برنامج مقترح لعلاج مشكلات الاقتصاد المصرى التى انفجرت فى وجه حكومة الثورة، هو محور كتاب جديد لأحمد السيد النجار، رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية بالأهرام، صدر أخيرا بعنوان «برنامج اقتصادى لمصر الثورة.. تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل»، تناول فيه أهم المشكلات التى تركها النظام السابق، والذى شهد «انهيارا اقتصاديا واجتماعيا غير مسبوق فى العصر الحديث»، تاركا لحكومة الثورة تركة ثقيلة من عهد مبارك. ويقدم البرنامج اقتراحات لعلاج قضايا عديدة مثل الأجور والتشغيل والدعم وأراضى التنمية والزراعة.
مراجعة شاملة لسياسة منح أراضى الدولة
«مكافحة الفساد الذى نتج عن العهد السابق يجب أن تنصب على مراجعة آليات ترسية العطاءات وتسعير الصفقات ومنح أراضى الدولة سواء للزراعة أو للتنمية العقارية،» يقول أحمد النجار، بما فى ذلك الأراضى التى منحت للبرنامج القومى للإسكان، والذى بموجبه حصل عدد من رجال الأعمال مثل محمد المرشدى، ومحمد حسن درة، وسميح ساويرس على أراض بسعر 10 جنيهات للمتر لغير المرفقة، و70 جنيها للمتر من الأراضى التى توجد المرافق خارجها، مع منحة 15 ألف جنيه عن كل وحدة سكنية تصل مساحتها إلى 63 مترا. وبدلا من أن يتم بيع الوحدة بـ45 ألف جنيه، وهو المبلغ الذى يتيح هامش ربح معقول بعد حساب تكاليف البناء، تبعا للكتاب، أصبحت الوحدات فى هذا المشروع تباع بأسعار تتراوح ما بين 103 و150 ألف جنيه للمتر.
وقد بلغ الدعم الذى قدمته الحكومة لهذا البرنامج 4.5 مليار جنيه، خلال الفترة من 2007/2008، وحتى 2010/2011، ورغم زيادة أسعار الوحدات بشكل مبالغ فيه، «إلا أن وزارة المالية الحالية استمرت فى اتباع نفس السياسات المالية لنظام مبارك، واستمرت فى دعم البرنامج فى موازنة العام المالى الحالى، بـ1.5 مليار جنيه».
وطالب النجار بأن تتم مراجعة عقود الأراضى التى منحها الرئيس السابق للوليد بن طلال، والتى أنفقت الحكومة على الفدان فيها ما يقرب من 11 ألف جنيه، بينما حصل هو على الفدان بـ50 جنيها، «وهو ما يعد إهدارا للمال العام لا يمكن أن يكون قد حدث بدون الحصول على عمولات فاسدة»، على حد تعبيره، فضلا عن أنه كان من الممكن أن يستفيد أهل النوبة من هذه الأراضى بإعادة توطينهم فيها، حيث تقع توشكى على مقربة من أراضيهم التى غمرتها مياه السد العالى.
واعتبر النجار أن التسوية التى قامت بها الحكومة بعد الثورة، والتى قضت بتنازل الوليد عن 75 ألف فدان، وتمليكه 10 ألاف فقط، وحصوله على 15 ألف فدان بنظام حق الانتفاع لمدة 3 سنوات، يتم تمليكها له إذا زرعها فى تلك المدة «خفضت فقط من حجم فساد العقد الأصلى، لكنها لم تقض عليه، لأن قيمة ما حصل عليه الوليد من أراض يتراوح ما بين 1.5 و2 مليار جنيه، بينما ما دفعه رسميا للحكومة فى العقد الأصلى وعقد التسوية 5 ملايين جنيه فقط».
بعض الموظفين أجرهم أعلى من أجر «أوباما»
يعتبر مؤلف الكتاب نظام الأجور الموروث من عهد مبارك بأنه بالغ التدنى، ومثال على الجمود والفساد، حيث يصل الأجر الأساسى للموظف إلى نحو 118 جنيها، فى حين تصل رواتب بعض موظفى العموم من رؤساء البنوك الحكومية، ورؤساء بعض الشركات إلى مئات الآلاف من الجنيهات شهريا، وتزيد بعضها على راتب الرئيس الأمريكى، الذى يبلغ ما يوازى نحو 190 ألف جنيه شهريا.
ويقول النجار إن أى نظام عادل للأجر يتطلب أن يكون هناك حد أدنى يرتفع سنويا بنفس معدل التضخم للحفاظ على القدرة الشرائية لصاحب الأجر، وبحيث يكون هناك سقف للأجور للعاملين فى الجهاز الحكومى، والقطاع العام، بما لا يتجاوز 15 ضعف الحد أدنى للأجر.
ويقول الكاتب إن الحد الأدنى للأجر يجب ألا يقل عن 900 جنيه شهريا لمن يعمل ست ساعات يوميا، و1200 جنيه شهريا لمن يعمل ثمانى ساعات، وهى حدود أقل مما أقرته وزارة المالية مؤخرا، وأقل من القدرة الشرائية للحد الأدنى للأجر عام 1952، والذى يبلغ بحسابات اليوم 2000 جنيه.
طرق تمويل زيادة الأجور
ويمكن تمويل زيادة الأجور عن طريق وضع حد أقصى للأجور من جانب، وتحقيق وفورات من خلال إلغاء دعم الطاقة المقدم لشركات الأسمنت والأسمدة والحديد والألومونيوم من جانب آخر.
كما يطالب النجار برفع نسبة الضريبة للفئات الأعلى دخلا، والأخذ بمبدأ الضريبة التصاعدية للفئات الأكثر دخلا، والذى يطبق فى الكثير من دول العالم المتقدمة والنامية، معتبرا أن التعديل الذى جرى على الموازنة الحالية للدولة، والذى يقضى بأن تكون نسبة الضريبة 25% على الشركات التى يزيد وعاء الضريبة بها على 1.7 مليون دولار، ــ «تغيير هزلى»، حسب تعبيره، مقارنة بما يتم فرضه فى باقى دول العالم، حيث تبلغ نسبة الضريبة فى الولايات المتحدة 35% على الأفراد الذين يزيد دخلهم على 373 ألف دولار، وترتفع إلى 40% على أرباح الشركات، وتصل نسبة الضريبة إلى 45% فى ألمانيا على الفرد الذى يبلغ دخله 182.1 ألف دولار.
كما أن تعديل عقود الغاز الذى تصدره مصر إلى دول إسرائيل، وإسبانيا، وبما يتساوى مع الأسعار العالمية يوفر للدولة نحو 15 مليار جنيه، كما يوضح الكتاب.
حفز الاستثمار لعلاج البطالة
ويقدم النجار فى كتابه حلولا مقترحة لمشكلة البطالة المتزايدة، والتى يعتبر أن أرقامها الرسمية المعلنة تقل كثيرا عن الواقع، فضلا عن التضارب الشديد فى بياناتها بين الجهات الحكومية المختلفة.
أول تلك الحلول يعتمد على زيادة نسبة الاستثمار من الناتج المحلى الإجمالى بعد أن تضاءلت هذه النسبة تدريجيا خلال السنوات الماضية لتصل إلى 15.4% فى العام المالى الماضي، مقابل 18.7% عام 2005/2006، «هذه معدلات متدنية جدا لا تكفى لخلق فرص عمل أو وظائف للعاطلين وللداخلين الجدد لسوق العمل»، بحسب الكتاب، وهى أقل من مثيلتها فى باقى دول العالم، حيث تصل نسبة الاستثمار إلى 40% من الناتج فى الاقتصادات سريعة النمو فى دول شرق أسيا، ونحو 40% فى الهند، و44% فى الصين.
ويضيف النجار أن تدخل الدولة لحفز الاستثمار وخلق الوظائف ليس من الضرورى أن يتم من خلال إنشاء مشروعات قطاع عام خالصة، فمن الممكن أن تقوم بحفز وتنشيط المبادرات الادخارية بعمل اكتتابات فى مشروعات جديدة ضرورية تشارك فيها الدولة بنسبة محدودة.
الحل الثانى الذى يقدمه الكاتب يعتمد على تغيير توجهات القطاع المصرفى لينحاز تجاه المشروعات الصغيرة ومتوسطى المقترضين، ويوجه للمشروعات الحيوية، قائلا: إن هناك عددا هائلا من المشروعات التى يمكن إقامتها فى مصر مثل مشروعات البلاستيك، وتدوير القمامة لصناعة الأسمدة العضوية، وأكياس القمامة.
ويقترح الكاتب ضمن الحلول التى يقدمها أن تعقد مصر اتفاقيات مع جهات إقليمية ودولية لديها النية والعزم لمساندة مصر من أجل مكافحة البطالة مثل دول الاتحاد الأوروبى المعنية بإبقاء العمالة المصرية فى مصر، ومنع تدفقها فى هجرات غير شرعية إلى أوروبا، مما يجعلها مستعدة لتقديم المساعدة للمشروعات الصغيرة التى تستوعب العاطلين.