“بيحبسونا على الفاضي وبيتهمونا من غير إثبات.. عندي 15 سنة واتحبست 3 شهور احتياطي بتهمة تكدير السلم العام.. أمناء الشرطة كانوا بيعتدوا علينا بالضرب وبالإهانة، أوقات كان الجنائيون بيعتدوا جنسيًا على المحبوسين على ذمة قضايا سياسية”.
الكلمات السابقة كانت لـ”خالد عبد الرحمن – 15 عامًا”، المولود في عام 1998 لأب وأم يعملان طبيبان، حظه العاثر قاده لشيء لم يأتِ بباله، فوفقاً لما رواه لـ”بوابة الشروق”، كان خالد متوجهاً إلى أحد دروسه بصحبة أصدقائه يوم 5 يناير 2014 وكان على مقربة منه مسيرة لعدد من أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي، وجد نفسه مقبوضًا عليه ليمضي ثلاثة أشهر في الحبس الاحتياطي بدار كوم الدكة بالإسكندرية.
“خالد” واجه اتهامات بتكدير السلم العام والانتماء لجماعة محظورة والاعتداء على المال العام، قبل أن يخرج بكفالة قدرها خمسة آلاف جنيه.
وتابع: “خلال فترة تواجدي بكوم الدكة رحلونا إلى المؤسسة العقابية في القاهرة لمدة 9 أيام وكانت من أصعب الفترات.. كنا ننظف الحمامات ونتعرض للضرب من الجنائيين.. مكنش في أكل غير وجبة واحدة الصبح عبارة عن عيش وجبنة، والأكل الأساسي كان من أهلنا في الزيارات، لأن دار كوم الدكة مش بتقدم وجبات أو بتقدمها رديئة جدًا”، على حد قوله.
2000 طفل تقريبًا واجهوا الحبس الاحتياطي
وعند الحديث عن أرقام الأطفال المحبوسين احتياطيًا، قال أحمد مصيلحي، المستشار القانوني لائتلاف حقوق الطفل، إنه لا يمكن الحديث عن أرقام محددة للأطفال المحبوسين احتياطيًا بشكل عام، لأن هناك منهم من خرج بعد مدة قصيرة، وآخرون خرجوا بعد شهور، وهناك من ظل سجينا حتى الآن”.
وأضاف: “لكن هناك نحو 2000 طفل تم القبض عليهم وحبسهم احتياطيًا منذ 30 يونيو 2013 إلى 30 يونيو 2014، منهم من خرج ومنهم لا يزال قيد الحبس”.
واستكمل حديثه، قائلا إنه في عهد مرسي كان هناك ما يقرب من 1000 طفل تم القبض على معظمهم بميدان التحرير، وحبسهم احتياطيًا، ولا يزال هناك نحو 200 طفل من سن 15 إلى 18 عامًا على قيد الحبس الاحتياطي إلى الآن في المؤسسة العقابية في المرج، ويوجد أطفال آخرون في سجن المنيا العمومي والمنصورة والإسكندرية.
مخالفة لقانون الطفل
مصيلحي ذكر لـ”بوابة الشروق”: “كل ما يحدث من حبس احتياطي للأطفال يخالف المادة رقم (116) من قانون الطفل، والتي تقول إن الطفل يجب أن يكون احتجازه في أضيق الحدود ولفترة ليست طويلة، كما تنص المادة 116 مكرر على أن كل من يحبس طفلا مع بالغ يعاقب بالحبس لمدة سنة، وهو أمر يحدث كثيرًا”.
ورأى أن هناك تنسيقًا واضحًا بين وزارة الداخلية والنيابة والقضاء، فبمجرد القبض على الأطفال يذهبون إلى النيابة التي كان من المفترض أن تصبح محايدة وتنوب عن المجتمع في تحقيق العدالة، ولكنها تأخذ ما تقوله الداخلية بدون مراجعة وتصدر أمرًا بالحبس الاحتياطي وبذلك تفقد أساس العدل، على حد قوله.
وأشار إلى أنه عند تجديد الحبس الاحتياطي لا بد من سماع النيابة لكل متهم بمفرده وتسأله “هل ارتكب تلك الجريمة أم لا؟”، وبناء عليه تتخذ القرار، ولكن ذلك الحق مهدر ويتم تجديد الحبس للمتهمين بـ”الجملة”، مضيفًا: “الحبس الاحتياطي في مصر الآن أصبح بديلاً للاعتقال لأنه يتم بناء على أمر الشرطة التي أصبحت في يدها عصا سحرية تجعل بإمكانها القبض على أي شخص”، حسب تعبيره.
وفيما يتعلق بالتهم السياسية الموجهة إلى الأطفال، قال مصيلحي إنها نفس التهم الموجهة إلى البالغين وهي التجمهر والانضمام إلى جماعات إرهابية وقلب نظام الحكم والاعتداء على موظفين عموميين.
عوار في قانون الطفل
محمد المغربي، محامي المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة، أكد أنه منذ 30 يونيو 2013 وحتى أغسطس الماضي يوجد 120 طفلا بالإسكندرية محبوسين احتياطيا على ذمة قضايا، 90% منها سياسية في مقدمتها “خرق قانون التظاهر والتعدي على قوات الأمن”.
ويفرق المغربي بين الحبس الاحتياطي للأطفال وبين الإيداع، بالإشارة إلى أن الحبس الاحتياطي للأطفال يكون فوق 15 عامًا، أما من هم دون ذلك فيطبق عليهم ما يعرف بـ”الإيداع” الذي لا تزيد مدته على أسبوع، ويحق للنيابة مد المدة.
وأضاف لـ”بوابة الشروق” أن أحكام الحبس الاحتياطي للأطفال من “15 لـ18 سنة” تتم وفقًا لقانون العقوبات، واصفًا هذا الإجراء بـ”العوار الكبير في قانون الطفل”، الذي يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل، لافتًا إلى أن الحبس الاحتياطي يستخدم كعقوبة لأن هناك أطفالا محبوسين احتياطيا منذ يناير الماضي، بينما قانون الطفل ينص على سرعة تحويل القضايا للمحاكمة حتى لا تطول فترة الحبس الاحتياطي.
وتساءل “المغربي”، قائلا: “بعد أن يتم إخلاء سبيل الأطفال، من يعوضهم عن بُعدهم عن أهاليهم ودراستهم؟.. وما الهدف من استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة؟”
بالقانون.. لجنة يرأسها المحافظ
وفيما يرتبط بالطرق القانونية للتحقيق مع الطفل، ذكر محامي المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة أنه من المفترض تشكيل لجنة عامة في كل محافظة يرأسها المحافظ، وفي كل قسم شرطة لجنة فرعية ما، ومن المفترض أن يكون في كل قسم باحث شرطي يجلس مع الطفل ويعمل تقرير له يرصد ما إذا كان يحتاج للعقاب أو الافراج عنه في الحال، إلا أن تلك اللجنة ليست موجودة في كل المحافظات، وأغلب الشروط القانونية الواجب توافرها عند التحقيق مع الطفل لا تكون متوافرة.
“دار كوم الدكة والمؤسسات العقابية التي يحتجز بها الأطفال تابعة في الأساس لوزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة الداخلية تتولي شئون التأمين فقط، إلا أن ذلك لا يحدث، والداخلية هي التي تتولى شئون أماكن احتجاز الأطفال، ما يتسبب في مردود سلبي على الأطفال لأنهم يتعاملون مع ضباط شرطة، بينما هم من المفترض أن يتولى مسئوليتهم باحثون اجتماعيون ونفسيون”.
مواد غير مفعلة
مها مأمون، عضو عضو الحملة الشعبية لحماية الطفل، اعتبرت قانون الطفل الذي رأى النور في عام 2008 طبقًا لاتفاقية حقوق الطفل الموقعة عليها مصر 1991 “جيدًا”، إلا أن العديد من المواد به غير مفعلة، منها ما يتعلق بالحبس الاحتياطي، ابتداء من طريقة القبض، وصولاً إلى أماكن الاحتجاز التي يحدث بها انتهاكات أكثر من السجون العادية.
وأشارت إلى وجود أمراض بالسجون وغياب أنشطة للأطفال داخل المؤسسة وانخفاض عدد الأخصائيين الاجتماعيين بالنسبة لعدد الأطفال، موضحة أنه لابد من مراعاة عدة أمور، أبرزها نوع الطفل وسنه وجريمته.
تأثير يمتد للمجتمع
فيما قالت الدكتورة نعمات علي، مسؤول ملف الأطفال في مركز النديم، إن التأثير السلبي على الأطفال لا يبدأ من لحظة القبض عليهم وإيداعهم في السجون، وإنما تبدأ من الوقت الذي بدأ الطفل فيه يتعرض للعنف، ويشاهد أحداثا سياسية تتسم بالعنف.
وأضافت لـ”بوابة الشروق”: “يجب ألا نحاسب الأطفال بغض النظر عن توجههم السياسي، قبل أن نعرف أحداث العنف التي تعرضوا لها، والتي غالبًا ما تكون قد سببت لهم صدمة نفسي”.
ونبهت على أن الآثار السلبية التي يكتسبها الطفل من عملية القبض عليه وإيداعه السجون لا تؤثر عليه وحده وعائلته، وإنما لها تأثر كامل على المجتمع بأكمله حتى لو لم يكن له بالطفل علاقة مباشرة: “ماذا سيكون رد فعل الأم التي ترى أطفالها يتم القبض عليهم وإيداعهم السجون؟.. ستخاف على ابنها وتفرض مزيدًا من القيود عليه، وسيزيد ذلك من انتشار الأمراض النفسية”.
وعن تأثير السجن على الأطفال، أوضحت أنه يختلف من شخصية لأخرى فالبعض يميل للعزلة والبعض يشعر بالخوف والبعض يميل إلى العنف، كما يتوقف هذا على من خالطهم.
“طبيعي أن الأطفال يكتسبون سلوكيات جديدة لأنهم يخالطون داخل السجون من هم أكبر منهم سنًا.. أنت ممكن تطلع من السجن ده عدو ليك طول العمرلأنه هيفكر لما أنا معملتش حاجة واتعمل فيا كل ده .. أومال لو عملت؟!”
إذا فما البديل؟
يعود محمد المغربي، محامي المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة، ليؤكد أن هناك بدائل للحبس الاحتياطي في قانون الطفل، فهناك ما يسمى بـ”التدابير” في القانون تتمثل في توجيه توبيخ للطفل، أو تسليمه لأهله أو للوصي عليه، أو اختبار قضائي له أي متابعة الطفل من قبل خبير اجتماعي يقوم بعمل تقرير وتسليمه للمحكمة، أو إلحاق الطفل بالتدريب والتأهيل، أو إلزام الطفل بواجبات محددة كالخدمة في دار مكفوفين، أو الإيداع في إحدى المؤسسات المتخصصة “مثل مؤسسة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة”، أو إلزامه بالعمل للمنفعة العامة كتشجير الشوارع مثلا”.