«هل من الممكن أن يسترد سوق العقارات فى مصر عافيته؟.. وكيف؟»، «ما الذى يجب أن تقوم به الشركات العاملة فى السوق لاستعادة ثقة المستثمرين؟»، و«ما هو تأثير قضايا الاستيلاء على الأراضى على سوق العقارات؟، و«ما هو دور الحكومة المتوقع فى إنعاش سوق العقارات؟».. تلك هى الأسئلة التى تطرحها حاليا شركات الإعلام المختلفة التى تتولى عمل استطلاعات، عن طريق التليفون والبريد الإلكترونى، لرأى المواطنين فى أحوال السوق وكيف يمكن تطويره، متضمنة حملات دعاية لكبرى الشركات العقارية.
«اضطررنا لإجراء العديد من الاستطلاعات خلال الفترة الأخيرة فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أشلاء سوق العقارات فى مصر»، بحسب قول ابتسام خضر، واحدة من مسئولى العلاقات العامة بإحدى الشركات التى تتولى حملة الدعاية الخاصة بكبرى الشركات العقارية فى مصر.
تحاول شركات الإعلان من خلال هذا الاستطلاع تحسين صورة شركات العقارات التابعة لها، والترويج لها، فكان الاستطلاع دائما يحمل هدفا أبعد من التعرف على المقترحات بشأن إنعاش السوق العقارية. «هل تعلمين العروض الجديدة لشركة سوديك على سبيل المثال؟ وهل لديك فكرة عن مشاريعها الجديدة؟»، كانت هذه هى الأسئلة التى تتخلل الاستطلاعات دائما والتى تضمنت العديد من أسماء الشركات الأخرى، لاطلاع المتحدث إليه ببعض المشروعات الجديدة وأسعارها وأماكنها. «هناك دائما تسهيلات فى السداد ولكن ليس تخفيضا ملموسا»، تبعا لرحاب طه، محللة قطاع العقارات فى بنك الاستثمار برايم.
ومن الرسائل الأخرى التى استهدفتها شركات الإعلام، والتى كانت تبدو أكثر أهمية، هو الدفاع عن وضع الشركة وإثبات مصداقيتها وعدم تورطها فى أى شبهة جنائية تخص عدم قانونية الأراضى والمشاريع التابعة لها.
سوق العقارات من أكثر القطاعات التى تأثرت خلال عام الثورة، بعد أن كان أكثرهم دفعا لمعدلات النمو فى السنوات الماضية، وذلك «لا يرجع إلى الثورة نفسها وما تسببت فيه من ركود فى الأداء الاقتصادى فحسب، بل أيضا إلى ما كشفت عنه من فساد فى هذا القطاع»، تبعا لطه.
وعلى الرغم من هذا الركود الكبير الذى ضرب السوق، لم نشهد أى تخفيضات فى الأسعار، فـ«السوق العقارية المصرية هو الوحيد الذى لا يخضع للعرض والطلب»، بحسب قول محللة قطاع العقارات فى بنك الاستثمار برايم، مؤكدة أن الشركات العقارية لم تخفض أيا من أسعارها خلال هذا العام برغم شبه توقف فى مبيعاتها.
بدأ المواطن يشعر بالخوف من الاستثمار فى هذا القطاع مع انفجار أزمة مدينتى، التى تم اتهام مجموعة طلعت مصطفى فيها بشراء متر الأرض بسعر أقل كثيرا من قيمته، وتم إلزامها بسداد الفارق.
ومع انطلاق ثورة 25 يناير، تم فتح ملفات فساد بيع الأراضى، التى تطرقت لشبهات الفساد الإدارى والسياسى فى العديد من عمليات تخصيص الأراضى، فمن الناحية الإدارية كان يتم بيع مساحات شاسعة من الأراضى من خلال نظام التخصيص المباشر وتجاهل قانون المزايدات. ومن الناحية السياسية كانت قرارات التخصيص لا تراعى الصالح العام، فكانت تقتصر على حفنة من رجال الأعمال القريبين من دوائر اتخاذ القرار.
«تأثر أداء الشركات المدانة، وبصفة خاصة التى لم يتم الفصل فى نزاعها حتى الآن، بهذه القضايا، فعلى سبيل المثال نسبة الإلغاءات فى بالم هيلز كانت عالية جدا، وإذا تم مقارنتها بحجم المبيعات، ستكون النتيجة بالسالب، بينما حققت مجموعة طلعت مصطفى مبيعات كبيرة خلال هذا العام»، تقول طه.
الفساد وقضايا تخصيص الأراضى، بحسب محلل للقطاع فى بنك الاستثمار النعيم، رفض نشر اسمه، ليسا العاملين الوحيدين اللذين تسببا فى ركود القطاع، بل آليات السوق العقارية بالكامل تفتقر إلى منظومة تسمح لها باستعادة نشاطها قبل 2013. «التشريعات القانونية التى تحكم هذا القطاع بحاجة إلى إعادة هيكلة لكى تحقق الشفافية، فلابد من إعادة صياغة قانون تخصيص الأراضى، وتحديد وسيلة تسوية النزاعات القديمة، فجميع الشركات والمستثمرين فى حالة ترقب ويعلقون استثماراتهم لحين البت فى ذلك الأمر، وكل هذا لن يحسم إلا مع انتخاب رئيس واتضاح الرؤية السياسية»، يقول المحلل.
وتتفق طه مع هذا الرأى، وتتطرق إلى نقطة أخرى، وهى ضرورة استهداف الشريحة الوسطى والدنيا فى المجتمع، وليست الغنية، فى الفترة القادمة، وذلك من خلال إنشاء وحدات مناسبة السعر، بحسب قولها، موضحة أن الشركات تتلاعب باستهداف هذه الشرائح من خلال تصغير المساحة وليس تخفيض السعر. وتضيف «5500 جنيه للمتر ليس سعرا مناسبا، بل مرتفع ومبالغ فيه ولا يستطيع أن يتحمله أى من ينتمى إلى هذه الطبقات»، بحسب قولها.
وتعد مراجعة قانون التمويل العقارى، بحسب طه، أيضا أمر ضرورى لتنشيط السوق، فمعدل الفائدة مرتفع جدا لا يتحمله الموظف البسيط، كما أن نسبة الـ30% من الراتب والتى يشترط أن تقوم بتغطية قيمة القسط، عالية جدا، فـ«هذه شروط تعجيزية».