هل يستمر التخبط الاقتصادى فى العام الجديد؟
صفوت قابل
آخر تحديث:
الأحد 1 يناير 2017 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
لا شك أن غالبية المواطنين المصريين يودعون عام 2016 وهم يشعرون أنها كانت سنة صعبة تراجعت فيها مستويات المعيشة ولاحقتهم الأزمات، والمشكلة أنه رغم اعتراف الجميع بالأزمة الاقتصادية وما تتخذه الحكومة من إجراءات إلا أن الأزمات لا تنتهى بل تتضخم، وهناك دائما الحديث عما سوف يتغير من الأحوال مستقبلا وكل ما يحدث هو استبدال تواريخ بتوقيتات لاحقة وهكذا لا يجد المواطن العادى شيئا مما وعدوه به.
وإذا كان هناك وصف لسياسات الحكم فى مصر فإنه يمكن وصف ما يتم اقتصاديا بالتخبط الاقتصادى، حيث لا يتم مواجهة مشكلة من المشكلات المستمرة ووضع آليات القضاء على المشكلة بل مجرد إجراءات للتهدئة وتجاوز الاحتقان المجتمعى، وهو ما نجده فى مواجهة مشاكل نقص السلع المستمرة من الأرز إلى السكر إلى الأدوية وهكذا تستمر الأزمات من سلعة إلى أخرى دون وضع حلول تمنع تكرار هذه الأزمات.
كما أنه من مظاهر هذا التخبط أيضا اتخاذ قرارات ثم التراجع عنها، وهو ما رأيناه فى قرار منع تصدير الأرز ثم السماح بتصديره ثم العودة لمنع التصدير والتغاضى عن التهريب ثم الشكوى من التهريب وكأن الحكومة غير قادرة على مواجهة هذا التهريب، نضف إلى ذلك أيضا التراجع عن قرار إلغاء الجمارك على الدواجن المستوردة بعد صدوره بأيام وما صاحب ذلك من اتهامات بتربح البعض، وفى كلا القرارين هناك المبررات بأن ذلك لصالح المستهلك بينما المستهلك يئن من زيادة الأسعار يوميا.
أيضا طال التخبط السياسة النقدية؛ فمن وضع قواعد وتحديد مبالغ الإيداعات بالعملة الأجنبية لمواجهة السوق السوداء فى العملات الأجنبية وتقليل الواردات إلى إلغاء ذلك عمليا بعد شهور ثم التحول الدراماتيكى فى السياسة الاقتصادية بتعويم الجنيه، ثم لم تكد تمضى أسابيع وتحت ضغط ارتفاع سعر الدولار كل عدة ساعات، إلا وعادت المطالبة بضرورة تدخل البنك المركزى وضخ الدولارات فى الأسواق مما يساعد على وقف ارتفاع سعر الدولار، وهكذا يستمر التخبط لعدم وجود الدراسة الكافية لتبعات القرار والتحوط لذلك.
***
نشير أيضا إلى ما يصدر من وعود بمراعاة محدودى الدخل والتى تكون فى جملتها مجرد رسالة لبث الطمأنينة فى النفوس حتى يتم التعود على الأوضاع الجديدة، ومن ذلك وعد الرئيس السيسى بأنه أصدر توجيهاته بعدم المساس بأسعار السلع الأساسية مهما حدث لسعر الدولار، بينما الواقع أن زلزالا قد أصاب كل السلع نتيجة تعويم الجنيه، وتكون نتيجة ذلك أن يفقد المواطن ثقته فى التصريحات وعلى المدى الطويل يقل الشعور بالانتماء وهو من الكوارث الوطنية لو تعلمون.
كما أنه من مظاهر التخبط الاقتصادى أن تخضع الحكومة لأصحاب المصالح ذوى الصوت العالى، والمثال الواضح لذلك هو خضوعها لشركات الدواء والموافقة على زيادة الأسعار بنسب تصل إلى 50% مع الموافقة على الزيادة كل 6 شهور، وكان على الحكومة أن تدرس هيكل التكاليف وخاصة أن هناك الكثيرين من المتخصصين ومنهم الصيادلة الذين يؤكدون أن هناك مغالاة فى تسعير الأدوية وأن الشركات تلجأ لعدم الإنتاج حتى تفرض على الحكومة مصالحها، أضف إلى ذلك أن الحكومة كانت قد قامت بزيادة أسعار الأدوية قبل شهور تحت ضغط عدم تواجدها فى الأسواق، فإلى متى تستمر هذه الحال وماذا يفعل الفقراء ومتوسطو الحال من المرضى، وهل زيادة المرضى من صالح الإنتاج؟
***
كما أقدمت الدولة على اتخاذ قرارات بتعويم الجنيه وزيادة أسعار مواد الوقود وأسعار الكهرباء والمياه وفرض ضريبة القيمة المضافة، وهى كما يقول المسئولون قرارات صعبة وقلبت الأوضاع الاقتصادية رأسا على عقب، بالتالى لم تعد المشكلة الآن فى مدى صواب هذه القرارات ولكن فى كيفية مواجهة آثارها، حيث إنه لا توجد سياسة واضحة لتقليل ومواجهة الآثار السلبية لهذه القرارات، بل إن السياسة المتبعة هى سياسة التهرب وعدم الاعتراف بحدوث مشكلة ثم الاعتراف بها والبحث عن حلول وخاصة لأصحاب الصوت العالى، وهو ما يؤدى إلى ضياع الوقت فى دولة لا تملك رفاهية التأجيل، بل كل يوم يمر يزداد تفاقم الأزمات.
يلاحظ أيضا أن الحكومة فى قراراتها كانت تهدف إلى خفض عجز الموازنة والتى ترى أن السبب الرئيسى لحدوثها هو الدعم وزيادة الديون، ولكن نتيجة قراراتها وزيادة الأسعار اضطرت إلى التعهد بتحمل الزيادة فى تكاليف الوقود لمخابز الرغيف المدعم، وكذلك تحمل الزيادة فى تكاليف النقل العام، وتعويض المقاولين عن الزيادة فى تكاليف العقود وكذلك تحمل الزيادة فى تكلفة طباعة الكتب المدرسية، وهكذا بدأت الحكومة بهدف تقليص الدعم والدين العام لتنتهى إلى زيادة الدعم والدين العام، بالإضافة طبعا إلى زيادة الأعباء على مواطنيها.
***
خلاصة القول إن الحكومة تعالج الأعراض المرضية ولا تعالج المرض، تحاول خفض عجز الموازنة والدعم بتحميل المواطنين ذلك من خلال زيادة الأسعار، ولكنها لا تحاول أن يكون لها دور المنظم للاقتصاد ووضع السياسات التى تؤدى إلى زيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على الخارج من خلال الإنتاج المحلى، وهو ما يمكن أن يتم من خلال وضع السياسات وتحديد الإجراءات المطلوبة لذلك وليس الاكتفاء بمناشدة رجال الأعمال أو تكليف القوات المسلحة ببعض المشروعات أو التعويل على وضع قانون للاستثمار لن يغير شيئا.
فى النهاية نؤكد أن المشكلة التى تواجه مصر واقتصادها فى العام الجديد هى هل يمكن لمتخذى القرار فيها أن يتنازلوا ويراجعون قناعاتهم بأنهم يسيرون فى الاتجاه الصحيح، بينما الرعية تصرخ من سوء الأحوال، وذلك قبل أن نتحول إلى مجتمع غالبيته من المتسولين.