منذ انطلاق قناة «الجزيرة» القطرية قبل سنوات والجدل حول مصداقيتها والأجندة السياسية التى تتبناها لا تتوقف.. فقد تبنت شعار «الرأى والرأى الآخر»، فهاجمت أغلب الحكام العرب من المحيط إلى الخليج لكنها أبدا لم تقترب من الأسرة الحاكمة فى قطر الدولة التى تمتلك القناة.
وظلت الاتهامات للقناة بتبنيها أجندة قطرية تلاحقها طيلة تلك السنوات رغم أن مديرها السابق وضاح خنفر كثيرا ما نفى ذلك حتى اضطر قبل أيام إلى الاستقالة بعد تسريب «ويكيليكس» لوثائق تربط بينه وبين المخابرات الأمريكية.
المفاجأة الكبرى التى فجرتها العائلة الحاكمة فى قطر جاءت بتعيين أحد أبنائها أحمد بن جاسم آل ثان مديرا للمحطة خلفا لخنفر حيث وضعت القناة بالفعل فى مأزق لا تحسد عليه، وباتت مصداقيتها محل شك حيث سيكون من الصعب الحديث عن حيادية القناة وعدم تنفيذها لأجندة قطرية بالمنطقة بل وذهب البعض إلى اعتبار أنها «تسير فى الاتجاه المعاكس للحيادية».
«الشروق» علمت من مصادر قريبة من كواليس قناة «الجزيرة» حيث ربطت بين استقالة خنفر ورغبة الأسرة الحاكمة فى قطر بالسيطرة الفعلية على القناة حيث استغلت فرصة تسريب وثائق «ويكيليكس» لتعلن على نحو واضح أن «الجزيرة» قناة حكومية تتحدث بلسان قطر.. ورغم أن خنفر كان ينفذ السياسات التى تضعها الأسرة الحاكمة لكنها رأت ضرورة أن تظهر فى الصورة بعد أن كانت تتخفى وراء نجاح هذا القناة.
وأضاف المصدر أن أحد أسباب الاطاحة بخنفر ميله الشديد للجانب التركى خاصة أنه رجل إسلامى ومؤمن بالنجاح الذى حققه الأتراك وهو ما تعارض مع توجه قطر التى تسعى لبسط نفوذها على المنطقة وترى أن تركيا تسعى لمنافستها، وبالتالى لم يعجب الأسرة الحاكمة هذا الاحتفاء الذى قامت به الجزيرة ــ تحت إدارة خنفر ــ لزيارة أردوجان رئيس وزراء تركيا لمصر وليبيا، مؤكدا أن هناك تعليمات واضحة من جانب الأسرة الحاكمة بضرورة تجنب كل الأخبار الايجابية المتعلقة بتركيا والتركيز فقط على الجانب السلبى.
وأشار الى وجود تيارين متنافسين داخل القناة الأول تيار اسلامى يقوده وضاح خنفر والآخر تيار قومى عربى يقوده رجال عزمى بشارة النائب السابق فى الكنيست الاسرائيلى والمقيم بالدوحة والمقرب من أمير قطر والذى أفلح فى التغلب على تيار خنفر والاطاحة به لتبدأ قطر اخضاع القناة لأجندتها وتوجهاتها الخاصة.
د.عمار على حسن، رئيس مركز الدراسات بوكالة أنباء الشرق الأوسط، علق على تلك الخطوة بالقول: اختيار قطر أحد أبناء العائلة الحاكمة لإدارة هذا الكيان الاعلامى الكبير يدفعنا للقول إنه من الآن فصاعدا ليس بوسع القناة أن تسير بشكل مهنى وتغطى الأحداث تغطية حرة لأن قطر لو ادعت غير هذا لكان الرد بسيطا فنقول لهم «كيف تدعون هذا ومدير المحطة أحد أبنائكم وهو ما يعنى بالضرورة أن القناة ستطبق توجهات الأسر وهذا أمر خطير».
وأضاف قائلا: لكن هناك عوامل أخرى قد تكون لعبت دورا كبيرا فى هذا الاختيار وهو محاولة بعض الجهات خطف القناة لصالحها مثل ما نشره موقع «ويكيليكس» حول وجود علاقة بين وضاح خنفر المدير السابق للقناة وجهاز المخابرات الأمريكى إضافة إلى أن وضاح نفسه منتمى لتنظيم حماس وربما انتهزت الأسرة الحاكمة فرصة تسريبات هذه المعلومات لتطيح بوضاح وتحقق أكثر من هدف منها نفى الشائعة التى تطارد الجزيرة بأنها تنفذ سيناريو الفوضى الخلاقة بالمنطقة العربية.
إلى جانب رغبتها فى التأكيد على انه إذا كانت الأسرة الحاكمة هى التى صنعت هذا الكيان الاعلامى فلماذا لا تستغل القدرات الشخصية القطرية لادارتها دون الاعتماد على جنسية أخرى فوضاح خنفر فلسطينى وإذا كان هذا التصور صحيحا فلن نلمس أى تغير فى سياسة القناة خاصة أن العمل المهنى اليومى هناك من يقومون به على خير وجه.
وأوضح عمار على حسن أنه إذا كنا نؤمن أن قناة «الجزيرة» هى منبر اعلامى لديه قدر كبير من المهنية والانحياز للشارع العربى، فهناك أيضا تصور استراتيجى عام تتبناه دولة قطر ولا يمكن أن نفهم ماذا يجرى بالجزيرة بعيدا عن هذه الرؤية.
«تعيين أحد أفراد الأسرة الحاكمة مديرا لقناة الجزيرة من شأنه أن يضع كلمة النهاية لهذه المحطة الاخبارية الكبيرة».. بهذه الكلمات تحدث د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية وقال : لا يخفى على أحد أن الأسرة الحاكمة كانت دوما تتولى إدارة المحطة وإن كان يحدث هذا الأمر بشكل غير مباشر وغير معلن, وأضاف: فقد ظلت «الجزيرة» محتفظة بمكانتها فى المنطقة وبقوتها وتصدرها لوسائل الاعلام كافة لكن ما حدث مؤخرا باختيار أحد أبنائها مديرا لهذه المحطة مسألة تحتاج إلى وقفة مهمة وضرورية خاصة أن هذا القرار من شأنه أن يدفع القناة لمشكلة كبيرة قد تفقدها هيمنتها وقوتها فى المنطقة حينما يعلم الجميع أن هناك هيمنة كاملة من قبل الأسرة الحاكمة على القناة على مستوى الملكية والادارة وبالتالى سوف يتم القضاء على دور القناة هذا الدور الذى لم ترق اليه أى قناة أخرى... ورأى نافعة أنه لابد أن تعيد الأسرة الحاكمة بقطر تقييمها لهذا الاختيار والتعامل معه على أنه اختيار لمرحلة انتقالية وإعادة ترتيب الأوراق.