المستقبل الصامت
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 1 يناير 2014 - 8:05 ص
بتوقيت القاهرة
يبدأ اليوم عام جديد بعد مفاجآت عام 2013م، تقلباته ومخاضه، هزاته السياسية العنيفة، ونهايته الصاخبة. لكنى أتوقع أن يحمل عام 2014م تقلبات، وتحولات، ليس فقط لأنه عام انتخابات برلمانية ورئاسية، ولكن لأنه العام الذى سيحدد فيه المصريون التوازن بين «الثورة» و«الدولة». ثورة 25 يناير كانت خروجا على استبداد دولة، وعاش المصريون بعدها سنوات بلا دولة فاعلة، يصطلون بنار غياب الأمن، وضعف الخدمات، وسوء الأوضاع الاقتصادية. ثورة 30 يونيو هى عودة من جانب الدولة، البعض يريدها فى صف الثورة، والبعض الآخر يريدها ضد مفهوم الثورة. من هنا يكون التحدى: كيف يتحقق التوازن بين الثورة والدولة؟
هذا التوازن يتحقق من خلال عدة اشتراطات. أولها: أن تكون «الدولة» محايدة، لا تسقط فى يد نخبة سياسية أو يختطفها فصيل سياسى، تحكم أداءها قوانين عامة مجردة. ثانيها: التخلص من مرارات الثأر والغبن وتصفية الحسابات التى تلون أداء أجهزة الدولة فى مواجهة التكوينات الثورية الشبابية من ناحية، وتجعل هدف هؤلاء ــ من ناحية أخرى ــ مواجهة الدولة، وكسر شوكتها حتى لو أدى الأمر إلى إسقاط أجهزتها الأمنية. لا هذا يصلح ولا ذاك. ثالثا: إنشاء نظام سياسى استيعابى، يسع الجميع وفق مبدأ المنافسة، ويطبق مبادئ الحكم الرشيد من مساءلة، وشفافية، وحكم قانون. رابعا: توسيع نطاق «المجال العام» بما يسمح بنقاش نقدى للسياسات العامة، والمشروعات المطروحة لتحديث المجتمع، وتعميق الحقوق والحريات العامة. خامسا: ترشيد الإعلام بما يجعله مجالا يمكن خلاله ممارسة النقاش العقلانى، وليس ساحة للتحريض، والاحتقان، وتمديد الغضب. سادسا: إطلاق حوار وطنى جاد يتناول ما حدث خلال السنوات الماضية، من حق الشعب أن يعرف ما جرى، ويتخلص من آلام الماضى، ويتفق على قواعد إدارة المستقبل.
كل ذلك يتطلب تغيير بوصلة النقاش فى المجتمع، من تركيز مفرط على الإخوان المسلمين ــ الذين تحولوا إلى جماعة إرهابية ــ إلى الحوار حول مشتركات بناء النظام السياسى: الحقوق والحريات العامة، أسس الممارسة الديمقراطية، السياسات العامة فى مجالات التعليم والصحة والبحث العلمى والتدريب، تطوير الخدمات العامة، تدعيم الرقابة الشعبية على المحليات، تطوير أداء المؤسسات العامة، تحديث الصناعة الوطنية، الخ.
هناك مجالات كثيرة تستحق أن تكون موضوعا للنقاش بدلا من أن يظل المجتمع أسير الحديث عن الإخوان المسلمين، قضى عاما ينتقد حكم محمد مرسى، وبعد عزله قضى شهورا يتحدث عن المواجهة مع الجماعة، والآن المجتمع مرشح كى يقضى شهورا أخرى للحديث عن الحرب على الإرهاب بعد أن دمغت رسميا بأنها جماعة إرهابية.
المواجهة الحقيقية التى تنتظر المجتمع هى مشكلات العدالة الاجتماعية، والفقر، وضعف الموارد العامة. لا يقلل ذلك من الإرهاب، لكنه يُخرج المجتمع برمته من ثقافة الانحسار والخوف والاستعداد الفطرى للتضحية بالحرية إلى التفكير فى التقدم، والبحث فى خيارات المستقبل، وتعزيز حقوق وحريات المواطن.
مصر واجهت الإرهاب من قبل، لكنها لم ترس نظاما يقوم على العدالة الاجتماعية فكانت هناك ثورة 25 يناير، وما تبعها. اليوم، هناك إرهاب آخر تواجهه مصر، لن تكون مواجهته بديلا عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وإذا أراد البعض أن تكون بديلا لهما، فالبديل المتوقع هو ثورة أخرى.