا: "لقد كانوا يصلون، وجاءت قوات الأمن ببطئ واستهدفتهم؛ إنها خطة".
وفي روايات مضادة لما ذكره جمال، قالت إحدى شهود العيان، وتدعى نهى أسعد، إن "قوات الأمن ردت باطلاق النار بعد محاولة المتظاهرين إزالة المتاريس أمام دار الحرس الجمهوري، فيما أكدت الصحفية ميرنا الهلباوي، أحد سكان منطقة الحادث، أن المتظاهرين بدأوا الهجوم أولا.
إلا أن أطباء المستشفي الميداني القريبة من رابعة العدوية أكدوا أن أول قتيل وصل إليهم في تمام 3.45، في حين أن الهلباوي قالت في حوار مع الجارديان، إنها لم تطل من شرفتها قبل 3.46، ما يثير شكوك حول قدرتها على تحديد البادئ بإطلاق النار.
وفي الدقيقة 3:28 من الفيديو الذي صوره جمال، يظهر أحد المتظاهرين يطلق النار باتجاه قوات الأمن، إلا أن الأصوات الواضحة في الفيديو تؤكد أنها ليست الطلقة الأولى.
دماء في الشارع
قال يحي محفوظ، الذي يعمل مدرسا بمدينة سوهاج، "مع اقتراب قوات الأمن من الاعتصام، وقفت في مكاني لابلاغهم بأن النساء والأطفال يصلون، إلا أن أحد الجنود ضربني بسلاحه فسقطت على الأرض ثم تناوب 9 جنود آخرين على ضربي بالعصى".
وفي الفيديو الذى صوره جمال، يظهر رجل يتعرض للضرب من مجموعة من الجنود وهو ملقى على الأرض.
أما عن مركز الاعتصام، فقد عم الهرج والمرج، وهرع الأباء للبحث عن أطفالهم، فيما استيقظ النائمون لسماع القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد وهدان، وهو يطلب من الجنود أن يرحموا المحتجين السلميين.
وفي الاثناء، وبالاخص بعد أن دقت الساعة 3:30، شكل 30 شخصا من بينهم موسى، سياجا بشريا لحماية مدخل نادي الحرس الجمهوري. وقال موسي، "كنا نريد التأكد من عدم ألقاء أي شيء على الدار حتى لا يستفز الجنود".
وتابع: "بعد دقيقتين، ارتدى الجنود أقنعة الغاز، وخرجت مصفحتين من داخل دار الحرس الجمهوري، ثم بدأ الجنود في اطلاق الغاز المسيل للدموع على أخر الاعتصام، قبل أن يطلقوا بشكل افقي وفي متوسط قامة الانسان، ما أسفر عن إصابة عدد من المتظاهرين.
وفي ناحية اليمين، اخترق قوات الأمن دفاعات الاعتصام، وبدأت في اطلاق النار، بحسب موسى. ووفقا للموجودين في المكان، بدأ السقوط السريع والكثيف للضحايا.
وقال المتظاهر محمد عبد الحافظ، أنه استيقظ من نومه على صوت الضوضاء، ليصاب برصاصه في معدته.
ووسط الفوضى، فر أكثر من 100 متظاهر إلى أقرب برج سكني، يقرعون أقرب الأبواب، ويطلبون المأوى والخل، علاج الغاز المسيل للدموع، وأرسلهم السكان إلى السطح قبل أن يتم القبض عليهم في وقت لاحق.
وبعد ساعة، اتصل التلفزيون بموسى المصاب، للحديث معه عن عدد الضحايا، في اجراء دوري عقب كل حادث، فأكد لهم وجوده في المكان وأن ما يحدث مجزرة، قبل أن تقطع القناة الارسال ويتم فصل الرجل من وظيفته لنشره أخبار كاذبة.
أول جثة تصل إلى المستشفى الميداني
فيما وصلت أول جثة غلى المستشفى الميداني في تمام الساعة 3:45 ، قال مسعفون أن المشتشفى تلقت حتى 4:00، 3 جثث، وبين 3:30 و7:30، تلقت 12 جثة 450 مصابا.
الفوضى تضرب صلاح سالم
مع دقات الرابعة فجرا، بدأ الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن، وهرع الأباء والأمهات في كل الاتجاهات للبحث عن أولادهم، وحاول المتظاهرين الركض في جميع الاتجاهات للهروب من الغاز المسيل للدموع وطلقات الرصاص.
حرب شوارع
وتناول تقرير الصحيفة البريطانية قضية القناصة التي تحدث عنها كثير من ضحايا المأساة حيث نقلت عن أحد أطباء المستشفي الميداني في رابعة العدوية القول إن قناصة اعتلوا أسطح مبان تابعة للقوات المسلحة وأطلقوا منها الرصاص على المتظاهرين وهو ما ظهر من خلال طبيعة الإصابات.
ونقلت الصحيفة عن شاهد عيان وهو المصور إبراهيم رؤوف الذي قدم نفسه بأنه لا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وكان مع شقيقه الذي كان يشارك في الاعتصام أمام نادي الحرس الجمهوري. وعندما بدأت الأحداث أطلق أحد القناصة رصاصة ارتدت من الأرض لتصيب شقيقه في المعدة. ولم يجد سوى المستشفى الميداني في رابعة لإسعافه خوفا من الذهاب به إلى المستشفيات المجاورة بسبب الأمن.
وفي تمام الـ4:30، انتقلت الأحداث إلى شارع الطيران، حيث أطلق القناصة النار على المتظاهرين الذين ردوا بالقاء الحجارة وبناء الحواجز واشعال النار في الاطارات لحماية اعتصام رابعة العدوية الرئيسي.
كما أظهر فيديو للجيش، ثلاث من مؤيدي مرسي يطلقون النار على قوات الأمن، وبضعة أشخاص يطلقون "الملوتوف" فضلا عن عدد من الأفراد أعتلوا أسطح البنايات وألقوا أحواض ومراحيض على الأمن.
إلا أن الجيش استمر في استخدام القوة المفرطة، ضد مجموعة من المتظاهرين العزل.
المعركة تنتهي
توقف القتال في تمام الـ7.00، بعد ثلاث ساعات ونصف من بدايته، وأسفر عن 54 حالة وفاه، إلا أن الأمر لم ينتهى عند ذلك، حيث عثر صباح الأربعاء على جثة مهندس من الغردقة يدعى فريد شوقي، ملقاه في شارع الطيرن وبها اثار تعذيب واضحة وصدمات كهربائية.