مشهد خروج الفنانين فى تظاهرات احتجاجية بالشوارع لم يكن بالتأكيد معتادا لدى المصريين، فالجمهور قد يكون اعتاد رؤية مثل تلك المشاهد على الشاشة فقط لكن أن ينتقل الأمر إلى شوارع القاهرة وميادينها.. فهذا كان مستغربا للغاية.
فشأن جميع فئات المجتمع شاركت أعداد ليست بالقليلة من الفنانين فى الثورة منذ يومها الأول، وفى المقابل عارضها آخرون بتأييد صريح للنظام وصل حد بكاء بعضهم لإقناع الثوار بمغادرة التحرير.. وهناك أيضا من اختار الترقب والحذر حتى تتضح الصورة لكنهم اختاروا الصمت يوم لا ينفع الصمت صاحبه.. وفى جميع الأحوال يبقى الحكم على المشهد الذى تعيده للأذهان ذكرى مرور عام على الثورة للجمهور.
«زملائى وأصدقائى وأساتذتى الأعزاء فنانو مصر من جميع المهن.. أدعوكم للتجمع غدا الخميس ــ 27 يناير فى نادى نقابة المهن التمثيلية بداية من الثامنة مساء لإعلان انتمائنا للناس وتضامنا مع مطالبها العادلة فى الخبز والحرية والكرامة وإدانة التعامل الوحشى معها والإلحاح فى طلب الإفراج عمن اعتقلوا.. لقد رأتنا الناس فى مواقف وطنية من قبل، لو لم نقل كلمتنا فورا فقد نخسر حبها واحترامها إلى الأبد».
كانت تلك نص رسالة الفنان خالد الصاوى التى أرسلها لزملائه يوم 26 يناير من العام الماضى لحثهم على المشاركة فى الثورة بعد اندلاع شرارتها فى اليوم السابق.
الرسالة أثارت غضب د أشرف زكى، نقيب الممثلين حينها، حيث أبدى خشيته من «الدخلاء على المكان واستغلال التجمع فى الإساءة للفنانين»، لكنه عاد وقال: «لن أستطيع ان أمنع التواجد لأن الصاوى أرسل الرسائل لعدد كبير من الناس لكنى كنت أتمنى أن تقوم النقابة بالإشراف على الأمر».
لكنها فى جميع الأحوال عكست حالة الانقسام التى عاشها الفنانون إزاء الثورة بين مؤيد بشدة، ومعارض بقوة، وآخرون اكتفوا بمراقبة المشهد من بعيد.
فى «جمعة الغضب» بدت مشاركة الفنانين فى فاعليات الثورة جلية، حيث قاد عدد منهم مسيرات حاشدة نحو ميدان التحرير، وبرزت أسماء بينها (خالد الصاوى، عمرو واكد، آسر ياسين، جيهان فاضل، تيسير فهمى، خالد النبوى، نهى العمروسى، خالد أبوالنجا، خالد يوسف، ويسرى نصرالله وداود عبدالسيد ومجدى احمد على واحمد ماهر وأحمد عيد، ومنى زكى ومدحت ومحمد العدل وغيرهم).
ولم يكتف الفنانون المساندون للثورة بعبارات التأييد، حيث شاركوا المتظاهرين اعتصامهم فى ميدان التحرير على مدى 18 يوما وحتى تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، فكانت خيمة الفنانين بوسط الميدان قبلة للممثلين والمخرجين والمؤلفين.. بعضهم أقام بها بشكل كامل وآخرون كانوا يترددون عليها من حين لآخر لكنهم فى جميع الأحوال باتوا مصدر فخر للثورة والثوار.
ومن بين المقيمين بخيمة الفنانين (أشرف عبدالغفور، أحمد عبدالعزيز، فردوس عبدالحميد، مروة حسين، سامى مغاورى، حمدى الوزير، ميسرة وغيرهم كثيرون).
لكن أبرز الوجوه الفنية التى ارتبطت بثورة 25 يناير كانت الفنانة شريهان، التى غابت لسنوات طويلة عن الساحة، وعادت مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة، حتى إنها ظلت مقيمة باستمرار فى خيمة الفنانين المعتصمين بالميدان.
.. والطرد لمن غازلهم بعد أن (لاح الانتصار)
طلعت زكريا وسماح أنور أكثر الخاسرين.. و«نجم الجيل» فقد لقبه فى مقابل، الفنانين الذين أعلنوا موقفهم المساند للثورة بقوة منذ الأيام الأولى لاندلاعها، أساء بعض الفنانين تقدير الموقف فساندوا نظاما يتهاوى من خلال مداخلات هاتفية فى البرامج التليفزيونية، فنالوا حنق الثوار الذين صبوا عليهم جام غضبهم من خلال «القائمة السوداء» المعادية للثورة.
أكثر المتضررين من موقفه المناوئ للثورة كان المطرب تامر حسنى الذى كان يلقب قبل الأحداث بـ«نجم الجيل»، حيث تعرض لموقف مهين بالطرد من ميدان التحرير الذى قصده طلبا لود الثوار بعد أن مالت الكفة لصالحه، وتعرض تامر للاعتداء عليه بالضرب حتى سالت دموعه ندما على التصريحات التى أدلى بها من قبل ودعا فيها «كل من يحب تامر إلى مغادرة الميدان».

تامر حسني بعد طرده من ميدان التحرير
ومن بين الخاسرين أيضا والذين تضمنتهم «القائمة السوداء» الفنان عادل إمام، حيث يعرف المقربون من عادل إمام أنه من كان من الأصدقاء المقربين لمبارك فى فترة حكمه، بل وعلى المستوى الأسرى أيضا.
وضمت القائمة أيضا فنانين تضامنوا مع مبارك وقادوا مظاهرات لتأييده منهم: مى كساب، وغادة عبدالرزاق التى كانت تؤيد بحماسة. أما أكثر المهاجمين لثوار التحرير فكان الفنان طلعت زكريا الذى خرج فى أحد البرامج التليفزيونية ليقول ان ميدان التحرير يشهد «علاقات جنسية» بين الشباب والفتيات، وكذلك هناك من بينهم من يتعاطى المخدرات، لم يتراجع زكريا عن تلك الاتهامات فاستحق لقب «الخاسر الأكبر» فى الثورة بعد أن دفع ثمن هذا الموقف من رصيده الشعبى كثيرا.
ولم تقل عنه خسارة الفنانة سماح أنور التى نسبت لها تصريحات دعت خلالها إلى «حرق المتظاهرين» بميدان التحرير، فكانت النتيجة أن اضطرت للسفر إلى الكويت بعد أن ضاقت بها مصر من قسوة الهجوم الذى تعرضت له ردا على تلك التصريحات.
أما صاحب الموقف الأكثر تأثيرا فكان المطرب محمد فؤاد الذى بكى وهو يناشد ثوار التحرير العودة إلى بيوتهم «خوفا من وقوع البلاد فى الفوضى»، وأقسم أن مبارك لن يتنحى، بل وذهب إلى أنه سينتحر فى حال تنحى مبارك.. وبعدها بأيام تنحى مبارك.. ولم ينتحر محمد فؤاد.
.. وآخرون صمتوا يوم لا ينفع الصمت
دياب سافر لندن والشريف وياسين والفخرانى غابوا عن المشهد
وبين من أعلن موقفه صراحة بالتأييد أو الرفض، رأى آخرون أن «الصمت هذه المرة من ذهب» فاختار الصمت أو الإمساك بالعصا من المنتصف علهم يبتعدون عن لهيب الثورة الذى كان يتطاير فى كل اتجاه.
ومن بين الذين فضلوا الصمت المطرب عمرو دياب الذى سافر سريعا إلى لندن، وفسر البعض عدم إعلان دياب موقفه ليس لعدم تأييده للنظام السابق، لكن خوفا على خسارة نجوميته.
وقوبل موقف دياب من شباب الثورة بهجوم لاذع على موقع «فيس بوك»، فسحبوا منه لقب «الهضبة»، وأطلقوا عليه «الهضوبة»، وتم إنشاء صفحات على الموقع تدعو لمقاطعة فن دياب.
وكان الصمت من نصيب فنانين كبار بينهم محمود ياسين الذى يعرف عنه أنه ضليع فى السياسة، وأيضا نور الشريف صاحب أفكار التنوير والتغيير، وكذلك الفنان يحيى الفخرانى، والأمر نفسه بالنسبة للفنان حسين فهمى.. وانضم إليهم المطرب محمد حماقى الذى اكتفى بالتعليق على «فيس بوك» بعبارات مبهمة لا تعرف منها موقفه فكتب يقول «حسبى الله ونعم الوكيل».