«أنا كمان وزير مؤقت زيكم.. ما تقلقوش كل مشاكلنا هاتتحل.. بس ندى بعض الفرصة ونشتغل»، كلمات رددها قنديل للمتظاهرين من العمالة المؤقتة الذين دائما ما ترددوا على مكتبه خلال عمله وزيرا للرى، لتبقى هذه الكلمات فى ذاكرة العاملين معه فى الوزارة تأكيدا لهم على أخلاقه المتواضعة والمثابرة على العمل، كما وصفه العاملون معه فى المكتب.
تحدث لـ«الشروق» أساتذته وزملاؤه ومعارفه وجيرانه عن هذه الشخصية التى فوجئت قطاعات الشعب المصرى باختياره رئيسا للوزراء، لتكون الكلمات الأكثر تكرارا «متدين.. خلوق.. متواضع.. وليس إخوانيا».
«يا هشام.. أنا ملاحظ أنك بدأت تربى ذقنك.. وانت شخصية مجدة وليك مستقبل.. وذقنك ممكن تمنعك تبقى وزير»، حكاية رواها هشام لأصدقائه فى مكتبه بوزارة الرى، قالها له رئيسه السابق، حسين العطفى، وزير الرى السابق، وهى المفارقة التى مع الأيام كانت عكس توقعات إستاذه فلم تمنعه ذقنه من الوصول إلى كرسى وزير الرى فقط، لكنها قادته إلى رئاسة الحكومة بأكملها.
محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق ومتبنى قنديل منذ يومه الأول لعمله فى مكتبه بمعهد بحوث المياه ثم انتقاله معه فى مكتب الوزير ليتولى مدير مكتب الوزير لشئون مياه حوض النيل، قال عن قنديل إن اختياره له كان لمعايير الكفاءة ودراسته الجيدة لمجاله فى تصميم شبكات الصرف، وبعدها حرصت على تعيينه فى مكتبى عندما أصبحت وزيرا للرى.
يقول أبوزيد عن قنديل إنه «شخصية هادئة وقوية، وتفكيره جيد وشخصية قوية يجيد التعامل مع الناس»، مؤكدا أن عمله فى البنك الأفريقى أضاف لرصيد خبراته الاقتصادية، فضلا على امتلاكه رؤية لاستعادة دور مصر فى أفريقيا.
يضيف أبوزيد: «قنديل شخص متدين.. وطوال معرفتى به لم ألحظ عليه أى ميول إخوانية أو سياسية»، مطالبا بإعطائه الفرصة لأداء عمله، وتناول الأمور بجدية فنحن لا نتحدث عن أشخاص، لكن عن نظام جديد.
يرى خبير المياه العالمى أن أداء قنديل فى ملف مياه النيل خلال العام الذى شغل فى منصب وزير الرى كان «ممتاز»، ولم يحدث أى تراجع فى الملف خلال هذه الفترة، ولا يمكن الحكم بعدم نجاحه أو فشله فى إدارة الملف، موضحا أن قضية النيل ملف مؤقت ويتحكم فيه العديد من العوامل الأمنية والسياسية، وبحاجة إلى وقت لحل الأمور العالقة به لأنها تتعلق بالاتفاقيات الدولية.
«ثقة عالية بالنفس طوال فترة الدراسة.. وأتصور أن نفسه طويل.. وشخصيته مثابرة.. ولديه قدرة على الاستماع الجيد.. لكن هذا لا يعنى أنه يمكن التأثير على قراراته فلو مقتنع بشىء لن تتغير مواقفه لمجرد أن التيار العام يمشى فى سياق محدد.. وأغلب قراراته تأتى عن قناعة شخصية بالصالح العام»، سمات فى شخصية قنديل تحدث عنها الدكتور علاء عبدالمطلب، زميله فى دراسته للماجستير فى جامعة ولاية يوتا بأمريكا.
يقول عبدالمطلب إن دراسته مع قنديل فى مرحلة الماجستير كانت منحة مقدمة من هيئة المعونة الأمريكية، حيث حصلت مصر على مشروعات أمريكية لدعم مجال الزراعة والرى فى فترة الثمانينيات بعد اتفاقية السلام، وكانت هذه المنحة ضمن مشروع لدعم قطاع الرى وحرص وقتها الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق، ورئيس مركز البحوث المائية فى وقتها، على تخصيص جزء من هذه المشروعات لدعم البحث العلمى، ووقتها تم اختيارى مع قنديل فى نفس البعثة وذهبنا لنفس الجامعة على طائرة واحدة فى سبتمبر 1987.
يضيف أن الطلبة المسلمين، ومنهم قنديل كانوا يؤدون الصلاة بالمركز الإسلامى بالمدينة، فضلا على أن اتحاد الطلبة المسلمين بالمدينة تقدم بطلب لإدارة الجامعة لتخصيص غرفة بمبنى المحاضرات لقضاء صلاة الجمعة وقت الدراسة.
«لا أتوقع بأن هدوءه يرجع إلى ضعف فى شخصيته»، هكذا يؤكد عبدالمطلب متذكرا موقفا عندما كانا يدرسان كورس لغة إنجليزية للإعداد للماجستير، «وقتها طلب منا المحاضر الأمريكى كتابة موضوع فكتبت عن تاريخ الحضارة الإسلامية فى مصر، وهو الموضوع الذى حاز إعجاب المحاضر فطلب نشره على شرط تعديل كلمة الفتح الإسلامى إلى الغزو الإسلامى، واستشرت قنديل فى هذا الموضوع إلا أنه شجعنى على عدم التراجع عما كتبت والإصرار على موقفى، وأبلغت المحاضر برفضى لتغيير الكلمة وفوجئت بتقبله لما كتبت وتم نشره بالفعل».
«الوزير ساكن قصادى»

«لم أشعر أن الوزير ساكن قصادى» هكذا كان تعليق أحمد عبدالله، أحد جيران قنديل فى العقار رقم 1 الكائن بشارع المساحة بحى الدقى، متحدثا عن عدم تعرضهم لأى مضايقات أمنية طوال الفترة التى كلف بها قنديل بمهام وزارة الرى، عكس ما كانوا يسمعون عما يحدث مع الوزراء، وهو ما يحسب له تواضعا، ونتمنى أن يستمر هذا الوضع بعد رئاسته للحكومة.
«الجلابية البيضاء لصلاة الجمعة.. وقمصانه وبدله»، هى الوظيفة اليومية لخالد المكوجى المجاور لمنزل رئيس الحكومة الجديد، الذى تحدث مفتخرا عن أدائه لهذه المهمة لقنديل، متحدثا عن تواضع زوجته وبناته، التى يراها تذهب إلى السوق بمفردها لأداء طلبات المنزل دون الاستعانة بشغالة فى أى من أعمالها المنزلية.

«إن شاء الله أنا اللى هاكوى له البدلة اللى هايحلف بيها اليمين الدستورية»، أمنية قال خالد إنه سيطلبها من زوجة قنديل أن تعطيه هذه الفرصة التى وصفها بأنها «فخرا له».
حارس العقار وسايس الجراج، عم ماهر الذى تعامل مع قنديل منذ طفولته فى منزل أبيه الذى يقطن فيه الآن، قال إنه لم يستخدم يوميا أيا من سيارات الوزارة لمشاويره الشخصية، ودائما ما يستخدم سيارته القديمة التى تقضى بها زوجته جميع أعمال المنزل».
ويروى صفوت عبدالدايم، الخبير بالمجلس العربى للمياه، ذكريات علاقته بقنديل التى كانت ممتدة منذ دخول قنديل معهد بحوث الرى بالوزارة فور تخرجه عام 83، ولمسنا فيه النبوغ جميعا، الذى كان سببا فى نجاحه فى فترات عمله بالوزارة أو خلال دراسته بالخارج، ليتلقى عددا من عروض استمرار العمل فى الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنهاء دراسته بجامعة وحصوله على الدكتوراه فى زمن قياسى.
يقول عبدالدايم الذى شغل منصب رئيس معهد بحوث الصرف كرئيس لقنديل، أنه فور تخرجه فى دراسات الماجستير والدكتوراه أوكل له ملف حوض النيل، وتعامل وقتها مع عدد من المنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة التى قدمت له على إثراها العديد من الإغراءات المالية.
يضيف عبدالدايم أن خروج قنديل للعمل فى المنظمات الدولية أعطى له خبرة واسعة والخروج من شرنقة العمل فى إدارة واقتصاديات المياه والعمل الفنى فقط إلى العمل بالملفات الاقتصادية المختلفة، وعمل على خطط العوائد الاقتصادية والفوائد من أى مشروعات تمولها، مشيرا إلى أن عمله طيلة خمس سنوات مع البنك الأفريقى أعطى له الخبرة الاقتصادية الشمولية، ويحسب له أنه تمت ترقيته مرتين متتاليتين، وهى من الأمور النادرة فى البنك.
وكشف عبدالدايم أن قنديل جاء إلى مصر على نفقته الخاصة خلال الـ18 يوما التى سبقت تنحى مبارك ليقضى 5 أيام بالقاهرة فى أيام الثورة حتى 11 فبراير ثم يعود، لافتا إلى أن د.حسين العطفى وزير الرى السابق طلب منه العودة لتولى ملف النيل فتنازل عن راتبه بالبنك الأفريقى واستقال، وجاء براتب أقل بنسبة من واحد إلى 300 بالمائة من أجل خدمة الوطن، وبدون شك كل هذه المؤهلات ونجاحه فى إدارة ملف المياه كوزير لفتت الأنظار إليه على المسرح السياسى والتنفيذى باعتباره أهلا لشغل المنصب الجديد.