زيارة أردوغان تعيد النقاش حول التاريخ التركى - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 12:38 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منذ العهد الطولونى حتى 1952 لا يخلو حكم مصر من الأتراك

زيارة أردوغان تعيد النقاش حول التاريخ التركى

يبحث كتاب أكمل الدين أوغلي لماذا توجه الأتراك نحو مصر؟
يبحث كتاب أكمل الدين أوغلي لماذا توجه الأتراك نحو مصر؟
سامح سامى
نشر في: الجمعة 23 سبتمبر 2011 - 2:05 م | آخر تحديث: السبت 24 سبتمبر 2011 - 9:11 ص

تقرأ كتاب «الأتراك فى مصر وتراثهم الثقافى» لأكمل الدين بن احسان أوغلى، منشغلا بندوة عقدتها جريدة الشروق منذ سنتين لمناقشة كتاب «الدولة العثمانية المجهولة» للمؤرخ التركى أحمد ق. كوندوز. ووقتها كتب كتّاب كبار، أن الأتراك قادمون.

 

أما سبب الانشغال، فكان محوره سؤالا للدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة: هل كانت الدولة العثمانية قوة دافعة للتطور فى مصر «المحتلة» أم لا؟. لم يجب كوندوز إجابة شافية للحضور الذى كان من بينهم أساتذة التاريخ، ومعهم الكاتب محفوظ عبدالرحمن، لكن الكل خرج بتأكيد أن تركيا تختار سفراءها الذين يتحدثون باسمها.. يفرشون الأرض، ويصنعون الأدمغة، بأن «الأتراك فعلا قادمون».

 

بالطبع، هذا ليس عيبا، بل هو جهد تركى، يلقى إعجاب معظم الناس، حتى المختلفين مع النموذج التركى، الذى ينشغل فقط، وهذا أمر منطقى، بمصلحة تركيا، لا مصلحة مصر أو غيرها. لكن هذا لا يمنع، من التأثير الإيجابى لأردوغان على المحيطين له. انظر وتأمل زيارة رئيس وزراء تركيا لمصر، وكيف أثر فى الناس. فهو واحد من فصيلة الذين «تنظر إليهم فتحبهم». وفى ريشة يستولى عليها الإبداع، كتب الفنان عمرو سليم: «رجب طيب أردوخان.. الراعى الرسمى الجديد للدول العربية».

 

لذلك، لا تندهش حين تقرأ تقديمه لكتاب «الأتراك فى مصر وتراثهم الثقافى»، الصادر عن دار الشروق، والذى نقله للعربية صالح سعداوى. ففى تقديمه رؤية منبثقة من عمق التاريخ. ويجب قراءة المقدمة بتمعن، لهذا ننشرها كاملة فى هذه الصفحة.

 

 

العثمانيون أدركوا أن مصير استانبول ارتبط بمصير القاهرة

 

«لم يحظ تاريخ الترك فى مصر حتى الآن بالعناية والاهتمام اللازمين على الرغم من تشعبه واتساعه. فلا شك أن توجه الأتراك نحو مصر مولد أقدم حضارات الدنيا وموطنها بعد هجرتهم من آسيا الوسطى إلى الغرب، وما تميزوا به فى التاريخ الإسلامى من فهم خاص بحكم الدول وإدارة الجيوش وحظوا به من ثقافات دينامية إنما يشكل ساحة ثرية وعميقة أمام الباحثين». هذا ما أكده المؤلف، قاهرى المولد، فى تمهيده، ولعله يؤكد ذلك، حتى يستطيع أن يحفز القارئ على قراءة كتاب بحجم 500 صفحة، فضلا عن أسطوانة مدمجة، بها الجزء الثانى من الكتاب (نحو 300 صفحة أخرى). وبصراحة لم يحظ، حتى تاريخ المصريين أنفسهم بالعناية والاهتمام. بل أحيانا، يؤكد البعض، أن التاريخ يثبت أنه قابل لقراءات لا تحصى، إذ نفاجأ بأن حادثة تاريخية واحدة نعتقد أنها ثابتة وواضحة فى أذهاننا، تحمل فى طياتها حدائق للأحداث المختلفة كما يقال، وأننا كنا مقصرين فى قراءة التاريخ، وبالتالى كتابته.

 

وخلاصة كتاب «الأتراك فى مصر»، أنه يبحث كيف تشكل النموذج المصرى ــ التركى، نتيجة لتطور القاهرة الذى كان يحاكى إستانبول فى البداية، ويستعرض الكيفية التى وصل بها إلينا نتاج تلك الثقافة، وتأثيراتها المختلفة، رغم اختلاف اللغة، ولعل هذا أصعب ما يواجه التعاون الثقافى بين مصر وتركيا، موضحا إلى أى مدى يرتبط مصير استانبول بمصير القاهرة.

 

 ولعل الثورة المصرية المبهرة، تعيد قراءة الخريطة العربية وعلاقتها بتركيا، فى ظل ربيع الثورات العربية. «فمنذ العهد الطولونى (868-905م) حتى سنة 1952 لا يخلو حكم مصر ــ عدا العهد الفاطمى ــ من حاكم تركى الأصل أو حاكم نشأ وتربى على مفهوم الدولة التركية وثقافتها».

 

وقبل أن يوجه أحد انتقادا إلى أوغلى بسبب السطور السابقة، من حيث أن هذه ليست ميزة، وإنما عيب، خاصة أن الحاكم التركى، هو فى النهاية حاكم ليس من أهل البلد، أو فى أضعف الإيمان يمكن تصنيفه على أنه محتل، حتى لو كان متعاطفا مع المصريين فى حكمه، أو إرادته الخالصة لتحديث مصر وتطويرها، أكد أوغلى: «وهذا ــ يقصد المؤلف بهذا عدم خلو مصر من حاكم تركى لأكثر من ألف سنة ــ قد يبدو بطبيعة الحال أمرا يصعب قبوله بسهولة فى فكر الدولة القومية الحديث، ولكن الزعم أيضا بأنه وضع مستغرب فى مسيرة التاريخ الإسلامى أو لم يكن له مثيل آخر أمر لا يمكن تصديقه».

 

وفى سعيه لكشف التأثيرات التركية فى مصر، حاول أوغلى الكشف عن هذه التأثيرات ــ التى قد تبدو ضعيفة مقارنة بالتأثيرات الفرنسية أو الإنجليزية ــ فى بعض جوانب الإدارة والمجتمع المصرى اعتبارا من مطلع القرن التاسع عشر، كما قدم قوائم بيلوغرافية مهمة للكتب التركية المطبوعة فى مصر ابتداء من عهد محمد على باشا، الوالى الألبانى الذى كان على عداء مع الدولة التركية نفسها، وكذلك للدوريات من الصحف والمجلات وللكتب التى تُرجمت من التركية إلى العربية ثم طبعت فى مصر.

 

أما النقطة المهمة والجديدة، هى دراسة مسألة أهملها الباحثون، وهى وضع وتعداد السكان الأتراك من غير الطبقة العسكرية داخل التكوين الديمغرافى المصرى.

 

فكان من التطورات المهمة ــ التى أسفر عنها اتجاه الإنجليز نحو القضاء على الوجود التركى فى مصر بعد أن رأوا فيه منافسا لهم، حسب أوغلى ــ اندماج الأتراك المصريين مع الأهالى المحليين، وتصديهم سويا للتهديد الأجنبى.

 

وفى سبيل وجهة نظره، يشير أوغلى إلى ظهور النموذج الثقافى «العثمانى المصرى» إلى جانب النموذج «التركى العثمانى»، بسبب إصلاحات محمد على باشا، والذى لقى، رغم ذلك، نقدا فى كتاب أوغلى، فهو الذى أوجد صورة سلبية عن العثمانيين، لـ «قسوة الإنجازات الراديكالية التى حاول الباشا تحقيقها نتيجة لأسلوبه الذى داس فيه بعض القيم الإنسانية، وهو يُنفذ تدابيره الإدارية، وحملاته الحربية، وخالف العادات الاجتماعية الجارية من أجل الوصول بأسرع ما يمكن إلى تحقيق أهدافه مثل لجوئه إلى نظام السُخرة فى مشروعات البنية الأساسية الكبرى كشق الترع وإقامة السدود، وتشغيله لآلاف الناس فى تلك المشروعات أو جمعه للأشخاص وتجنيدهم بالقوة».

 

ومسألة السخرة، والتجنيد بالقوة فى الجيش النظامى، تحتاج إلى نقاش واسع، بدأه د. خالد فهمى المؤرخ الجاد فى كتابه «كل رجال الباشا»، ولا يزال يتحدث عنه بجرأة شديدة بعد الثورة المصرية. وهذا النقاش، نقدمه اليوم على صفحات هذا الملحق الثقافى، بتغطية ندوة مناقشة كتابه، بمكتبة شروق الزمالك. ومسألة جيش محمد على وابنه إبراهيم باشا، تثبت أنه ومعه الأتراك، لا يهمهم رفعة شأن مصر، بل رفعة شأنهم، أو نحت أسمائهم لمدة خمسة قرون قادمة، كما قال محمد على. 

 

الأتراك قادمون، كما قال الأستاذ فهمى هويدى، ولكنك تتحسر حين تعرف من خبراء سياسيين، لهم وزن، أنه من الصعب إيجاد التجربة التركية «الديمقراطية» فى بيئة مصرية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك