قبيل مغادرتى لندن لكى أصبح سفيرا فى القاهرة فى 2014، أعطانى سياسى وصديق مصرى نصيحة قائلا: «استمتع فى مصر بس مهما حصل اوعى تظهر على تويتر».
كانت لديه وجهة نظر. تويتر وفيسبوك هى مناطق محفوفة بالمخاطر بالنسبة للدبلوماسيين حيث يتم تجاهل المجاملات واللغة الدبلوماسية وحيث المناقشة شخصية، تثير الجدل، ومليئة بالشغف. ممكن تحصل «خناقة» فى أى لحظة. فلو قمنا بقياس النجاح الدبلوماسى عبر معيار تجنب الجدل، فعلى الدبلوماسى أن يبتعد عن وسائل التواصل الاجتماعى.
تجنب النقاش والجدل ليس نجاحا دبلوماسيا. النجاح بالنسبة لى هو انجاز خطوات عملية تجعل مصر أكثر أمنا وديمقراطية وازدهارا لمصلحة الشعبين المصرى والبريطانى على السواء. لا يمكن تحقيق ذلك بالاختفاء وراء أسوار السفارة وحضور حفلات الاستقبال أو السير فى أروقة وممرات الوزارات الحكومية. نجاح مصر سيقرره الملايين من المصريين فى كل مسارات الحياة. يمكن أن أنجح فقط لو تواصلت مع هؤلاء الناس لكى أفهم مصر من خلال عيون المصريين حتى أستطيع مساعدتهم على تحقيق تغيير حقيقى.
للأسباب السابقة تجاهلت نصيحة صديقى الحكيمة. ولهذا وبعد سنة على تويتر و800 تغريدة فإنى أستمتع بالحياة فى مصر فى صحبة صاخبة من قرابة الـ 100 ألف متابع على فيس بوك و28 ألف متابع على تويتر. أثرت سنتى الأولى على تويتر تجربتى فى مصر وعمقت من حبى لهذا البلد بلا نهاية.
ما الذى تعلمته إذن؟
الدرس الأول: نحتاج إلى أن نتحدث أكثر ونستمع أكثر. يجب أن نعالج أزمة الثقة بين الأوروبيين والمصريين والتى نتجت عن سوء فهم وأخطاء ارتكبها الجانبين. يعتقد العديد من الأوروبيين أن المصريين إما أن يكونوا سلطويين عسكريين أو متطرفين دينيين. وعلى الجانب الآخر يعتقد الكثير من المصريين أن أوروبا تريد أن ترى مصر ضعيفة ومفككة. من الممكن ان تكون هذه الأفكار المغلوطة مريحة لبعض أصحاب الأجندات ولكنها لا علاقة لها بالحقيقة من قريب أو بعيد.
استخدمت تويتر فى وقت الخلافات بين بريطانيا ومصر حتى أكون أمينا فى التعبير عن موقف بلادى. ولكنى استخدمته أيضا للتذكير بأن بريطانيا تستثمر فى نجاح مصر بالأفعال والأقوال. استثمارات بقيمة 24 مليار دولار فى 5 سنوات. تدريب ومعدات جديدة لتطوير قوات الأمن وجعلها قادرة على حماية مصر من الإرهاب. 140 منحة دراسية للدكتوراه والماجيستير للدراسة فى المملكة المتحدة. 85 ألف مصرى تم تدريبهم فى المجلس الثقافى البريطانى. 50 مليون دولار فى مشروعات اقتصادية منذ 2011.
استجاب المصريون على وسائل التواصل الاجتماعى بشكل لم يجعلنى أشك للحظة فى تطلعهم لمصر مستقرة، تخلق طريقا ثالثا غير النهاية المميتة لاختيارى التطرف والحكم السلطوى. أعطونى رسائل واضحة من خلال دعمهم لفعل قامت به بريطانيا، أو التعبير عن غضبهم أو عندما يدفعونى للعمل بشكل أكبر لخدمة موضوع ما.
الدرس الثانى: نحتاج إلى أن نثق فى الشعب المصرى. الحمد لله انتهى الزمن الذى كان يتحدد فيه مصير هذا الإقليم من لندن أو باريس أو واشنطن أو موسكو. سوف ننجح فقط فى تحقيق طموحنا بالنسبة لمصر لو ساعدنا المصريين فى تحقيق طموحاتهم. لقد مضى العهد الذى كان يحدث فيه التغيير بواسطة السياسيين والحكومات وحدهم. تتسرب السلطة من المؤسسات التقليدية إلى رواد الأعمال المبدعين الذين يخلقون فرص عمل، ومنظمات المجتمع المدنى التى تحشد الناس، والأفراد الذين لديهم أفكار تساهم فى تشكيل الرأى. الحكومات الناجحة هى التى تمكن الأفراد والمجتمع المدنى كشركاء فى مهمة مشتركة. ما حدث فى تمويل إنجاز قناة السويس الجديدة يذكرنا بذلك.
استخدم المصريون وسائل التواصل الاجتماعى لتعريفى ببلدهم وبأنفسهم. علمتنى وسائل التواصل الاجتماعى أن المصريين لديهم مواهب على الطراز العالمى فى كل مجال يمكن أن نتخيله. لقد برهنوا لى على رؤيتهم الجريئة، وآرائهم القوية وصمودهم العظيم. لقد تعرفت على خفة دم المصريين وقدرتهم على التعبير عن أنفسهم وشغفهم بتجديد مصر. برهنوا لى أن لديهم مشاعر عميقة ورغبة فى التواصل مع قلبك كما مع عقلك.
وكرد فعل كنت أستخدم حسابى على تويتر للاحتفاء بكل شىء بداية من الأكل المصرى والرياضة المصرية والنكات المصرية. وفوق كل هذا، حرصت على أن أحمل مرآة تساعد المصريين على رؤية أنفسهم وكيف يراهم الأجانب – مواطنون لديهم قدرات كامنة وموهبة عظيمة تجعل من هذا البلد قائد عالمى لو تم تمكينهم لأخذ مسئولية تشكيل مستقبل مصر.
الدرس الثالث: المحاسبة والمساءلة ليست دائما سهلة بالنسبة للحكومات ولكنها دائما مفيدة. فيس بوك وتويتر على وجه الأخص هى آلية تقييم لا ترحم. عندما أتحدث عن أقوال وأفعال السفارة لمساعدة الشعب المصرى، أستقبل على الفور مكالمات على هاتفى للتعليق ولا تأتى هذه المكالمات فقط من وسائل الإعلام والحكومة، بل أيضا من المواطنين المصريين أنفسهم. وهذه هى سلطة قوية تجبرنى على التأكد أن السفارة تؤدى دورها بالامتياز اللازم.
ساعدتنى وسائل التواصل الاجتماعى على فهم أداء السفارة وتحسينه. عندما يتساءل الناس عن نظام التأشيرات الخاصة بنا أتأكد ان 89% تأشيرات رجال وسيدات الأعمال تم إصدارها بنجاح، 90% تم إصدارها خلال ال 15 يوم عمل المستهدفة. عندما يسأل الناس هل منح السفارة الدراسية وتأشيرات السفر والوظائف تتم على أساس الجدارة أم المحسوبية، فإنى أبذل ما فى وسعى للتأكد أن القرارات عادلة بنسبة 100%. عندما أقول إن بريطانيا تقدم 50% من الاستثمار الأجنبى، فإن المصريين يدفعونى لضمان أن هذه الاموال تخلق فرص عمل.
كان الدبلوماسيون دوما فى قلب عملية الربط بين الشعوب. الجيل السابق كان يفعل ذلك من خلال حفلات العشاء والبيانات الصحفية. أصبحت فيس بوك وتويتر اليوم أماكن جديدة يتناقش ويتواصل من خلالها الناس وهذه الأماكن هى حيث يجب أن يتواجد الدبلوماسيون.
اتفضلوا معايا على تويتر من خلال @FCOJohnCasson وعلى فيس بوك من خلال «UK in Egypt».