تأمل الولايات المتحدة في التوصل إلى حل سريع لنزاعها مع مصر حول منظمات المجتمع المدني التي تعرضت للمساءلة القانونية، ما أدخل الدولتين في مسار خطير زاد من الضغوط على شراكة أمنية حيوية بالنسبة لواشنطن.
وكانت الولايات المتحدة تأمل أن تحسم خلال شهر فبراير هذا النزاع، حول مداهمة السلطات المصرية لجمعيات تموِّلها أمريكا ومنعها سفر عدد من المواطنين الأمريكيين، من خلال التوصل إلى اتفاق لحفظ ماء الوجه يسمح بالإفراج عن الأمريكيين، ويعيد العلاقات بين واشنطن والقاهرة إلى مسارها.
وبعد أن بدأت في مصر يوم أمس الأول الأحد، محاكمة عشرات النشطاء المؤيدين للديمقراطية بينهم 19 أمريكيا، أجلت المحكمة نظر القضية إلى جلسة 26 إبريل، مما فتح فصلا جديدا في النزاع قد يترك الباب مفتوحا أمام التوصل إلى حل، وقد يزيد أيضا من أخطار حدوث أضرار سياسية دائمة بالنسبة للبلدين.
وتقول هذه الجمعيات: "إنها سعت طويلا للتسجيل في مصر، واصفة الحملة التي تعرضت لها بأنها تجئ في إطار حملة قمعية ضد نشطاء المجتمع المدني شنها المجلس العسكري الذي يدير شئون مصر بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك العام الماضي.
وقالت فكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، يوم أمس الاثنين: "نواصل العمل بجد في مسعى لحسم هذا في أقرب وقت ممكن، نحن قلقون لأن الأمر لم يحسم بعد".
ولتوضيح هذا الموقف الأمريكي، استدعى جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السفير المصري في واشنطن إلى مقر الخارجية الأمريكية، في أحدث الاجتماعات الرفيعة المستوى بين الجانبين، وكان من بينها اجتماعان عقدتهما الأسبوع الماضي هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، مع نظيرها المصري محمد كامل عمرو.
وأوضح المسئولون الأمريكيون أن هذه القضية تهدد المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر وقيمتها 1.3 مليار دولار.
واتهم 43 من العاملين الأجانب والمصريين في جمعيات أهلية بتلقي أموال من الخارج دون موافقة حكومية، والقيام بأنشطة سياسية غير متصلة بعملهم في المجتمع المدني، وعدم حصولهم على تصريحات العمل اللازمة.
وإذا طال أمد هذه القضية، فقد تحدث ضررا طويل المدى على علاقة الولايات المتحدة مع مصر التي لعبت دورا محوريا في تحالفات واشنطن في العالم العربي، إلى جانب الدور الذي يلعبه الأردن، وهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تربطهما معاهدة سلام مع إسرائيل.
كما أن التوقيت الدبلوماسي صعب أيضا، فمحامو الادعاء يتحدثون عن اتهامات بالتجسس، ومصر تستعد لإجراء انتخابات رئاسية قبل انتهاء يونيو، والكونجرس الأمريكي يثير تساؤلات حول استمرار المساعدات لمصر، حيث يرى كثير من المحللين أن القضية قد تحيد تماما عن المسار إذا لم تحسم خلال الأسابيع القليلة القادمة.
وقال روبرت ستالفوت، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "فرص حدوث صدع بين الولايات المتحدة ومصر حول المساعدات زادت".
وأضاف قائلاً: "ما يبدو واضحا الآن، أن هذه القضية ستستمر، ويمكن فعلا أن تصل إلى ذروتها في خضم انتخابات الرئاسة في مصر، وفكرة التوصل إلى حل سلس يحفظ ماء الوجه تتراجع فيما يبدو".
ومن المقرر أن تتطرق وزيرة الخارجية الأمريكية إلى هذه القضية خلال شهادتها، اليوم الثلاثاء، أمام لجنة في مجلس الشيوخ.
ويرى مؤيدو المنظمات غير الحكومية وبعض المحللين السياسيين أن قرار المحكمة بتأجيل القضية مشجع، لأنها كان من الممكن أن تتخذ أجراء أشد وتأمر رسميا باعتقال المتهمين.
ويقولون: "إن هذا الأجل الطويل يمكن أيضا أن يسهم في إتاحة الوقت لحل دبلوماسي"، وشملت القضية جمعيات لها صلات سياسية رفيعة بالولايات المتحدة.
ومن بين هذه الجمعيات، المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي، ولهما صلات فضفاضة بالحزبين الأمريكيين، ومن بين المتهمين سام لحود ابن وزير النقل الأمريكي ومدير المعهد الجمهوري الدولي في مصر.
ولجأ لحود وعدد من الموظفين الأمريكيين في الجمعيات إلى السفارة الأمريكية في القاهرة، والتي يمكن أن تتحول إلى نقطة ساخنة إذا طلب من المتهمين الأمريكيين رسميا المثول أمام المحكمة.