الدكتور سعيد إسماعيل على لـ «الشروق»:7بحور تفصلنا عن التعليم الجيد - بوابة الشروق
السبت 25 مايو 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوضع الحالى فى الابتدائى ينذر بأن نتحول إلى لبنان ولكل طائفة تعليمها المختلف

الدكتور سعيد إسماعيل على لـ «الشروق»:7بحور تفصلنا عن التعليم الجيد

الدكتور سعيد اسماعيل على - تصوير : هبة خليفة
الدكتور سعيد اسماعيل على - تصوير : هبة خليفة
عبير صلاح الدين
نشر في: الجمعة 26 أكتوبر 2012 - 10:15 ص | آخر تحديث: الجمعة 26 أكتوبر 2012 - 10:28 ص

بعد أكثر من 176 سنة مازلنا مختلفين حول حق جميع الأطفال فى تعليم جيد دون تفرقة.

 

النقاش صعد هذه المرة ونحن نستعد لكتابة دستور مصر بعد ثورة يناير.

 

وكانت المرة الأولى له فى 1836 حين كتب محمد على حاكم مصر، لابنه إبراهيم ليلفت نظره إلى ما تعانيه أوروبا عندئذ من نتائج تعميم التعليم بين أبناء العامة.

 

وبين المرتين ثار نفس النقاش مرات كثيرة كان أشهرها ما دار مع طه حسين، صاحب المقولة الشهيرة «التعليم كالماء والهواء»، التى كان يحارب بها ملكى مصر فؤاد وفاروق نفسيهما.

 

لكن هذا التعليم الجيد نفسه مازالت تفصلنا عنه بحور.. أسهم فى صنعها الساسة أنفسهم.. وبحيرات نماها ووسعها أصحاب المصالح وضعف أصوات المؤيدين للحق فى التعليم الجيد للجميع.

 

هذه البحور وتلك البحيرات كانت محور الحديث مع أستاذ أصول التربية سعيد اسماعيل على، المولود فى 1937، الذى استطاع أن يهرب من تعليم الفقراء، فى قصة يمكن أن تلخص ما يحدث فى مصر حتى الآن.

 

«1»

 

أداة النهضة

 

أسند أستاذ اصول التربية ظهره إلى مسند المقعد وشبك أصابع يديه، وواصل بمنتهى الجدية: لو أتعرض على أبقى وزير التربية والتعليم مش هاقبل إلا لما أتفق مع رئيس الوزراء إن التعليم هو الأولوية الأولى فى الإنفاق عند تقسيم ميزانية الدولة، على رأى المثل أطبخى يا جارية كلف يا سيدى».

 

يحرك الدكتور سعيد ظهره للأمام، ويفك أصابعه: الدولة لا تعطى الأولوية للتعليم، يقول المسئولون إن التعليم أمن قومى، لكن لا تترجم هذه العبارة فى أولويات الإنفاق، فلم نجد أن التعليم كان أولوية بحق إلا خلال عصر محمد على، أى منذ 200 سنة.

 

يرن هاتف الدكتور سعيد: لا.. آسف باعتذر. مع السلامة.

 

يغلق الهاتف معلقا: دول بتوع إعلانات بيبيعوا حاجات بمكالمات عشوائية.

 

يكمل فكرته: محمد على الذى كان لا يقرأ ولا يكتب، استمع إلى مستشاريه المتعلمين فى أن التعليم أساس النهضة، فاعتمد فى كل صغيرة وكبيرة على التعليم، حتى عند تأسيسه للجيش.

 

وعندما كان يفتتح مدرسة ولا يتقدم لها أحد كان يلجأ للقوة، ويرسل للمديريات المختلفة «يلزمنا عدد... تلميذ»، وكانوا يرسلون للمدارس مربوطون بالسلاسل حتى لا يهربوا، لأن المدارس وقتها كانت داخلية، فلا يرى التلميذ أهله إلا بعد فترة طويلة، فيعتبرونه مفقودا وهو ما حدث لعلى مبارك.

 

 

 

«2»

 

الطريق الدائرى

 

يستأذن الدكتور سعيد لحظات، يعود بعدها بكوبين من العصير، ويرتشف رشفة من أحدها، ثم يكمل فكرته.

 

«لا يمكن أن نعزل فشل التعليم فى مصر عن باقى نواحى الحياة فى مصر، لأن الماكينة العامة للمجتمع مضطربة ومتراجعة».

 

ويزيد الأمر سوء فى التعليم. آه.. إننا نسير فى التعليم على طريقة اختراع العجلة، فلا يبنى المسئول على ما انتهى إليه سابقه فى طريق مستقيم، وإنما يبدأ من جديد، وهو ما «أسميه الطريق الدائرى فى التعليم».

 

السبب كما يراه الدكتور سعيد «أن كل مسئول يعتقد أنه وحده القادر على رصد الحق وأن من سبقه قد أخطأ الطريق».

 

فرح الدكتور سعيد حين تابع أن لجنة كتابة الدستور أخذت باقتراحه واقتراح الكثيرين بأن يضع سياسة التعليم فى مصر مجلس وطنى، مكون من مختلف الطوائف والتخصصات، ويحدد المبادىء العامة للتعليم بمشاركة الوزرات والجهات المختلفة ورجال الأعمال، يؤكد على التعليم كحق ودور كل جهة، ويكون دور وزارتى التعليم والتعليم العالى هو التنفيذ.

 

 

 

«3»

 

تفانى المعلمين

 

يتوقف الدكتور سعيد عند قراره الحاسم بإعادة رسالة دكتوراه محجوزة للنقاش لصاحبها مرة أخرى «لأنه لم يكن فيها فقرة واحدة تخلو من الأخطاء اللغوية».

 

يرى د. إسماعيل أن من لا يعرف إجادة لغته الأم لن يفهم ما يقرأه، والأمر لا يتعلق بالطلاب فقط، «بل ببعض أساتذة الجامعة أيضا».

 

يعود الدكتور اسماعيل بذاكرته للوراء حين أراد الالتحاق بالمرحلة الثانوية التى كانت وقتها 5 سنوات، ورغب فى أن يصل بسرعة إلى السنة التوجيهية، فكان عليه أن يؤدى الامتحان فى مواد 4 سنوات مرة واحدة، وبالفعل نجح.

 

يرجع الفضل فى هذا الانجار إلى مدرسى الثانوى، الذين كانوا يتنافسون للفوز بتلاميذ الفصل، بعد انتهاء اليوم الدراسى، ليراجعوا الدروس مرة أخرى، «وكأنها دروس تقويه لوجه الله».

 

ويتوقف الدكتور عند صاحب المدرسة الثانوى القبطى الشهير فى الفجالة وقتها «راغب مرجان» الذى طلب منه الطلاب المسلمون بالمدرسة وعددهم لا يجاوز ربع تلاميذها «مصلى»، فوافق على وضعها فى وسط المدرسة، ولم يتضايق أحد من التلاميذ أو المعلمين.

 

 

 

«4»

 

دروس فى التعبير

 

الدكتور سعيد الذى ألف أكثر من 100 كتاب، وأصدر سلسلة قضايا تربوية ومجلة الدراسات التربوية منذ 1985، مازال يحتفظ فى مكتبته الخاصة بكراسة تعود إلى عام 1947 حين كان فى الصف الثالث الابتدائى، وكانت المرة الأولى التى يدرس فيها مادة الإنشاء «التعبير»، وكتب له الأستاذ تعليقا بالحبر الأحمر، وهو قلم «لا يكتب به سوى الأشياء المهمة»، على أول موضوع إنشاء يكتبه حول زيارة للرى، «لله درك من تلميذ جميل الخط جميل الأسلوب، فإلى الأمام يا بنى فإنى أتوقع لك مستقبلا باهرا».

 

يمسك الدكتور اسماعيل بالكراسة ويقبلها مبتسما «السطرين دول أصحاب الفضل علىّ، لأن المدرس خلانى أقرأ الموضوع قدام الفصل كله، وصفقوا لى، فأقسمت بعدها ألا أكتب موضوعا أقل قيمة من هذا الموضوع، فأخذت أقرأ للعقاد وطه حسن وغيرهم لأقتبس من أساليبهم».

 

مازال الدكتور سعيد يحتفظ بكراسة الإنشاء التى كتب فيها موضوعا آخر حين كان فى المرحلة الثانوية، وهو الذى اقترحه على المدرس بطريقة طريفة، حين دخل المدرس الفصل فوجده قد كتب على السبورة اكتب فى أحد الموضوعين، وترك الموضوع الأول ليكتبه المدرس، وكتب الموضوع الثانى حول زيارة محمد مصدق رئيس وزراء إيران وقتها لمصر، وكان قد أصدر قرارا بتأميم البترول.

 

فابتسم المدرس قائلا: «أمرك ياسى سعيد»، وقال للتلاميذ أفسحوا له مكانا ليكتب فى آخر الصف، وقبل أن تنتهى الحصة قرأ التلميذ سعيد ما كتبه على باقى الفصل وصفقوا له من جديد.

 

«5»

 

أصحاب المصالح

 

«حفيدى الذى لم أعد أراه» عنوان مقال كتبه الدكتور سعيد فى إحدى الصحف، بعد أن أصبح لا يرى حفيده الذى التحق بالصف الثانى الثانوى، لانشغاله بالدروس الخصوصية، فلم بعد الوقت ليجلس مع جده كل أسبوع كعادته.

 

«المشكلة معروفة.. عدد المقاعد فى الجامعات أقل من عدد الناجحين فى الثانوية العامة، ولو اتصرفت الفلوس اللى بتدفع فى الدروس الخصوصية لبناء جامعات أهلية.. ستحل المشكلة».

 

يرى الدكتور سعيد أن أصحاب الجامعات الخاصة ومدرسى الدروس الخصوصية وراء استمرار هذه المشكلة، «حتى الناس اللى بتودى ولادها مدارس لغات عشان ياخدوا تعليم كويس، برضه بياخدوا دروس خصوصية وجاهة اجتماعية».

 

 

 

«6»

 

تعليم غير واقعى

 

مازال الصراع محتدما منذ أكثر من 40 عاما، هل الأفضل لمهنة التدريس خريج كلية التربية الذى درس فيها 4 سنوات ليؤهل لهذه المهنة، أم خريج أحد الكليات المتخصصة الذى درس عاما إضافيا فى العلوم التربوية.

 

«الحل الذى طرحه الكثيرون ومنهم الدكتور سعيد، ولم يأخذ به أحد أن تصبح كلية التربية 5 سنوات، بدلا من 4سنوات.

 

لكن الدكتور سعيد لا يرى أن هذه هى المشكلة الوحيدة فى طريقة إعداد المعلم، فقبلها أعلن أنه ضد تعيين أوائل الكلية كمعيدين، «الأول على قسم رياضيات يمكن يكون فى المواد التربوية نص نص وأغلب درجاته تأتى من درجات التخصص».

 

فى الماضى لم يكن يعين المعيدون إلا بعد التفوق فى الدبلوم التربوى، «لكن الضغوط الشعبية جعلت التعيين بعد البكالوريوس للأول من كل قسم»، ومن عيوب التكليف أيضا أن يعين الأوائل من طلاب نفس الكلية، لكن التعيين بالإعلان كان أفضل، «بس الضغط الشعبى برضه لغاه بسبب أنه دخول الواسطة».

 

الدكتور سعيد الذى تخرج فى قسم الفلسفة بآداب القاهرة عام 1959، عمل مدرسا بوزارة التربية والتعليم خلال عامى 1960 ـ 1962، واختير معيدا بكلية التربية، وحصل على الدكتوراه فى فلسفة التربية عام 1969 زمان ماكنش الواحد ياخد الماجستير إلا لو درّس سنتين فى مدرسة تابعة للتربية والتعليم، دلوقت ممكن يبقى أستاذ فى التربية من غير ما يدخل مدرسة».

 

يبتسم أستاذ أصول التربية سعيد اسماعيل ويقول: «ولو إن فى أساتذة كتير هايزعلوا منى، لكن اللى بيقولوا إن أساتذة التربية فى برج عاجى بعيد عن الواقع عندهم حق، مع إن التربية العملى فرصة ينزلوا المدارس، لكن نادرا ما يشارك الأساتذة فيها».

 

يعتبر الكثير من أستاذة التربية أن الإشراف على التدريب العملى لطلاب كلية التربية فى المدارس هو فقط للمعيدين، وللمحالين للمعاش من وزارة التربية والتعليم، ليسترزقوا منه.

 

ابتعاد التعليم فى كلية التربية عما يحدث فى المدارس الذى يصدم المدرسين، ليس الآفة الوحيدة التى تصدم الخريجين، فالتعليم الجامعى فى أغلب الكليات بعيد عن الواقع العملى، «وعشان كده الواد بلية أحسن عند صاحب ورشة الميكانيكا من خريج الهندسة قسم سيارات».

 

من بين أسباب هذا الوضع أن إمكانيات التعليم الجامعى وظروفه لا تسمح بالتدريب العملى لكل الطلاب فى سوق العمل فى تخصصاتهم المختلفة، «وعشان كده لما الموجهين بيقولوا للمدرس الجديد إنسى اللى اتعلمته بكلية التربية بيكون عندهم حق، لأن المعلومة اللى اتعلمها إما إنها قديمة أو مغايرة للواقع».

 

 

 

 

 

«7»

 

الأمية والطائفية

 

يقلب أستاذ أصول التربية فى بعض أوراقه، ليقول بلهجة تحذيرية: «إذا كان من الصعب توحيد أنواع التعليم فى مصر، فالمفروض أن يوحد التعليم الابتدائى على الأقل، لنضمن أن يكون هناك قدر من القيم المشتركة والمواطنة بين أبناء نفس الجيل».

 

ينظر الدكتور سعيد ثانية إلى أوراقه ويرشف رشفة من فنجان القهوة، ويكمل: للأسف الوضع الحالى فى التعليم الابتدائى بيقول إننا هانكون زى لبنان قريب، لأن كل طايفة لها تعليم مختلف».

 

ويمسك الدكتور سعيد بكتابه «أمية المتعلمين»، قائلا: بقاء الأمية دليل على كارثية ما يحدث فى المرحلة الابتدائية، اللى أول دعوة للتصدى ليها كانت 1866، من أيام الخديو إسماعيل، واتعمل لها مشروع لمدة 20 سنة أيام على مبارك».

 

يقصد سعيد أن التعليم الابتدائى يكثر من أعداد الأميين، بسبب عدم استيعابه لكل من هم فى سن المدرسة، وبسبب من يتسربون منه، بالإضافة إلى نسبة من يتخرجون منه ولا يجيدون القراءة والكتابة، «لا أنسى تصريح لمسئول فى التعليم الفنى فى اجتماع رسمى دعا إليه الوزير جمال الدين موسى، عندما قال: 20% من الطلبة عندى لا تقرأ ولا تكتب، وماحدش عرف وصلوا للثانوى إزاى».

 

يبتسم الدكتور سعيد بأسى «زمان كنا بندخل الابتدائى بنعرف نقرأ ونكتب، ودلوقت اللى بيتخرج من الابتدائى مش عارف يقرأ ولا يكتب، لازم الجهود الأهلية ترجع تانى تساعد فى مرحلة ما قبل المدرسة والابتدائى بمشاركة الأوقاف والأزهر والكنيسة والجمعيات الأهلية والمؤسسة العسكرية».

 

ويسترجع الدكتور سعيد قول أحد وزراء الأوقاف الذى لم يتذكر اسمه «لو كان الأمر بيدى لجعلت المعرفة بالقراءة والكتابة شرطا من شروط عقد الزواج، لأنها تعتبر من شروط الأهلية فى عصرنا هذا».

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك