شباب الإخوان الذين رفعوا لافتة «غزة فى القلب» فى العام الماضى أثناء التصعيد العسكرى الاسرائيلى ضد غزة، اختاروا الآن أن يرفعوا لافتة ذات عنوان شبيه «رابعة فى القلب»، لتنتقل رابعة محل غزة ويتحول شعار «غزة رمز الصمود» إلى «رابعة رمز الصمود»، وعلى هذا المنوال، تتمسك شريحة من شباب التيار الاسلامى بتشبيه تجربتهم بتجربة غزة فى مواجهة القوات الاسرائيلية.
ولا يتوقف الأمر عند حد الاستعارة من غزة فقط، بل يتجه بعضهم أيضا إلى اقتباس مشاهد من تجارب اسلامية أخرى، حتى يتحول الهدف فى النهاية إلى صنع نسخ من صور يقدسها شباب التيار الاسلامى سواء فى غزة أو سوريا أو العراق أو الشيشان أو أفغانستان وغيرها من النماذج الاسلامية.
«هناك عاطفة جارفة بين شباب الإخوان المسلمين تجاه غزة، بسبب طبيعة القضية الفلسطينية نفسها، وبسبب ما كان يحدث من حشد نفسى وعاطفى على مدار سنوات طويلة.. لقد رأيت بعينى كيف كان يتعامل شباب وفتيات الإخوان مع أفراد حماس، وتحديدا مع كتائب القسام.. هناك حالة ولع حقيقية». يتحدث الباحث الشاب عبدالرحمن عياش ــ العضو السابق فى جماعة الإخوان المسلمين ــ عن افتتان شباب الإخوان بتجربة المقاومة المسلحة فى غزة، وهو ما ظهرت أعراضه مؤخرا بشكل واضح، فى استدعاء صور من فلسطين المحتلة ومن غزة ومحاولة ربطها بتجربة اعتصام رابعة العدوية.
ويبرز عالم الانترنت كأحد الخنادق التى عاش فيها بعض شباب التيار الإسلامى متمسكين بنموذج حماس وتشبيه أنفسهم بأهل غزة وفلسطين مؤخرا. على سبيل المثال لم يكن مفاجئا أن تتداول الصفحات الإسلامية على الانترنت صورة، اشتهرت عقب فض اعتصام رابعة، تحمل فى نصفها الأيسر مشهدا لسيدة فلسطينية تقف أمام جرافة يقودها جندى إسرائيلى، وفى النصف الأيمن مشهد شبيه لسيدة مصرية تقف أمام جرافة يقودها جندى مصرى أثناء فض اعتصام رابعة. هكذا كان انغماس كثير من شباب الاخوان المسلمين فى قضية غزة وفلسطين حاضرا بشكل لا إرادى للتعبير عن مشكلتهم مع السلطة الحالية، وعلى مدار الأشهر الماضية استمر هؤلاء الشباب فى طريقهم دون تغيير، إذ تكرر الأمر فى مواقف أخرى، كان آخرها مع الطفل محمد بدوى الذى لقى مصرعه أثناء مسيرة لأنصار جماعة الاخوان المسلمين فى حى العمرانية، فالتقطت الصفحات المناصرة للرئيس السابق صورة الطفل القتيل وهو فى حضن أحد جيرانه، وأدمجوها مع صورة الطفل الفلسطينى محمد الدرة وهو فى حضن والده بعد مقتله على أيدى القوات الاسرائيلية، وهنا تتحول فلسطين إلى رابعة مرة أخرى، والاخوان المسلمون إلى ضحايا فلسطينيين.
وإذا بقينا قليلا فى عالم الانترنت، فقد كان معتادا أن يرفع الشاب الإخوانى صورة قيادى حمساوى على صفحته فى شبكة فيسبوك الاجتماعية، وفى الجانب المقابل يؤكد الشاب السلفى على انتمائه القريب من الفكر الجهادى بأن يرفع صورة مجاهد إسلامى على حسابه فى الفيسبوك، مثل «خطاب»، الشاب السعودى الذى خاض معارك مسلحة فى أفغانستان والشيشان مع المقاتلين الاسلاميين. لكن الواقع تغير قليلا بعد 30 يونيو، إذ أصبح الشباب الإخوانى أكثر تعايشا مع أصحاب الفكر الجهادى، فأصبح الإخوانى لا يجد غضاضة فى رفع صورة المجاهد خطاب أو التسامح مع شعار القاعدة، فعالم الاعتصامات قد جمع الإخوانى والسلفى والجهادى سويا دفاعا عن «الشرعية» على حد تعبيرهم.
«ما حدث بين شباب الإخوان المسلمين، أنهم كانوا طوال الوقت يميزون أنفسهم عن السلفيين والجهاديين الأكثر تشددا، بحجة أن الاخوان أكثر تفتحا ويدركون معنى الديمقراطية، لذا كنا نجد المساجد والدروس الدينية ومواقع الانترنت التى يسيطر عليها الاخوان، أكثر تبجيلا لقادة حماس، فى حين يتغاضون عن سيرة أسامة بن لادن، وغيره من الجهاديين، والعكس تماما كان فى المعسكر السلفى الأقرب إلى سيرة الجهاديين عن قادة حماس، لكن الأمور اختلفت مؤخرا، وأصبح الشاب الإخوانى لا يمانع فى وضع صورة خطاب المجاهد الشهير على حسابه فى الفيسبوك». هذا الرأى ينقله عمار مطاوع أحد شباب جماعة الاخوان المسلمين، الذى خاض تجربة العمل فى منابر إعلامية إخوانية. وهو يضيف: «لقد اقتربت المسافات وبدأ الجميع يبحث عن رمز اسلامى، بعد سقوط مرسى الذى كان يعول عليه الاسلاميون، كما أن الشاب الإخوانى الآن متهم بالإرهاب، مثله فى ذلك مثل الجهاديين والتكفيريين الرافضين للديمقراطية والمدنية».
تلك الحالة من التقارب بين شباب الاخوان والمفتونين بالفكر الجهادى بحكم التجاور فى الاعتصامات، انعكست على مواقف على الأرض، منها ما جرى فى اعتصام رابعة العدوية بعد تغيير اللافتة الرئيسية فى منصة رابعة من «نحمى الثورة.. نحمى الشرعى»، إلى «مع الديمقراطية.. ضد الانقلاب». وهنا ظهرت انتقادات من تيارات سلفية وأخرى قريبة من الفكر الجهادى، ترفض فكرة الدفاع عن «الديمقراطية»، مؤكدين أن وجودهم فى الاعتصام كان دفاعا عن الشريعة بالأساس. «فى تلك اللحظة على سبيل المثال، حدث جدل بين شباب الاخوان وأصحاب الفكر الجهادى من الرافضين للديمقراطية، واطلعنا على حجتهم الشرعية، ووجهة نظرهم»، حسبما يستكمل عمار مطاوع. ومع الوقت تتكرر مواقف أخرى، كأن تظهر أعلام القاعدة وسط مسيرات أنصار الرئيس السابق مرسى، مثلما حدث فى أحداث مسجد الفتح فى أغسطس الماضى.
وكانت أغلب التيارات الاسلامية قد أيدت الثورة السورية، فالأدبيات السلفية التقليدية تتعامل مع المشهد هناك من زاوية الصراع الطائفى بين السنة والشيعة، فى حين يتعامل الجهادى مع الأزمة السورية على أنها أرض الشام وأرض المحشر، بينما تعامل معها شباب الاخوان وأعضاء حركة «حازمون» من منطلق أنها ثورة إسلامية، هذا الاجماع على تأييد الثورة السورية برز بشكل أكبر فى التفاف كافة تلك الاتجاهات حول الرئيس السابق محمد مرسى فى «مؤتمر الأمة المصرية لدعم الثورة السورية» الشهير فى يونيو الماضى بالصالة المغطاة، لذا لم يكن مستغربا أن تستعير هذه التيارات لفظ «الشبيحة» من التجربة السورية، وهو لفظ يطلق فى سوريا على مؤيدى النظام السورى الحالى، وأطلقوه فى فترة سابقة على مؤيدى 30 يونيو، واصفين إياهم بـ«شبيحة السيسى» ليكتب بعضهم هذا التعبير على الجدران، وتستخدمه كيانات سياسية مؤيدة للرئيس السابق مثل (التحالف الوطنى لدعم الشرعية) فى بيانات رسمية. هل يستمر شباب التيار الاسلامى فى مسار العزلة داخل عالم يستعير من تجارب إسلامية بدءا من القاعدة انتهاء بتجربة حماس فى غزة؟ يجيب عبدالرحمن عياش ــ العضو السابق فى تنظيم الإخوان المسلمين ــ بحكم قربه من شباب الجماعة: «أستبعد وقوع عنف جماعى، لكنى أتوقع ازدياد النزعة الانتقامية فى الفترة القادمة». بينما يعلق عمار مطاوع أحد شباب الجماعة قائلا: «أعيد مع بعض الزملاء قراءة الأدبيات الاخوانية من جديد، كى نخرج من حالة اليأس والكفر بالديمقراطية وبالمجتمع التى أصابت كثير من شباب التيار الاسلامى».