تحتضن مصر بين شوارعها تاريخًا يحمل تراثًا مصريًا عتيقًا، فعندما تتجول في شوارع مصر والقاهرة الكبرى، تشعر بأنك دخلت لأعماق التاريخ، في موقع فريد لا يتكرر إلا في مصر؛ حيث توجد أجمل الآثار الإسلامية والصناعات المصرية الأصيلة التي ارتبطت بشوارع لها تاريخ مثل شارع «الخيامية»، فأمام بوابة المتولي بالقرب من منطقة "تحت الربع" يقع شارع «الخيامية»، وهو أحد شوارع القاهرة المسقوفة، يقع على امتداد شارع المعز، وقد سُمي بهذا الاسم نسبة لحرفة «الخيامية». عند دخولك هذا الشارع تجد مجموعة من الورش مصفوفة على الجانبين، متخصصة في هذا النوع من التراث الفني العريق.
يرجع وجود هذا الشارع إلى العصر الفاطمي، ويتكون الشارع من طابقين؛ الطابق السفلي الذي توجد فيه الورش حاليًا كان قديمًا إسطبلاً للخيول، والطابق الذي يعلوه كان أماكن لمبيت التجار الذين يأتون من المغرب والشام، حيث كان هؤلاء التجار يستخدمون الخيام في سفرهم، وكانوا يعملون على إصلاحها في تلك المنطقة، كما كان يحرص كل منهم أن تختلف خيمته عن الخيام الأخرى، ومن هنا بدأت مهنة ««الخيامية»».
«الخيامية»..فن مصري أصيل
«الخيامية» هي فن مصري أصيل، تفردت به مصر عن باقي دول العالم، وكلمة «الخيامية» تعني صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في عمل السرادقات، وهي فن الرسم على القماش بالقماش، وكلمة «خيامية» مشتقة من كلمة الخيم، وتمتاز بأنها عمل يدوي تتوارثة الأجيال، وأدخل عليه بعض التحديثات في الألوان والتصميمات حاليًا، وبالرغم من وجود اختلاف حول متى بدأت هذه الصناعة في مصر وتاريخها على وجه التحديد؛ حيث يرجع البعض تاريخ هذه المهنة إلى العصر الفرعوني، ولكنها بالتأكيد أصبحت أكثر ازدهارًا في العصر الإسلامي ولاسيما العصر المملوكي.
واعتُبرت «الخيامية» أحد الفنون الرائعة التي تجذب إليها الكثيرين من عشاق فنون التراث المصري القديم، وكانت «الخيامية» ترتبط قديمًا بكسوة الكعبة المزينة بخيوط الذهب والفضة؛ حيث تعد من أشهر أعمال «الخيامية»، وكانت مصر تقوم بتصنيعها حتى فترة الستينيات من القرن الماضي، ويتم إرسالها للحجاز في موكب مهيب بالجمال، يُعرف باسم «المحمل».
وقديمًا كانت هناك طقوس خاصة لاعتماد أي حرفي "خيامي" جديد ينضم لتلك الطائفة؛ حيث كان يتم اجتماع «الخيامية» وشيخهم لرؤية وفحص أعمال الخيامي الجديد، فإذا كانت على المستوى المطلوب يقيم الحرفي مأدبة اعتماد لجميع «الخيامية» للاحتفال بانضمامه للمهنة، أما حاليًا فدخول المهنة يتم بشكل تلقائي بعد تعلمها.
تدهور صناعة «الخيامية»
تعاني صناعة «الخيامية» من التدهور والتهديد بالاندثار، ولكنها مازالت تصارع من أجل البقاء، والاحتفاظ بهويتها كفن يدوي يواجه التطور والتكنولوجيا في صناعة النسيج؛ حيث إنه يوجد في شارع «الخيامية» حوالي 30 ورشة فقط، حوالي أربعة فقط من بينهن هن اللاتي يقمن بعمل صناعة «الخيامية» ويعمل بها حرفيون توارثوها عن أجدادهم، وباقي الورش يعمل بها تجار فقط للبيع والشراء، حيث أصبح لا يوجد أحد يتعلمها في الوقت الحالي، فهي صناعة لا يعرف الكثير عنها شيئًا، وتحتاج إلى الصبر في صناعتها، حيث يستغرق صناعة «الخيامية» من عشرة أيام لأكثر من ثلاثة أشهر، على حسب حجم الرسومات على القطعة.
يحاول الخيامين أن يحافظوا على فن «الخيامية» من خلال محاولة عرضها في معارض خارج البلاد؛ حتى يتعرف عليها السياح، في محاولة منهم لإيصال مفهوم «الخيامية» لهم، يأتي ذلك في ظل حالة من الركود الاقتصادي الذي تعاني منه مصر في الوقت الحالي، بسبب قلة السياحة، وحيث إنها صناعة في الأساس تعتمد على الدخل السياحي.