كل ما نعرفه ــ حتى كتابة هذه السطور ــ عن موقف الفريق أحمد شفيق من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة أنه «لا يزال يفكر ويفكر»، وأنه ربما سيظل خلال الفترة المقبلة «يفكر ويفكر» أيضا، دون أن نعرف فيم يفكر بالضبط؟ ولماذا لا يطرح هواجسه أو حتى مخاوفه من الترشح على الرأى العام؟ وهل يخفى ضغوطا تمارسها ضده جهات ما، على الرغم من نفيه أكثر من مرة تعرضه لها؟
تردد الفريق شفيق فى حسم موقفه، أفقده الكثير من الزخم الذى صاحب إعلانه الترشح فى بيانه التليفزيونى الشهير حينما كان فى الإمارات، بل وجعله يخسر الكثير من التأييد الجماهيرى الذى كان سيحصل عليه لو استمر على موقفه وأعلن ترشحه، ومع ذلك فلا تزال فرص الرجل فى المنافسة بل فى الفوز أيضا متاحة، نظريا على الأقل، لو أجريت الانتخابات بحرية ونزاهة.
ولكن ما الذى يستطيع الفريق شفيق تقديمه لو أصبح رئيسا؟
مجرد إعلان شفيق الترشح سوف يعطى الانتخابات مذاقا ديمقراطيا حقيقيا، سيكون لها تأثيراتها على زيادة نسبة المشاركة فيها، وطرح العديد من السياسات المتبعة حاليا على النقاش العام، وإبداء المعارضين لوجهات نظرهم فيها بحرية لا تتوافر لهم حاليا، وطرح بدائلهم لها، أما إذا أصبح رئيسا فعلا فالمتوقع أنه سيخفف إلى حد كبير قبضة السلطة على المجال العام، وعلى القوى والأحزاب السياسية المعارضة، وعلى تضييق مساحات الحريات الممنوحة للصحف والفضائيات والمواقع الإخبارية، لكن على المستوى الاقتصادى قد لا يملك الرجل عصا سحرية يحل بها أزماتنا المعيشية التى يكابدها غالبية المصريين، ولكن سيكون هناك بالتأكيد فرملة للاندفاع المبالغ فيه نحو المشروعات القومية الكبرى التى تثار بشأنها تساؤلات مهمة بلا إجابات قاطعة حول جدواها الاقتصادية، والحد من النهم الكبير للاقتراض من الخارج، والذى يهدد باستمرار زيادة معدلات الفقر فى مصر إلى مستويات غير مسبوقة، وآجال غير معلومة.
فى نظر البعض، قد يبدو شفيق ــ من ناحية موازين القوى على الساحة السياسية المصرية حاليا ــ رجل المرحلة الذى يستطيع أن يضع البلاد على مشارف طريق طويل لتحقيق إصلاحات سياسية كان المفترض أن ننعم بها بعد 7 سنوات من اندلاع ثورة يناير، على الرغم من أن الرجل نفسه لا يمكن أن يكون محسوبا على هذه الثورة ولا على مطالبها فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية!!
شفيق من ناحية ما ينتمى لدولة مبارك التى اندلعت الثورة ضده، لكنه من ناحية أخرى هو الجسر الوحيد الموجود الآن أمام قوى المعارضة لكى تلتقط أنفاسها وتنظم صفوفها وتطرح مطالبها وهى تتحرك وسط جماهيرها بقدر أكبر من الحرية، وهذا ليس مأزق شفيق وحده، لكنه فى واقع الأمر مأزق حياتنا السياسية بأزماتها الديمقراطية فى المرحلة الراهنة.
الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تكون موسما سياسيا ساخنا إذا شارك فيها شفيق، لأنها ستعطى الفرصة للكثير من القوى الثورية للمشاركة الفاعلة فى الشأن العام، وتحريك المياه الراكدة فى حياتنا السياسية حتى لو خسر هو شخصيا الانتخابات، أما إذا قرر الانسحاب منها فستكون انتخابات بطعم الاستفتاء، وهو أمر لن يكون فى صالح السلطة الحالية، وسيفتح عليها انتقادات دولية واسعة، وقبل ذلك سيزيد من غضب قطاعات واسعة من الشعب المصرى ستختار بالتاكيد مقاطعة هذه الانتخابات لأن نتائجها ستكون محسومة سلفا.
إجراء الانتخابات المقبلة بحرية وشفافية ونزاهة أصبح ضمانة لصيانة الأمن القومى المصرى، وحمايته من الإرهاب بل ومن احتجاجات اجتماعية قد تتسم بالفوضى التى قد لا تتحملها أوضاعنا الراهنة.