حلاوة زمان
ريم سعد
آخر تحديث:
الخميس 1 يناير 2015 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
عروسة المولد والحصان الحلاوة- تلك الدمى الجميلة المصنوعة من السكر و المصبوغة بألوان زاهية و المزينة بأوراق ملونة جميلة كادت أن تختفي و حلت محلها عرائس بلاستيكية محاطة بأقمشة اصطناعية باهتة وغالبا ما تكون "صنع في الصين".ويأسف لهذا الكثيرون ممن ارتبطت ذكريات طفولتهم بالعروسة السكرية التي درجنا على تسميتها بالتقليدية_ وفضلا عن قدرتها الفريدة على استدعاء البهجة في نفوس من عاصروها أطفالا, فالعروسة الحلاوة بتصميمها وألوانها احتلت مكانة خاصة كعروسة مصرية صميمة لها مقامها في موروثنا الثقافي.
ولكني لا أنوي هنا أن أسترسل في حديث الترحم على الماضي الجميل ولا الأسف على اندثار علامات مهمة على خصوصيتنا الثقافية وإنما أدعو في الحقيقة إلى محاولة قبول العروسة البلاستيكية متوسطة الجمال وإعطائها بعض الفرصة وهذه أسبابي.
أولا يجب علينا قبول مبدأ التغيير بل واعتباره مظهر صحة وليس عارا أو مرضا اجتماعيا. و الخصوصية الثقافية لا تعني الثبات و الجمود فلا يجب أن نصاب بالذعر ونعتبر أن العولمة انتصرت علينا بالضربة القاضية وطمست هويتنا لمجرد أن عروسة المولد تحولت من السكر إلى البلاستيك أو أن فانوس رمضان صار يعمل بالبطارية بدلا من الشمعة. فالمهم هنا هو قيمة الاحتفال و معناه بالنسبة للناس, وفي هذا استمرارية لا جدال فيها. أما المادة المصنوعة منها الدمية فلها أن تتغير كما تشاء. و بالمناسبة فأن العروسة البلاستيكية قد تطورت مؤخرا وصارت أحلى بظهور نوع يزدان بالأوراق الملونة التي ميزت العروسة القديمة.
و من الطبيعي أن ننزعج حين تتعرض للتهديد جوانب مهمة من هويتنا وتميزنا الثقافي, لكن الانزعاج الشديد من فكرة اندثار الأشكال و المنتجات الثقافية لا يجب أن يعني التشبث بالوضع القائم و حسب, و إنما عليه أن يدفعنا إلى التفكير في أفضل الطرق للحفاظ على تراثنا الثقافي. فمثلا هناك أشياء قد يكون حان أوان اختفائها من مشهد الحياة اليومية ووجب انتقالها إلى المتاحف الإثنوغرافية لتحفظ و تبقى شاهدا على تنوع و غنى المنتج الثقافي. مثال ذلك "الرحاية" و هي الطاحونة الحجرية الضخمة التي كانت (ولا زالت في بعض المناطق) تستخدمها سيدات الريف في طحن الحبوب و تستلزم جهدا بدنيا كبيرا في استخدامها. واعتقد أن العروسة الحلاوة أيضا رغم تعلقنا بها قد حل أوان تقاعدها. فهي كدمية قابلة للأكل غير صحية سواء بسبب جذبها للذباب أو لأصباغها الصناعية الضارة. ثانيا قد يكون الحكم باندثار شكل أو حرفة أو منتج تقليدي غير دقيق أو سابق لأوانه. إذ كثيرا ما تبدو الأشياء و كأنها على شفا الانقراض ثم تبعث ثانية ولكن في سياق آخر و لاستخدامات أخرى. وأعود هنا إلى مثال فانوس رمضان التقليدي و هو في سبيله الآن إلى التحول من لعبة أطفال إلى تحفة منزلية, و الحقيقة أن هذا الاستخدام هو الأنسب لأن الفانوس التقليدي رغم قيمته الجمالية العالية غير آمن كلعبة أطفال.
علينا أن ندرك أن الحفاظ على التراث الثقافي على طريقة إبقاء الوضع على ما هو عليه له ثمن تدفعه غالبا الحلقات الأضعف من مجتمعنا, فمنظر الفلاحة و على رأسها بستلة ألمونيوم هو بالتأكيد أقل رومانسية وإيحاءا بالأصالة المصرية من منظرها بالبلاص الفخار لكن الأخير أثقل وأكثر إرهاقا في التعامل من الأولى و من الظلم أن نولي اهتماما بالمنظر الطبيعي أكبر من اهتمامنا بصحة و راحة المرأة الريفية. و كذا عروسة المولد السكرية الجميلة التي يصعب للأسف الدفاع عن بقائها معنا مع ازدياد الوعي بخطورتها الصحية. و على كل من يأسف على اختفائها من واجهات المحلات في ذكرى المولد النبوي الشريف أن يفكر بصدق إن كان مستعدا لشرائها لأولاده ليأكلونها.
فلنحتفل هذا العام مع العروسة البلاستيكية وندعو لها بالمزيد من التطور ولنودع معا العروسة السكرية مع رجاء لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بحفظها لنا وأعدكم أنها هناك ستكون في أيد أمينة. و كل عام و أنتم بخير.