اللجنة التى تكونت عقب قيام الثورة من مجموعة من الخبراء والناشطين السياسيين، والتى أطلق عليها البعض حينذاك اسم لجنة الحكماء، والتى تواصلت منذ قيامها مع سائر قوى المجتمع ابتداء من منظمات المجتمع المدنى وانتهاء بالمؤسسات التى صارت تمثل هيكل السلطة. هذه اللجنة تعود اليوم للتواصل والتعبير عن الرأى بعد أن سجلت ــ عن كثب ومتابعة ــ تراجعا مقلقا فى مسيرة التغيير الثورى، تمثل فى غياب القيادات القادرة على حماية مسار الثورة، ومعها مسيرة المجتمع كله، كما سجلت تراجعا آخر بالغ الخطورة تمثل خلال الاسابيع الاخيرة فى تفرق القوى الوطنية وتشرذمها، وانتشار صور متعددة من «الخلاف» بينها وصل فى بعض حالاته إلى ممارسة الصدام والمواجهة، وفى سياق الوعى المتزايد بخطورة ما يجرى من حولنا ــ خصوصا ما وقع خلال الايام الاخيرة من صدام عبثى سالت فيه دماء مصرية عزيزة، فإنه لا يسع اعضاء اللجنة الا ان ينبهوا جميع القوى الوطنية إلى امرين لا يجوز تجاهلهما او القفز فوقهما:
الامر الأول:
الوعى الكامل بأن أى تفرقة وتشرذم خلال هذه الايام الفارقة لابد أن يحمل معه اخطارا كارثية تهدد الثورة فى صميمها. وبأن التوقيت الذى تصاعدت فيه هذه الظواهر يثير الشكوك المبررة حول حقيقة القوى صاحبة المصلحة فى انتكاس الثورة واجهاضها وتشتيت صفوفها، وان تفويت الفرصة على هذه القوى المضادة ينبغى ان تكون له اولوية اولى فى برامج جميع الفصائل المختلفة التى يتكون منها «جسد الثورة»، كما يتوقف على سلوكها ومواقفها مصير هذه الثورة.
الامر الثانى:
إن استعراض البرامج والسياسات المعلنة من جانب القوى التى شاركت ولاتزال تشارك فى مسيرة الثورة، يكشف بوضوح لا مزيد عليه عن وجود «توافق طوعى وحقيقى» بين جميع هذه القوى عما لا تقل نسبته عن 85٪ من برامج تلك الفصائل على اختلاف منطلقاتها وتاريخها وتجاربها فى العمل السياسى والوطنى.. وهذا الخلاف الجزئى لا يعدو أن يكون تعبيرا عن تعدد زوايا الرؤية فى شأن وسائل العمل وآلياته وضوابطه، وهو تعدد يزيد المسيرة الثورية قوة وفاعلية وثباتا.
وبذلك يكون من العبث الصادر عن غفلة لا تغتفر أن نتجاهل التوافق القائم فعلا حول ما يزيد على 80٪ من أهداف الثورة.. وأن نستهلك الطاقة فى خلاف عقيم حول قضايا فرعية وجزئية لا حاجة إلى حسمه فى هذه الأيام المصيرية الفارقة.
هذه دعوة وتذكر اللجنة جميع قوى الثورة والقوى المجتمعية الحريصة على نجاحها بأن المسئولية عن تأمين هذه الثورة تستقر بين يدى مؤسسات دستورية قائمة، على رأسها وبالتساوى بينها، المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب والشورى اللذان تأسسا ــ بعد جهد كبير ــ على أساس ديمقراطى صحيح، والوزارة التى تنتهى مهمتها التى أدتها خلال المرحلة الانتقالية، بانتخاب رئيس للجمهورية.
إن المؤسف أن كثيرا منا يرفعون شعار «التوافق» ولكنهم يمارسون «المغالبة» للاستئثار والاستحواذ حتى يشغلوا أكبر مساحة يتوصلون إليها من الفراغ المتاح للتسابق والمنافسة.. وهى منافسة مشروعة تماما بشرط أن تحكمها أولويات الحرص على التماسك والترابط والترفع ــ فى وقت الخطر ــ عن المغالبة التى تخسر بها جميع القوى نتيجة التضحية بالتوافق الميسر والمتاح الذى تكسب به جميع تلك القوى.. وإن قيادات القوى المجتمعية أحزابا وجماعات وائتلافات مسئولة أمام الله وأمام التاريخ وأمام شعب مصر عن إدارة هذه المنافسة المشروعة إدارة تعلى المصالح القومية الوطنية فوق المصالح الفئوية والحزبية، فى وعى كامل بالتحذير الإلهى الموجه للعاملين فى كل زمان ومكان والذى تقرره الآية القرآنية الكريمة «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ».